الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حال العرب... في مرحلة الأسئلة!

19 نوفمبر 2010 22:38
كيفما التفتنا إلى محيطنا العربي نجد عالماً متشابهاً في الاتجاهات ويمر بنفس الخصوصيات والصعوبات. ويمثل العالم العربي واحة ثقافية واحدة (مليئة بالتنوع والاختلاف). ولو نظرنا إلى الحركات السياسية: إسلامية أو وطنية وقومية أو إصلاحية وشعبية لوجدنا أيضاً هموماً متقاربة وصعوبات متشابهة. ولكن هذا كله واجه تحديّاً كبيراً في الممارسة والتطبيق، إذ واجهت الدول العربية مصاعب جمة في البناء الوطني الداخلي وواجهت في الوقت نفسه واقعاً ذاتيّاً وآخر إقليميّاً لم تعرف كيف تتعامل معه بإبداع وعصرية. وبينما عكست الفكرة الإسلامية والقومية السابقة (بأبعادها السياسية) طبيعة التواصل العربي العربي والعربي الإسلامي، إلا أن وصول الفكرتين إلى أزمات، بالإضافة إلى تعمق أزمات الدول والأقطار المختلفة، كل ذلك مما يتطلب من العرب البحث عن طرق جديدة. إن دعوات الإسلاميين للاستنارة من عصور قديمة قابلتها دعوات القوميين بضرورة التوحد، ولكن الحقيقة الغائبة في الوسط بقيت في الإدارة والقيادة والتعليم والمشروع الوطني والتجديد والبرامج والتفاعل مع الاختلاف والتنوع والإيمان بحقوق الآخرين وحرياتهم. وفي الطريق العربي الجديد ينبغي أن يتنافس العرب مع بعضهم بعضاً ومع الآخرين في المجالات التي يتعين على العرب إتقانها: العلم والتكنولوجيا، والإدارة والثقافة والاقتصاد والحقوق والحريات والمساواة وثقافة صناديق الاقتراع. ويرى البعض أن حرب العراق منذ 2003 كانت كبانوراما ما بعد الحرب الأولى عام 1918 ومشروع "سايكس- بيكو" الشهير الذي جاء معها. وقد يصح القول إن العالم العربي يعيش مرحلة خاصة لها صفات تجمع بين الفوضى والعنف كما تجمع بين الغضب والرفض وتصادم الحضارات وتصادم الأفكار، ولكن كل هذا بإمكانه أن يتحول إلى فرصة لإعادة النظر والتساؤل والبناء على ما يبدو أنه تهدّم أو في طريقه إلى السقوط. وفي هذا تتداخل المشاهد: فقد نشاهد مزيداً من العنف في العراق قبل أن نشاهد هدوءاً واستقراراً، كما قد نشاهد مزيداً من الإرهاب في العالم العربي قبل أن نرى بوادر إصلاح يمتص الإرهاب ويحوّله إلى البناء والإنجاز والحريات والحقوق، وقد نشاهد الكثير من الفوضى في دول عربية عديدة قبل أن نتوصل إلى ضرورات النظام والتطوير والمساءلة. إن هذه المرحلة تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات. إذ قد تأخذ العالم العربي نحو مزيد من الصراع وتعميق الخلافات الداخلية والدولية في ظل التفتت والخسائر، ولكنها في الوقت نفسه قد تقودهم نحو نقيض ذلك لو أحسن بعض العرب التعامل مع مقدماتها واستغلال بعض فرصها. في المشهد العربي نشاهد ضعف الإنجازات، ونشعر بعمق الفساد المرتبط أيضاً بعدم الثقة بالمستقبل وبضعف القيم المهنية والأخلاقية، كما نواجه وضعاً يحمل خطوة إيجابية في الصباح مقابل خطوة سلبية في المساء، ولذا ألا ينبغي أن نتساءل كيف تحوّلنا من القومية الجامعة الشاملة وحركات القوميين العرب والناصريين ثم حركات الإسلاميين القائلة بقوة الإسلام، إلى عشائر وطوائف وفئات يخاف كل منها الآخر؟ ألا نتساءل كيف تحولنا من العروبة إلى الأقطار المستقلة إلى حكم بلا شعوب وبلا مجتمع مدني وبلا مشاركة وبلا تعددية صادقة؟ لقد أصبحنا في المرحلة الأخيرة ضد كل شيء: ضد أنفسنا وضد بعضنا بعضاً، ضد السنة وضد الشيعة وضد المسيحيين وضد الدين والحريات وأميركا والمرأة والشباب والإسلام والعروبة والحكومات والعولمة، والقرارات الدولية، وضد الغرب. لسنا مع أي شيء. أصبحنا ضد من يختلف معنا ويختلف عنا ولكننا لسنا مع أحد ولسنا مع أنفسنا قبل كل شيء. ولهذا بالتحديد نواجه اليوم حقيقتنا فلا تعجبنا، ونواجه مرآتنا فلا نحب ما نراه، وعندما نسمع صدى أصواتنا نكتشف الكثير ممّا حل بنا. كيف نخرج من هذه الشرنقة، وكيف يكون مستقبلنا خارج أليافها؟ كيف نغير من حالنا وكيف ننطلق من جديد؟ أسئلة ستشغلنا في سنواتنا القادمة. الحال أن المنطق العربي الذي ميزنا في حدته ولفظيته وعلو نبرته واستفراده يحتاج إلى مراجعة صادقة اليوم. يحتاج عالم العرب إلى وقفة مع الذات. علينا أن نتساءل: هل وصل العرب إلى قاع القاع أم أننا سنشهد مزيداً من الهبوط؟ قد يكون الحائل بين مستقبل يسير هبوطاً وبين مستقبل يسير صعوداً مرتبطاً بمقدرة العرب أفراداً ودولاً، مجتمعات وشعوباً، على إحياء الروح النقدية وإحياء روح التساؤل والمراجعة وفوق كل شيء استعادة الحرية التي فقدتها الأجيال العربية طوال العقود السابقة. لقد آن الأوان للتساؤل: أليست مشكلتنا حتى اليوم مرتبطة بضعف مقدرتنا على الترابط الخلاق مع الاتجاهات الكونية وفي تقدير المواقف وفي التنظيم وأسلوب القيادة وفي الرؤية والأهداف والأولويات؟ وهل هذا ممكن بلا حريات وبلا ثقافة تسنده وروح عصرية تغنيه؟ لا ينقص شعوبنا الاستعداد للتضحية، ولكن تنقصنا إدارة التحالفات وبناء الإجماع وتطوير الحريات ومبادئ المساواة والإنجاز والقبول بالآخر ضمن مجتمعاتنا وفي العالم الأوسع. نتساءل كيف حصدنا عكس ما ضحينا من أجله؟ فهل المشكلة في الأهداف، أم في التقدير، وهل هي في البرامج أم في القيادات، أم هي في الثقافة الأوسع ونقص الحريات وضمور الآراء المختلفة وإبعاد المخالفين في الرأي ومحدودية السياسة التي أسسناها إلى يومنا هذا؟ د. شفيق الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©