الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نماذج السفن الخشبية المصغرة.. هدايا تذكارية تفوح بعبق الماضي

نماذج السفن الخشبية المصغرة.. هدايا تذكارية تفوح بعبق الماضي
9 سبتمبر 2014 20:15
تعد صناعة السفن الخشبية واحدة من الصناعات، التي اشتهرت بها دول الخليج ومن بينها الإمارات، إلا أنها تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة لغياب الورش التي كانت تعنى بها، ولكنها ظلت تشكل تراثاً بحرياً يفتخر به أبناء الدولة. ومع تغيرات الزمن وتطور وسائل النقل، توارت معظم هذه السفن الخشبية، ووضع بعضها في المتاحف، وفي ظل هذه الظروف، تحول بعض الحرفيين المهرة في هذا المجال من صناعة السفن الكبرى إلى صناعة نماذج لسفن خشبية تقليدية مصغرة، يقتنيها الناس حالياً كتحف وهدايا تذكارية من وحي التراث والأصالة تزين البيوت وتضيف إليها شيئاً من عبق الماضي. ملحمة تراثية على إيقاع الهولو واليامال نمخر عباب الذكريات، لنقف على ملحمة تراثية مهمة كانت نتاج رغبة الأهالي قديماً في تغيير ظروف حياتهم الصعبة، وفتح باب رزق وفير لهم عبر منفذ ساحلي ممتد يحمل في أحشائه الرزق والخير الكثير، إلا أن محاولة ترويضه تتطلب مهارة كبيرة، ودراية تامة بفنون البحر، واستخدام وسائل آمنة قادرة على أن يمتطيها الإنسان من دون خوف أو وجل، ليفتح معها طريق الأحلام والأمنيات والآمال التي بكل تأكيد تتطلب الشجاعة والإقدام والتسلح بالإرادة. ونحن نتأمل مجموعة متنوعة من نماذج مصغرة لمحامل وسفن خشبية صنعت ببراعة وفن، كأنها تحن لموج البحار، وتهفو لأن يداعب نسيم البحر أشرعتها البيضاء، لتشق رحلتها المليئة بالمغامرات والأحداث، تذكرنا حرفة صناعة السفن، أو ما يسمى بالقلافة والتي تعد حرفة مهمة زاولها أهالي المنطقة قديماً، مستعينين بخامات البيئة المحلية ومنها النخيل التي كانت خير عون لهم في صناعة المراكب الصغيرة للصيد والتي كانت تتسع لشخصين أو ثلاثة، وبعد ذلك انطلقوا في صناعة المراكب من الخشب وتحويله لمركب صغير يطلق عليه «البانوش»، وما أن استطاعوا جلب ألواح الخشب حتى برعوا في صناعة المحامل والسفن التقليدية الكبيرة التي شقوا بها أسفارهم ورحلاتهم التجارية. إطار ضيق هذا التاريخ الزاهي لحرفة قهرت قوة الأمواج، وسبحت بإقدام بحثاً وطلباً للرزق، نجدها قد انحسرت في الوقت الحالي، ووضعت في إطار ضيق ومحدود، يقوم بها بعض ذوي الخبرة الذين ما زالوا ملتصقين بالبحر، قائمين على مهنة الصيد، فيما ظل البعض يبدع في تقديم نماذج مصغرة لصناعة السفن والمحامل بأنواعها، الذين وجدوا أنفسهم مرتبطين بها، حيث تربوا على الشدة والصبر، وتتلمذوا على إيقاع حب العمل الذي يعد مصدر رزق لهم، وقد برع شاشي أم. ك، وهو حرفي هندي الجنسية، على العمل في مجال صناعة السفن لأكثر من 25 سنة، في كل من الكويت والسعودية، فوجد نفسه مجبولا عليها، غير قادر على نزع هذه الحرفة التي ارتبط بها منذ أن كان طفلًا صغيراً، يراقب والده وأعمامه وهم يعملون على صناعة السفن على شواطئ الهند، فلم تبارح المطرقة وأداة حفر الخشب أنامله الغضة، فالأدوات كانت ملهاة له، وهو يحاول أن يدق بها أسفين الرغبة في امتهان خبرة والده، الذي يتطلب الإرادة القوية، ومزيد من الصبر والعمل الدؤوب. إلى ذلك، يقول شاشي «لم يكن العمل في صناعة السفن بالبساطة التي قد يتصورها البعض، فالعمل في المجال الحرفي يعتمد بشكل كبير على مدى إيمان المرء بما يقوم به، وتعلقه بهذه الحرفة، فعدم وجود هذه الرغبة يؤدي إلى الفشل الحتمي وعدم قدرة المرء على المضي في عمله، وما جعلني مقبلاً ومشدوداً على مهنة صناعة السفن، طبيعة نشأتي، حيث كنت ملتصقا تماما بوالدي وأفراد العائلة الذين امتهنوا حرفة صناعة السفن التي كانت رائجة وبشكل كبير في الماضي، نظرا لقيام عدد كبير من البحارة من العراق والكويت وبعض دول الخليج في السفر إلى كلكتا في الهند وفتح مشاغل للعمل في مجال صناعة السفن، حيث كانت السبيل الوحيد للسفر والتنقل من ضفة إلى أخرى، والنهل من كنوز البحر والمحيطات، وعندما أشتد عودي، توجهت إلى الخليج للعمل في صناعة المراكب، بقيت مدة طويلة وتنقلت بين الكويت والسعودية، في الصناعة ذاتها، حتى كونت ثقافة واسعة وتعرفت على تقنية صناعة أنواع مختلفة من المحامل والمراكب التي تختلف في تصميمها ومسمياتها، ووظيفتها، وتختلف أيضاً في شكلها من دولة إلى أخرى». يوضح شاشي «بعد فترة طويلة من العمل في مجال صناعة السفن، وتوقف بعض الشركات العاملة في هذا المجال، لظروف مختلفة، لم أستطع العمل سوى في هذا المجال الذي أعشقه وعملت فيه مدة طويلة، فعملت في مجال تصنيع سفن خشبية تقليدية مصغرة عبارة عن تحفة بديعة تصور مرحلة تاريخية مهمة من عمر هذه المنطقة». ويضيف «العمل في صناعة هذه التحف المصغرة من السفن لا تختلف تماما عن صناعة السفينة بالحجم الكبير، ولكن يكمن الاختلاف هنا فقط في الحجم، وأيضاً ما يطلبه من دقة وحذر عند حفر الخشب والتعامل مع الجزيئات الصغيرة منها وتركيبها، في حين عملية تشيد المحامل الكبيرة أكثر سهولة نظرا لتوزيع مهام العمل على مختلف الحرفيين فكل مهني يقوم بعمل ما». ويتابع «يمكن أن تروا نماذج مصغرة لمحامل من السمبوك والجلبوت، والبوم، وبهلى والأخير تصميم عماني، فكل قطعة منها محفورة ومشيدة بدقة وإتقان بطريقة رشيقة ناعمة، تتميز بها كل سفينة عن الأخرى، من خلال تصميم مقدمتها حتى طريقة وشكل الشراع الذي يجعل هذه الأيقونة تبحر بسهولة وجمال سعيا خلف الرزق، ولكنها الآن في حجمها المصغر تحولت إلى تحفة بديعة يمكن أن تكون هدية رائعة للذكرى، وأيضاً يتعرف من خلالها الأجيال والسائحون على مهنة مهمة عرفت بها هذه المنطقة وهي حرفة القلافة التي توارت عن الأنظار وأصبح القليل فقط من أبناء دول هذه المنطقة من يهتم بهذه المهنة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©