الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإكثار من شرب الماء بين الحقيقة العلمية والدعاية الربحية

الإكثار من شرب الماء بين الحقيقة العلمية والدعاية الربحية
24 أغسطس 2011 22:46
دأبت الهيئات الصحية في مختلف الدول على نُصح مواطنيها بالتقليل من استهلاك جميع المواد الغذائية حفاظاً على صحتهم البدنية والنفسية ووقايةً لهم من الأمراض. لكنها ما فتئت بالمقابل تدعو إلى الإكثار من شرب الماء. فهذا السائل الطبيعي يكاد يكون الاستثناء الوحيد الذي «لا ضير في الإفراط فيه»، والذي يشعر معظم سكان الكوكب الأزرق بالذنب بسبب عدم تزويد الجسم بما يكفي منه. لكن بعض الباحثين المشككين يرون في تسابق شركات المياه على ترغيب الناس في شرب مياهها المعدنية أو المعبأة تسابُقاً على جني الأرباح تلو الأرباح دون أن يكون لهم دافع الحرص على صحة الناس، كما «يدعون». فكل شركة مياه تُجمل محاسن منتجها وتُزين محتوياته وتُظهره كأنه الأجود والأفضل في السوق وتحض على الإكثار منه دون حُدود وقدر المستطاع. ولا يُجادل أحد في كون شُرب ستة إلى ثمانية أكواب من الماء في اليوم مفيد للصحة وأمر يتفق عليه جميع خبراء الصحة، لكنه يبقى مع حمى تسابق شركات المياه في استقطاب مستهلكين وإقناعهم بإدمان شُرب مياهها رأياً يستدعي التمحيص ويحتاج إلى وقفة. كتبت طبيبة عامة من اسكتلندا مقالاً في المجلة البريطانية الطبية تُفند فيه هذا الاعتقاد السائد حول الإكثار من شرب الماء، وتقول إن سيول النصائح الطبية الخاصة بشرب المياه المعبأة والمعدنية هي في الحقيقة دعايات تجارية تروم خدمة الأغراض الربحية للشركات العاملة في إنتاج وتعليب قوارير المياه. واستدلت مارجاريت ماكارتني بشهادات خبراء تفيد بأن الإفراط في شرب الماء قد يتسبب في اضطراب نقص صوديوم الدم، ويجعل المستهلكين أكثر قابليةً للتضرر بالملوثات، علماً بأن السلطات الصحية في مختلف البلدان تدفع دوماً في اتجاه التشجيع على الإكثار من شرب الماء بشكل يُشعر جميع الناس بالذنب ويُحسسهم بأنهم لا يشربون ما يكفي من الماء. وقد سارع الخبراء بالرد على هذا المقال، ووصفوه بـ«المضلل»، فالبروفيسور توماس ساندرز، أستاذ التغذية وعلم الحمية بكلية كينجز كوليج بلندن، كتب رداً في الموقع الإلكتروني للمجلة الطبية «بي إم جي» جاء فيه «حصول الجسم على كمية الماء المناسبة مفيد للجميع، خاصةً المسنين والأطفال. فمن الأفضل أن يحصل الشخص على معظم ما يحتاجه جسمه من سوائل من خلال الماء المعبأ أو ماء الحنفية الشروب على أن يحصل عليه عبر مشروبات أخرى كتلك المشبعة بالغازات والسكريات.. وقد جانب الصواب الباحثة مكارتني، فهي ركزت أكثر في مقالها على ادعاءات غريبة حول الماء واستخدمت بعض الحقائق العلمية بطريقة غير دقيقة لتجعل منها مراجع يُستند إليها وتخلق منها قصةً وجدت طريقها إلى النشر في مجلة علمية». وإذا كان مقال مارجاريت قد وُوجه بانتقادات عديدة من قبل عدد من الخبراء، فإنه يُثير في الأذهان تساؤلاً جوهرياً حول الحجم الحقيقي لما يحتاجه جسم كل واحد منا من مياه بشكل يومي، ومدى إمكانية تأثير الإفراط في شرب الماء سلباً على الإنسان. موقع «مايوكلينيك» الأميركي الشهير يجيب عن هذا التساؤل ويفيد بأن ذلك يتوقف على نوع النشاط الذي يمارسه كل شخص على حدة، وظروفه الصحية ودرجة الحرارة والرطوبة الموجودة في البيئة التي يعيش فيها. ومن جهته، يوصي المعهد الطبي الأميركي بأن لا يقل عدد ما يتناوله كل شخص من مشروبات عن 9 أكواب بالنسبة للمرأة و13 كوبا بالنسبة للرجل. ويقترح موقع «مايوكلينيك» طريقةً ثانيةً لتقييم كل شخص لنفسه ومعرفة ما إذا كان جسمه يحصل على ما يكفي من سوائل، وذلك من خلال اتباع التوجيه الآتي: «إذا كنت تشرب سوائل كافية، بحيث إنك نادراً ما تشعر بالعطش ويفرز جسمك 1,5 لتر (6,3 أكواب) أو أكثر من البول عديم اللون أو ذي اللون الأصفر الفاتح بشكل يومي، فهذا يعني أن جسمك يتزود بما يكفي من السوائل». وتزداد حاجة الجسم إلى السوائل كلما كثُر نشاطه، وهو ما يُفسر حاجة الرياضيين إلى شرب الكثير من السوائل، خاصةً منهم عدائي الماراثون. أما مسألة نقص الصوديوم في الدم، فهي تُصبح مشكلةً عندما يحتاج الجسم إلى تعويض ما فقده من ماء خلال التعرق، خصوصاً إذا فقد كثيراً من الماء، إذ يؤدي اختلال مستوى الملح في الجسم في هذه الحالة إلى انتفاخ الخلايا بالماء وتشكيل خطورة محتملة على خلايا الدماغ. وحسب موقع «ميدلاين بلاس» المتخصص في الصحة والطب، فإن أعراض نقص الصوديوم في الدم تشمل الشعور بالارتباك والغثيان وتواتر تقلص العضلات وارتخاءها بشكل سريع. وقد يُصاب بنفس هذه الأعراض المسنون والمرضى أثناء تلقيهم العلاج بالمستشفى. وتفيد الإحصاءات الرسمية بالولايات المتحدة الأميركية بأن عدد الأشخاص الذين يُصابون بنقص الصوديوم في الدم يتراوح بين 3,2 مليون و6,1 مليون شخص سنوياً، وهو ما يُسبب لعدد منهم مشكلات صحية قد تتطور إلى أمراض القلب والسرطان. ولتجنب الإصابة بالأمراض الناجمة عن نقص الصوديوم، يوصي موقع «ميدلاين بلاس» باتباع الإرشاد الآتي: «إذا كنت تُمارس رياضةً تتطلب جهداً بدنياً كبيراً، فعليك تناول المشروبات التي تحتوي على الأيونات الحرة الناقلة للكهرباء (electrolytes)، وهي موجودة في المشروبات الرياضية. أما الاكتفاء بشرب الماء فقط أثناء تأدية تمارين رياضية تتطلب جهداً بدنياً شاقاً وطاقةً كبيرةً، فيمكنه أن يُصيب الشخص بنقص حاد في صوديوم الدم وما يتبعه من مضاعفات». ولذلك فإن منافسات تحطيم الأرقام القياسية في شرب المياه التي تقيمها بعض الجهات قد تكون قاتلةً للمشاركين فيها. فقد سبق أن ماتت إحدى المشاركات في منافسات شرب المياه على الهواء مباشرةً في إحدى القنوات الإذاعية بعد شربها 6 لترات مياه بشكل مسترسل بسبب إصابتها من فورها بنقص حاد في صوديوم الدم أدى إلى وفاتها. وعموماً، يبقى شرب الماء أمراً محبذاً ومنصوحاً به بالنسبة للأشخاص الأصحاء أو عند الشعور بالعطش، بينما يُعد ضرورياً بالنسبة للمرضى الذين ينصحهم أطباؤهم بذلك لتحقيق توازن ما في الجسم أو تلافي الإصابة بمضاعفات ما. عن «لوس أنجلوس تايمز» ترجمة: هشام أحناش
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©