الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جماليات عربية وراء النهر

جماليات عربية وراء النهر
21 أغسطس 2013 20:00
سمرقند أو وجه الأرض، كما يعني اسمها، التي تقع اليوم في جمهورية أوزبكستان في آسيا الوسطي، هي واحدة من أشهر المدن الإسلامية التي ارتبط اسمها بالسحر والخيال والأسفار وأيضاً الجمال، وروعة الألوان، هي المدينة التي فتحها القائد المسلم قتيبة بن مسلم فاتح بلاد ما وراء النهر، وعاصمة الغازي الشهير تيمور لنك. سمرقند هي المدينة ذات الألفين وخمسمائة ربيع، المدينة المتحف، عقدة طرق القوافل التجارية القديمة، وطريق الحرير الذي ربط يوماً الصين بأوروبا، المدينة التي كانت ملتقى التجارة والقيم الروحية والعادات والتقاليد الأصيلة لمختلف الشعوب، المدينة التي انبعثت فيها الثقافة الأصيلة لمنطقة آسيا الوسطى بأسرها، وكانت مهداً للحضارات شأنها في ذلك شأن مهد الحضارات الإنسانية الأخرى مثل بابل وممفيس وأثينا وروما والإسكندرية. سمرقند التي عاشت الأحداث الصاخبة والمصيرية عبر التاريخ واهتزت لها، المدينة التي أثبتت أقدم الوثائق التاريخية أنها كانت مركزاً رائداً للفكر العلمي والثقافي، مدينة أشهر العلماء والشعراء الشرقيين: “أبو عبدالله جعفر بن محمد الرودكي السمرقندي”، و”ميرزا ألغ بيك بن شاهرخ” و”مير على شيرنوائي”. تزدان شوارعها القديمة بجواهر من روائع العمارة الإسلامية التي أعطت سمرقند شهرتها، من مساجد ومدارس وقباب للدفن، تدهش بروعتها وجمالها وتفرد شكلها الناظرين، وأبلغ مثال على ذلك، مجمع كور أمير، أي قبر الأمير الذي يتكون من مسجد ومدرسة وقبة دفن تضم رفات صاحب قران أمير تيمور مؤسس الأسرة التيمورية ورفات عدد من أبنائه الذكور وحفيده “محمد سلطان” ومعلمه “مير سيد بركه”، ومسجد بيبي خانم - مسجد سمرقند الجامع - الذي شيده صاحب قران لزوجته “سراي ملك خانم”، وتجمع شاه زنده الجنائزي الذي يضم عدداً كبيراً من قباب الدفن لأفراد البيت التيموري من النساء، بالإضافة إلى بعض القباب التي تخص بعض الشخصيات ذوي المكانة السياسية والعلمية، كما يضم هذا التجمع الجنائزي فضلاً عن ذلك، مجمع “قثم بن العباس بن عبد المطلب” ابن عم الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي استشهد عند فتح سمرقند، ويعد قبره الأساس في بناء هذا التجمع الجنائزي، بالإضافة إلى ساحة الريكستان وتعني بالعربية “الأرض الرملية”، وتزين جوانبها ثلاث مدارس ضخمة تشمل: “مدرسة ميرزا ألغ بيك” التي شيدت خلال القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، “ومدرسة شير دار” المشيدة في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، و”مدرسة تيلا كاري” المشيدة في الفترة نفسها. بالإضافة إلى القصور التي بناها تيمورلنك وخلفاؤه من بعده مثل قصر دلكشا أو القصر الصيفي وقصر باغ بهشت أو روضة الجنة، وقصر باغ جناران أو روضة الحور، التي تتميز بالفخامة والأبهة ولا يضاهيها قصر في العالم حتى لو كان قصر فرساي بحدائقه وقصر باكنجهام بأبراجه وساحاته. واللافت للنظر في تلك المنشآت المعمارية أنه على الرغم من تنوعها إلا أنها تتشابه مع بعضها من حيث اشتمالها على العديد من النقوش الكتابية التي تؤكد في معظمها أنها كانت تغطي جدراناً بكاملها، بحيث تبدو تلك الجدران وكأنها لوحة فنية متناسقة أبدع فيها الفنان، بالإضافة إلى العديد من الوحدات والعناصر المعمارية المختلفة مثل كتل المداخل وأبدان المآذن والقباب ورقابها، والإيوانات، وواجهاتها وحجرات سكن الطلاب. وقد اتسمت تلك النقوش بتنوع أشكال الخطوط التي نفذت بها ما بين الخط الكوفي، والخط الثلث بالإضافة إلى الخط الفارسي، وإلى جانب تنوع أشكال تلك الخطوط فقد تنوعت مضامين النقوش ما بين الكتابات الدينية، والتسجيلية، والرباعيات الفارسية. ومن الجدير بالذكر أن هذه النقوش على الرغم من كثرتها وتنوعها إلا أنها لا تزال في حاجة إلى العديد من البحوث والدراسات التي تميط اللثام عنها، وإن كانت هناك بعض المحاولات التي تمت لقراءة تلك النقوش في أوائل القرن الماضي، وتمثلت تلك المحاولات لأول مرة فيما قام به السيد علي لابين مترجم الإدارة المحلية بقراءة النقوش المسجلة على عمائر مدينة سمرقند بتكليف من الحاكم العسكري للمدينة “ن. يا. روستوفتسيف”، ونظرا لأن هذا المترجم لم يكن يتقن اللغتين العربية والفارسية بالقدر الكافي، فإنه أشرك معه في هذا العمل السمرقندي “ميرزا أبو سعيد مسعود”، وقد تم نشر ترجمة السيد “على لابين” في دليل مدينة سمرقند، وتم طباعتها في كتيب منفصل، ولم تكن هذه الترجمة المنشورة كاملة حيث احتوت على أجزاء قليلة من النقوش المسجلة على عمائر مدينة سمرقند؛ بالإضافة إلى محاولات ج. أ. بانكراتيف، وم. أ. ماسون، وف. أ. شيشكين. ويأتي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “ديوان الخط العربي في سمرقند” وقام بتحريره د. شبل عبيد الأستاذ المساعد بكلية الآثار جامعة القاهرة، وصدر عن مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية، كمحاولة لإذابة الدراسات السابقة لنقوش سمرقند، واخرج ثبت ودراسة علمية تنشر لأول مرة باللغة العربية، بل وتتفرد بها على مستوى دراسات الخط العربي في العالم كله. وقد قسم الباحث موضوعات الكتاب إلى سبعة فصول. في الفصل الأول تناول مجموعة من قباب الدفن بمدينة سمرقند، ونماذج مختارة من النقوش الكتابية المنفذة على تلك القباب ونماذج من التوابيت الموجودة في بعض هذه القباب ودراستها من حيث شكل الخط ومضمون النقوش المنفذة على تلك التوابيت. أما الفصل الثاني، فيتضمن نماذج من العمارة الدينية بمدينة سمرقند، في حين أفرد الباحث الفصل الثالث للعمارة التعليمية (المدارس) من خلال دراسة ثلاث مدارس تقع بميدان الريكستان، وهما مدارس: ميرزا ألغ بيك، وشير دار، وتلا كاري، وأفرد الفصل الرابع لدراسة الخصائص الفنية للنقوش الكتابية المسجلة بالخط الكوفي على العمائر بمدينة سمرقند، مع بيان ملامح تطوره وأنواعه ومعظمها بالخط الكوفي الهندسي، بالإضافة إلى بعض الأنواع الأخرى كالكوفي البسيط ذي الزيادات والمزهر والمورق، أما الفصل الخامس فقد خصص لدراسة الخصائص الفنية للنقوش الكتابية المسجلة بالخط الثلث، وخصص الفصل السادس لدراسة الخصائص الفنية للنقوش الكتابية المسجلة بالخط الفارسي، وخصص الفصل السابع لدراسة مضمون النقوش الكتابية التي اتسمت بالتنوع ما بين النقوش الدينية والتي اشتملت على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إلى جانب العبارات الدينية المختلفة كشهادة التوحيد ولفظ الجلالة، وأسماء الله تعالى الحسنى وصفاته، واسم الرسول، صلى الله عليه وسلم، والإمام على كرم الله وجهه، والنقوش التسجيلية، التي تنوعت ما بين النصوص التأسيسية، والألقاب، والنصوص التي تسجل بعض الأحداث التاريخية، بالإضافة إلى بعض الرباعيات الفارسية، والآراء الفلسفية، واختتم الباحث هذا الفصل بدراسة للعناصر الزخرفية المرتبطة بالنقوش، وتشتمل الزخارف النباتية والهندسية، مع توضيح إلى أي مدى كانت الموائمة بين نوع الخط والمناطق التي شغلها على العمائر، وماهو الدور الذي لعبته الألوان في تنفيذ النقوش في الفترة موضوع الدراسة، وقد زود الكتاب بمجموعة من اللوحات والأشكال التوضيحية. ديوان من النقوش والكتابات يصدره مركز الخطوط، في إطار مشروعه لتسجيل النقوش الكتابية في منطقة آسيا الوسطى وبلاد ما وراء النهر والهند، والذي يضم فريق عمل من كافة أنحاء العالم، بصدد البدء فيه قريبًا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©