السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متحف الفنون في اسطنبول يجسد منازل الأتراك وحياتهم عبر العصور

متحف الفنون في اسطنبول يجسد منازل الأتراك وحياتهم عبر العصور
14 أغسطس 2012
عبر أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان مارس الصُناع والفنانون في أرجاء دار الإسلام من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً أعمالهم المعتادة في إنتاج ما تحتاجه المجتمعات الإسلامية من أدوات ومصنوعات للاستخدام اليومي في الطعام والشراب والمنازل ودور العبادة وجاءت جميعها وبغض النظر عن رخص أسعارها حافلة بالزخارف والألوان التي تعبر عن جماليات ووحدة الفن الإسلامي وتسابقت المتاحف العالمية على اقتنائها لعرضها في قاعاتها. وإذا كانت أيدي تجار العاديات قد فرقت التحف الإسلامية على أركان الكرة الأرضية فإن العزاء يبقى أنها حيث استقرت تتحدث عن ماضينا وتراثنا الفني التليد. أحمد الصاوي (القاهرة) ـ يقع متحف الفنون التركية والإسلامية في اسطنبول على مقربة من جامع أحمد الثالث بقلب العاصمة القديمة لتركيا هو أحد أهم المزارات السياحية للراغبين في الاطلاع على طبيعة الحياة داخل بيوت الأتراك وحياتهم عبر العصور. والمبنى الذي يشغله هذا المتحف شيد في عام 1524م في عهد السلطان سليمان القانوني ليكون مقرا للصدر الأعظم “رئيس الوزراء” إبراهيم باشا الفرنجي، وهو أول من تولى هذا المنصب الرفيع في عهد السلطان سليمان. وكان الوزير من الأصدقاء المقربين للسلطان، ولكن زوجة السلطان “روكسانا” أوغرت صدر سليمان عليه لنفوذه الكبير في الدولة ولتمتعه بعيشة الملوك في قصره، وذلك بعد أن أفصح الصدر الأعظم عن مساندته لتولي الأمير “مصطفى” لولاية العرش، عوضاً عن “سليم” ابن روكسانا ومن ثم تم عزل إبراهيم باشا من منصبه وآل قصره وثروته أيضا لملكية السلطنة العثمانية. وكانت بداية عرض مقتنيات هذا المتحف في عام 1914 في مبنى “دار الضيافة” التابع لكلية أو مجمع السليمانية، وذلك تحت مسمى “متحف الأوقاف الإسلامية” وبعد قيام الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك، أصبح يعرف باسم “متحف الآثار الإسلامية” حتى انتقل في عام 1983 لقصر إبراهيم باشا، وصار يعرف بمتحف الفنون التركية والإسلامية لتركيزه على الفنون التركية منذ القرن الثاني الهجري “8م”، لا سيما تلك التي انتجت في عهد دولة سلاجقة الروم بالأناضول وإبان حكم سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية. نمط الحياة ويهدف المتحف لإعطاء فكرة واضحة للزوار عن نمط حياة الأسر التركية وما كانت تستهلكه من منتجات الفنون التطبيقية، ومن ثم فهو يشمل معروضات إثنوغرافية قديمة للبدو الأتراك الرحل كالخيام السوداء وهي العنصر الأساسي للحياة البدوية والبيوت الكروية المسماة “يورت”، ثم ما كانت تفرش به الأرضيات خلال العصر الإسلامي من سجاجيد وأيضا أدوات المائدة والاستخدام اليومي وقطع الأثاث سواء أكانت من الخزف أو المعادن أو الخشب وغيرها من المواد. ونظراً للطابع الديني الذي ميز عصر الدولة العثمانية، فإن الأغراض الدينية تبدو حاضرة في مقتنيات المتحف لا سيما في صناديق حفظ المصاحف وحواملها، وكذا نسخ من المصحف الشريف. وإجمالاً، فإن متحف الفنون التركية والإسلامية يركز على فكرة تناغم العرقيات التي تشكلت منها الأمة التركية على مر العصور ومدى اندماجها الصادق في حضارة الإسلام ومساهمة تقاليدها المحلية الراسخة في إكساب الفن التركي شخصيته المتفردة ضمن الفنون الإسلامية. ويتألف المتحف الذي تعكس معروضاته الحياة الثقافية التاريخية للأتراك من سبعة أقسام هي قسم الآثار الخشبية وقسم الخزف والزجاج وقسم فن المشغولات المعدنية وقسم فن الصناعات الحجرية وقسم السجاد وقسم فن المخطوطات وفن الخط وأخيراً القسم الاثنوجرافي الذي تعرض فيه فنون العرقيات التركية المختلفة في البدو والحضر. ويعتبر قسم فن الخط والمخطوطات من أكبر الأقسام من جهة عدد المقتنيات به، إذ تتجاوز 15 ألف مخطوطة أثرية تغطي الفترة من القرن الثاني إلى بداية القرن الرابع عشر للهجرة “8-19م” ورغم أن أغلب المخطوطات والأعمال الفنية لمشاهير الخطاطين هي تركية وعثمانية إلا أن هناك أيضا مخطوطات ونسخ من المصحف الشريف تنتمي للبلاد الإسلامية المختلفة ومن أشهرها مصحف من عصر الدولة الصفوية بإيران وقد استخدم ماء الذهب في كتابته. وبالمتحف بعض المخطوطات المصورة والتي تعني ببيان مظاهر الحياة وأيضا الاحتفالات بالبلاط العثماني بل وتطور تخطيط مدينة استانبول وبإحدى المخطوطات فاتحة تحوي رسمين متقابلين لمعالم كل من الحرم المكي والحرم المدني في القرن الثالث عشر الهجري. كما تعرض بقاعات المتحف صور شخصية لسلاطين الدولة العثمانية تم رسمها من قبل المصورين الأتراك ومنها صور للسلطان مراد الثاني والسلطان محمد الثاني. فن النجارة أما قاعة الأخشاب، فبها بعض من أجمل قطع الأثاث الخشبي المصنوعة من الأخشاب الثمينة والمطعمة بالعاج والصدف أيضاً وجميعها حافلة بالزخارف الهندسية الإسلامية وأشكال الأطباق النجمية وهي تعكس مدى إسهام الفنانين الأتراك في فن النجارة الإسلامي. ومن مقتنيات هذا القسم صندوق خشبي لحفظ المصحف من القرن الحادي عشر الهجري “17م” لغطائه هيئة القبة وقد ازدان بزخارف هندسية نفذت بأسلوب التطعيم، حيث تمتزج قطع من العاج مع البنية الخشبية للصندوق. ويعرض قسم الخزف والزجاج لأنواع شتى من المنتجات الخزفية لا سيما من مناطق أزنيك وبورصة وشينكال واستانبول أيضاً ولكل من تلك المناطق طرزها الخاصة من المنتجات الخزفية. ومن الأعمال الفنية الرائعة بهذا القسم من المتحف طبق من الخزف المرسوم تحت الطلاء باللونين الأزرق والأبيض مع بعض لمسات باللون الأحمر وحواف الطبق بها زخارف نباتية أما الزخرفة الرئيسة للطبق فبها لفظ الجلالة “الله جل جلاله” بخط النسخ. وهناك بذات القسم لوحة خزفية من إنتاج مدينة أزنيك في القرن العاشر الهجري “16م”، وهي تمثل تخطيطا تصويريا للحرم المكي وبوسطه الكعبة المشرفة وبأعلى اللوحة كتبة بخط النسخ نقرأ بها الاقتباس القرآني “إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا”. والمعروضات الخزفية بالمتحف تضم قطعا رائعة من الأطباق والبلاطات الحافلة برسوم الأوراق النباتية والزهور والورود التي كانت شائعة الاستخدام في الزخارف العثمانية مثل وردة الخزامى والسوسن والقرنفل متحف الفنون التركية والإسلامية يستطيع زائر متحف الفنون التركية والإسلامية أن يتعرف من كثب وبشكل تفصيلي إلى أنواع السجاد التركي الذي تميز بجودة أصواف مراعيه الجبلية واعتماده على الألوان الطبيعية المستنبطة من عناصر نباتية مختلفة فضلا عن دودة القرمز التي منحت السجاد التركي ألوانه الحمراء البراقة. وتتنوع معروضات قسم السجاد لتشمل سجاجيد الصلاة التركية وتلك التي تحاكي بزخارفها تنسيق الحدائق بالقصور العثمانية، فضلاً عن السجاجيد ذات الميداليات أو الجامات بساحاتها فضلاً عن سجاجيد المناطق الرعوية التي تتميز بألوانها القوية وزخارفها الهندسية التجريدية. ويمكن للزوار أن يتفقدوا طبقاً لطريقة عرض السجاد ما يتميز به السجاد التركي من متانة السداة واللحمة وغزارة العقد الصوفية في البوصة المربعة وهو ما منح السجاد التركي شهرته العالمية في عالم العصور الوسطى وإلى يومنا هذا. والمتحف بمبناه التاريخي وحديقته هو أيضاً معلم فني قائم بذاته لا سيما فيما يحفل به من الزخارف الجدرانية التي تشمل أعمالاً من زخارف الفسيفساء الرخامية والخزفية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©