الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرضى «الثلاسيميا» يتمسكون بالأمل في الشفاء وقصص حياتهم تدمي القلوب

مرضى «الثلاسيميا» يتمسكون بالأمل في الشفاء وقصص حياتهم تدمي القلوب
24 أغسطس 2011 22:51
أمهات يعاني أولادهن مرض فقر دم البحر الأبيض المتوسط المعروف بـ «الثلاسيميا»، كل واحدة منهن تتحدث عن تجربتها، كما يتحدثن عن صوم أولادهن المصابين بالمرض، إذ إنهم لا يفطرون في موعد الإفطار وإنما بعده بنصف ساعة تقريباً، فيما يتحدث المصابون بالمرض عن الصعوبات التي تواجههم في الحياة الشخصية والعملية، ومدى انخراطهم في المجتمع. (دبي) - تحافظ شيخة محمد على ابتسامتها رغم ما تخفيه عيناها من حزن دفين، عاركتها الحياة ونالت من سعادتها، تأرجحت عواطفها بين الألم والأمل، أيامها سفر دائم، وأماسيها تقضيها في الطرقات، لكنها لا تزال هنا تمسك بأيادي أولادها لتزرع في قلوبهم حب الحياة، وتعلمهم السير بقوة رغم عثراتهم الصحية، إنها أم يعاني أولادها الخمسة «الثلاسيميا». الحقيقة المرة عن تجربتها مع إصابة أولادها بالمرض وبداية اكتشافها له، تقول شيخة «لم تكن لي دراية أبداً بــ (الثلاسيميا)، فقد كان هذا الاسم غريباً عليّ، وبدأت القصة منذ أن عانت عبير (حالياً هي خريجة جامعية وتبحث عن عمل) من وهن شديد، وحينها لم تكن تتجاوز بعد 6 أشهر من عمرها، كما كانت دائمة البكاء، ومن الفجيرة كنت أنطلق بها إلى مختلف الجهات طالبة علاجها، أخذتها إلى سيدات يعالجن الصغار بطريقة شعبية، لكن ذلك لم يجد الأمر نفعاً، ثم أخذتها إلى مستشفى حكومي في الفجيرة، فقالوا إنه يلزمها مغذّ ونقل دم، وقد وافقت على أساس أن الأمر سيكون مرة واحدة فقط». وتضيف أن أول عملية نقل دم لعبير كانت حين كان عمرها 9 أشهر فقط. وتوضح «يمكنكم تصور ألم الأم الذي يعتصر قلبها وهي ترى بعينيها الإبر تغرز في أوردة طفلتي، بداية لم أستطع التحمل، إذ كنت أنهار تماماً أمام بعض المواقف، بحيث عندما كان الأطباء لا يعثرون على وريد في يديها أو ساقيها، يضطرون لنقل لها الدم عن طريق وريد في الرأس، حسبتها مرة واحدة وسينتهي العذاب، لكن فاجأني الطبيب بقوله، إنه يجب أن ينقل لها الدم شهرياً». وتشير شيخة، المتزوجة من ابن عمها الحامل لمرض الثلاسيميا، إلى أن ابنتها ظلت تخضع لعملية نقل الدم كل شهر، ومن أجل ذلك كانت تأتي إلى الشارقة نظراً لعدم وجود بنك دم في الفجيرة آنذاك. وتضيف «انهرت عندما سمعت الخبر، وأصبحت كلما زرت الطبيب أقدم له مجموعة من الاستفسارات، وكان من بينها هل سيصاب بقية أولادي بالمرض نفسه، وأتعرض ويتعرضون أيضاً للمعاناة نفسها، فأكد الطبيب ذلك، حيث قال إن 75% منهم سيكونون مرضى ثلاسيميا، بينما 25% سيكونون حاملين المرض فقط». الخوف من المجهول كانت شيخة ترفض تماماً إجراء فحوص «الثلاسيميا» عندما يمرض أحد أولادها، أو عندما ترتفع حرارته، وعن سبب تصرفها هذا تقول «كنت أخاف جداً من نتائج التحاليل المخبرية، فلا أريدهم أن يقولوا لي كلما تم فحص أحدهم، إنه مصاب بـ(الثلاسيميا)، وهذا ليس سهلاً على أي أم». وتشير شيخة إلى أن مرضى الثلاسيميا وذويهم يعانون كثيراً سواء كان من الناحية الصحية أو من الناحية النفسية، على الرغم من محاولة التأقلم مع هذا المرض، وتضيف في هذا السياق «في البداية تكون صدمة كبيرة جداً لأهل المريض، بحيث يذهبون كل شهر للمستشفى لنقل الدم، وبحكم وجودنا في منطقة قرب الفجيرة؛ فإننا لا نزال إلى اليوم نخرج من البيت بعد صلاة الفجر، ونتوجه إلى مستشفى الوصل بدبي، وتخيلوا ذلك حين يكون برفقتي أربع بنات مصابات، وولد أيضاً مصاب بالمرض وتلزمه فحوص دورية، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك فحوص قبل وبعد نقل الدم، وهذا يؤثر عليهم في حياتهم الدراسية، بحيث يتغيبون عن مدارسهم، وكذلك أثناء الوعكات الصحية التي يتعرضون إليها، وعلى الرغم من ذلك، فإن مستوياتهم جيدة، ونتائجهم الدراسية جيدة». وفي معرض الحديث، تلفت شيخة إلى مراجعاتهم في المستشفيات من أجل إجراء الفحوص الدورية للعيون والسمع، بحيث هناك أدوية تؤثر على هذه الأجهزة وغيرها من أعضاء الجسم، التي يلزم مراقبتها وعلاجها حين تتأثر. رحلة معاناة تقول أم ديمة المصابة بالثلاسيميا: «لاحظت انتفاخاً في بطن ديمة حين كان عمرها 5 أشهر، كما كانت قليلة الرضاعة، فكنت أعوض ذلك بأطعمة أخرى أعطيها إياها بالملعقة، وفي الوقت ذاته كانت لا تتوقف عن البكاء، والكل كان يرجح أنها تعاني فقر دم، فقمت بكل الحيل الغذائية من أجل تعويض النقص الحاصل عندها، لكن وزنها ظل ثابتاً، ولاحظت في ما بعد انتفاخ مكان الطحال عندها». وتضيف «بعد الفحوص، أكد الطبيب أنها مصابة بالثلاسيميا، الذي لم أسمع عنه من قبل، فأخذتها إلى كثير من البلدان طلباً للعلاج ومنها فلسطين، حيث تسجلنا في بنك النخاع وكان عمرها ثلاث سنوات آنذاك، حيث نصحنا أحد الاختصاصيين بزرع نخاع لها، لكن لم يكن أحد من إخوانها مطابقاً في خلاياه مع خلاياها بنسبة 100%، كما يتطلب هذا النوع من العمليات التي لا تتم إلا قبل سن البلوغ». وتتابع أم ديمة «حملت لاحقاً، وعرفت بإصابة جنينها بالثلاسيميا الذي كان عمره حوالي شهرين، وبعدما تأكدت في مستشفى بقبرص بإصابته فرجعت إلى فلسطين لإجراء عملية زرع نخاع، وكانت تلك العملية، إن تمت، الأولى في العالم لزراعة نخاع لجنين في بطن أمه، ومن المفترض أن يجريها دكتور بولندي، لكنني رفضت إجراءها، وبعدها سقط الجنين تلقائياً». وتشير أم ديمة إلى أنها زارت 7 بلدان لعلاج ابنتها على نفقتها الخاصة، وعن الصعوبات، تقول «الثلاسيميا كلها صعوبات، الألم النفسي الأشد هو أن تنظر أم لفلذة كبدها والإبر تغرز في جسده للبحث عن وريد لنقل الدم، بالإضافة إلى صعوبات أخرى مرتبطة بحياتنا وطريقة عيشها بين المستشفيات، لكننا تعايشنا مع ذلك». الحصول على وظيفة تقول عبير، الحاصلة على بكالوريوس في نظم المعلومات سنة 2009، والموظفة حالياً في جمعية الثلاسيميا، إنها عانت كثيراً في سبيل الحصول على وظيفة، وتضيف «درست 6 سنوات بعد حصولي على الثانوية العامة، منها سنتان لتقوية لغتي الإنجليزية، وحصلت على شهادة التوفل، وبعدها قضيت أربع سنوات للحصول على بكالوريوس نظم معلومات في جامعة زايد بدبي، بعد ذلك فكرت في الوظيفة، لكن وجدت كل الأبواب موصدة أمامي، حيث أجريت العديد من المقابلات، واجتازتها بنجاح، لكن الفحص الطبي كانت نتيجته غير لائقة». وتضيف عبير «أنا لا أشعر بالوهن أو الضعف، فأنا مستعدة للعمل بأقصى جهدي، كما أنه لا تنقصني أي مؤهلات فكرية». وتشير عبير إلى أنها تصوم بشكل طبيعي، إذ لا يؤثر الصيام أبداً على صحتها. وتوضح «لكن هناك من لا يصوم إذا كان يعاني مضاعفات الثلاسيميا، كإصابته بالسكري مثلاً، وهناك خصوصية لصائم الثلاسيميا، وهي أنه لا يأكل وقت حلول الفطور، إنما بعد ذلك بنصف ساعة تقريباً، ففي البداية يجب أن يتناول الأدوية، وبعدها بنصف ساعة يبدأ فطوره، كما أن هناك صعوبات أخرى مرتبطة بعملية نقل الدم». وتضيف عبير «مخزون الدم في رمضان يصل إلى النصف، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة المتبرعين بالدم في شهر رمضان، كما أن مريض الثلاسيميا لا يقبل جسمه إلا دماً طازجاً، لم يمر عليه إلا أربعة أيام من التبرع به، بالإضافة إلى ذلك لا بد أن يكون الدم سليماً، إلى جانب تفاصيل أخرى دقيقة»، لافتة إلى أن الطاقة الاستيعابية للمركز علاج الثلاسيميا تفرض على المرضى في بعض الأحيان بالجلوس على كرسي عادي أثناء نقل الدم، ومع ذلك لا يتذمر المريض لأنه يعرف الوضع. شكيلة صبية رمز القوة والتحدي، تعاني مرض الثلاسيميا، وهي موظفة بجمعية الإمارات للثلاسيميا. وعن تجربتها مع المرض، تقول «عندما كان عمري 6 أشهر نقل إلي الدم للمرة الأولى، واستمررت على هذه الحال إلى اليوم، وعلى الرغم مما أعانيه، إلا أنني أركز على الجانب الإيجابي في حياتي، فأحاول تناسي مرضي، والعيش بقوة، كما أنني لا أشعر بالضيق، وأقوم بإجراء الفحوص بشكل منتظم، وأتجاهل كل من يشير إلى أنني مريضة. هكذا أقوم بأعمالي على أحسن وجه، وبشهادة رؤسائي في العمل». وتؤكد «عندما أعمل تغمرني السعادة، كما أشعر أنني إيجابية، وأن لحياتي معنى، وما أظنه أن الثلاسيميا لا يؤثر على الأداء الفكري أبداً». وتوضح شكيلة أنها تصوم بشكل عادي، وتتناول أدويتها ثم تفطر بعد ذلك بنصف ساعة تقريباً، كما تمارس شعائرها الدينية كبقية الناس ولا ينقصها عنهم أي شيء. من جهتها، تقول ديمة (28 سنة) المصابة بالثلاسيما، إنها تتمتع بإرادة قوية، حيث درست لغة إنجليزية وترجمة، وعملت بداية في جمعية الإمارات للثلاسيميا، وحالياً هي موظفة في جمارك دبي. توحيد المرجعية يشير المدير الإداري لجائزة الشيخ سلطان بن خليفة بن زايد آل نهيان العالمية للثلاسيميا سعيد العوضي إلى أن المريض يشعر بالأمان عندما يستمر مع طبيب واحد طوال فترة العلاج والمتابعة، أما إذا كان العلاج غير صحيح فإن مريض الثلاسيميا يعاني مضاعفات ترسبات الحديد في الكبد وبقية أعضاء الجسم المهمة، كما يعاني أيضاً من اسوداد تحت العين، ومن انتفاخ في عظم الجمجمة، ومن مضاعفات في البنكرياس، وترسبات للحديد في القلب»، مؤكداً أن من يحظى من المرضى بعلاج جيد من جهة مختصة فإنه يعيش حياة عادية، وتقل مضاعفات الإصابة بشكل كبير. ويعرف العوضي «الثلاسيميا» بأنها حالة مرضية ينخفض فيها مستوى الهيموجلوبين في الدم عن معدله الطبيعي، لذلك يتم نقل دم للمصاب. ويضيف أن تكرار نقل الدم يزيد من تركيز الحديد في الدم، ويسبب خطورة على حياة الإنسان، لهذا كان يتوقع الأطباء في صغره بألا يتعدى عمره 15 سنة في أحسن الأحوال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©