الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إرادة الله تعالى في التيسير والفرج لا في التعسير

إرادة الله تعالى في التيسير والفرج لا في التعسير
24 أغسطس 2011 22:56
أبوظبي (الاتحاد) - عندما أنزل الله تعالى شرعه وأحكام دينه وأرسل رسله أخبرنا عن مشيئته وإرادته المتعلقة بشريعته فقال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، فالحق تبارك وتعالى أخبرنا عن هذه الإرادة في التيسير، والمتتبع للتكاليف الشرعية كافة يجدها كلها تصب في إطار مصلحة الإنسان وتحسين حالته الروحية والجسدية والاجتماعية وضمان سلامة حياته الدنيوية والأخروية، وإن الغاية من الدين هو ضبط حركة الإنسان ضمن ضوابط العقل والحكمة والمصلحة العامة ومراعاة المصلحة الخاصة، بما يكفل سلامة هذه الحركة بين الإنسان ونفسه أولاً، وبينه والمجتمع على مستوى الفرد وعلى مستوى المجموعة، وسلامة حركته بينه وربه تبارك وتعالى، وطبعاً إن كل هذه الضوابط تعود على الإنسان بالخير والسلام والمنفعة والراحة والاستقرار إن هو التزم بها وعمل بمضمونها. المنهج العقائدي ومن المؤكد أن مبدأ التيسير والسهولة هو الأصل الذي تقوم على أساسه تعاليم الإسلام ومبادئه وتشريعاته، وهو المنهج العقائدي والأخلاقي والتعبدي البعيد كل البعد عن الجمود والتعسير والجحود والتنفير، لأننا عندما نصف الإسلام بأنه دين التيسير، إنما نعني بذلك منظومة متكاملة من التصرفات الإيجابية العقلانية الحكيمة بدءاً من إفشاء السلام، وإقامة العدل، وحماية الحرية، وإرساء مبادئ المحبة والتقارب والمساواة، وقبول الآخر واستيعاب الرأي المخالف، والقول الطيب، وأداء العبادات بالمنهج الوسطي المعتدل، والسلوك الحضاري الراقي، وبالتالي فهو رفض للمنهج المقابل، وهو منهج التعسير والذي تنبني عليه وبسببه كامل منظومة التطرف والتعصب والغلو والتشدد والمغالاة والعصبية. إن أكثر ما يظهر منهج التيسير أو التعسير وضوحاً هو على العبادة، فإنه يشكل علامة فارقة على كل من يرغب أن يكون عابداً، فان أساء فهم الحكمة من العبادة ولم يدرك الغاية المرادة منها، يحمله فهمه الخاطئ وقلة إدراكه للتوجيهات النبوية إلى أن يتصرف ويتعبد بطريقه وأسلوب مناقض تماماً لإرادة الله تعالى في التيسير ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، وبالتالي يمشي في الاتجاه المعاكس للتوجه الشرعي الصحيح، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين، حد إلا غلبه). الحقيقة العلمية وهذا يتوافق مع الحقيقة العلمية والمنطقية التي تؤكد أن الإنسان إذا تعامل مع الأمر السهل بتعقيد وشدة انقلب عليه السهل صعباً والتيسير عسراً، وبالتالي فسينوء هذا الذي شدد على نفسه وعسر على حاله في وقت قريب بأعباء هذا المنهج بما يرهقه ويتعبه، أو قد يحدث عند البعض ردود فعل معاكسة تجعلهم يتخلون عن العبادة ويتفلتون من الأحكام، وكلا الحالتين تقدمان صورة سلبية وسيئة عن حقيقة الإسلام ووسطيته واعتداله وتيسيره وسهولته. ويصل التيسير في الإسلام إلى أن أهم العبادات فيه تسقط عن صاحبها أن تعذر عليه القيام بها، وأيضاً من التيسير مراعاة الظروف والواقع بكل تفهم وواقعية، لذلك جاز للمسافر أن لا يصوم، وجاز له أن يجمع بين الصلتين، بل أباح له أن يخففها فيقصرها إلى النصف، وهذا لا شك رحمة من الإسلام فالسفر فيه حركة دائمة ومشاغل متواصلة وأنه مظنة التعب والمشقة، فأراد التيسير والتخفيف عن الناس. توجيه الناس إن هذا الأساس التشريعي كان منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الدائم الذي كان يعيشه في حركاته وأقواله، وهو خياره الوحيد عندما يتعلق الأمر في توجيه الناس وفي إلزامهم بتكاليف جديدة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمور التي كان يفعلها ثم يتركها فيكون جوابه: «لولا أن اشق على أمتي.. أو أخاف أن اشق على الناس»، ولقد سارع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى إعلان رفضه لصورة من صور التشديد بعد أن بلغه أن ثلاثة من الصحابة أرادوا أن يتقربوا إلى الله تعالى بعبادات كثيرة وكبيرة، فأحدهم ألزم نفسه أن يصوم ولا يفطر، والثاني قال إنه سيصلي الليل كله ولا ينام، والثالث أراد أن يتبتل ولا يتزوج أبداً، فقال عندها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: ألا إني علمكم بالله واتقاكم له ألا إني أصوم وافطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». إننا إذا عدنا إلى التكاليف والواجبات التي أمرنا الله تعالى أن نؤديها لوجدناها هي بحد ذاتها عبادات سهلة التطبيق وواجبات ممكنة التنفيذ بيسر وسهولة، فإذا أخذنا الصلاة مثالاً على ذلك وهي عماد الدين وركنه الأكبر، لوجدنا أن وقت أدائها عادة لا يتجاوز بعض الدقائق، مع ما تحمله من فائدة صحية ونفسية وروحية، وكذلك الأمر مع الزكاة والصيام والحج، وتتسع دائرة التيسير لتشمل الحالات الصحية التي يتعرض لها الإنسان، أو المشاق التي يمر بها، وتأخذ بعين الاعتبار القدرة الجسدية والمادية والنفسية، وتراعي ظروف الإنسان الخاصة. إن الإسلام دين التيسير لا التعسير، والفرج لا الحرج، واللين مع التمكين، والحزم مع الرحمة، والتسديد لا التشديد، دين نبيه صلى الله عليه وسلم يقول لكل من يسأله يوم الحج: «افعل ولا حرج.. افعل ولا حرج» لأن هذا المنهج الوسطي المعتدل من الرفق والتيسير هو من أصل الرحمة، ونبينا يقول عن نفسه: «إنما أنا رحمة مهداة». وقال عنه ربه عز وجل: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ». الشيخ هشام يحيى خليفة دين التيسير إن التيسير في الإسلام لا يتعلق فقط بالعبادات، كما رأينا وتأكدنا، بل إنه يسري سريان الروح بجسد الإسلام كله، فيجعله دين التيسير في العلاقات الاجتماعية والتعاملات الاقتصادية، وعالمية التوجه وشمولية الفكر، واستيعاب الآخر ومد جسور التعاون والتعارف مع أنواع البشر كافة والأمم والحضارات من غير عائق ولا تعسير، وبناء علاقات اقتصادية واجتماعية تغني الإنسانية وتصب جميعها في بوتقة مصلحة الإنسان وتيسير حياته، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©