الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فقدت أطفالها.. وعلى قلوب أقفالها!

فقدت أطفالها.. وعلى قلوب أقفالها!
9 سبتمبر 2014 22:51
محمد أبو كريشة كاتب صحفي الدنيا لم يعد فيها أطفال لكن فيها ارتداداً طفولياً لدى الكبار.. وهذا خلل كبير.. ويقال إن الخلل من علامات الساعة، الخلل الكوني والخلل النفسي والخلل الجيني، وعندما يكبر الصغار قبل الأوان ويصغر الكبار بعد الأوان فانتظروا الساعة. نحن في زمن أجسام البغال وأحلام العصافير، زمن ليس فيه أطفال إلا بالاسم والمبنى لكنهم بالمعنى ليسوا أطفالاً أبداً. وهناك دول كثيرة تحاول النزول بسن الحدث الذي يرتكب جريمة إلى خمسة عشر أو حتى اثنى عشر عاماً بدلاً من ثمانية عشر عاماً -لأن هذا ليس زمن الأحداث والأطفال- إنه زمن حزام القيامة، دخلنا على ما يبدو في حزام الزلزلة ويوم القيامة الذي يجعل الوِلدان شيباً. لا يمكن أن يصدق امرؤ عنده بعض الوعي أن الطفولة البريئة ما زال لها وجود في العالم وبالتحديد في منطقتنا العربية، الفواجع في بلدان مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن وغزة اغتالت الطفولة، والمشكلة ليست في قتل الأطفال، ولكن المشكلة في اغتيال الطفولة والبراءة حتى لدى الصغار الأحياء. وكل الذين يرتكبون المجازر وكل الإرهابيين ليسوا سوى كبار لديهم ارتداد طفولي، يلعبون بالنار مثل الأطفال ولا يقدرون العواقب مثل الصغار، نفس عناد الأطفال ولكن عناد الأطفال محبب ولذيذ وعناد هؤلاء غبي وأحمق. أعطوا السلاح لطفل وسترونه يفعل كما يفعل أي عضو في تنظيم «داعش» الإرهابي، يقتل ويذبح ويكبر ويضحك.. فلا عجب أن يجند «داعش» وأضرابه الأطفال في لعبة القتل والتدمير والخراب، لأن المسألة مجرد (لعب عيال).. أطفال صغروا بعد الأوان يجندون أطفالاً كبروا قبل الأوان.. والأطفال لا يمكن التحاور معهم سواء الذين صغروا بعد الأوان أو الذين كبروا قبل الأوان. والدين عند الكبار الذين صغروا بعد الأوان أمثال «داعش» وكل الجماعات الإرهابية هو الدين الذي لا تدبر فيه ولا نظر ولا تأمل، لأن الأطفال لا يتدبرون ولا يتأملون ولا يعيدون النظر، هو دين التصنيف إلى كفار ومؤمنين، وأهل جنة وأهل نار تماماً كما يفعل الطفل حين يقول أو يقال له إن من يكذب يدخل النار، ومن يصدق يدخل الجنة، ومن يمارس اللعب في الطريق العام كافر، ومن يحسن إلى الفقراء مؤمن. إنها مسألة التبسيط المخل والتسطيح الذي نحاول أن نقنع به الأطفال بالتدين، ولا يصلح لهم سواه. لأنهم لا يتدبرون ولا يفكرون ولا يتأملون وليس عند الأطفال أداة الاستفهام (لماذا)؟. وبالتأكيد واليقين لا يمكن أن نحكم على من يكذب بأنه في النار، ولا يمكن أن نحكم على كل من يصدق بأنه في الجنة لأننا لا نعرف من في الجنة ومن في النار. لا نعرف من الكافر ومن المؤمن، هي مجرد محاولة تبسيط لا تصلح إلا للأطفال الذين كبروا قبل الأوان أو الذين صغروا بعد الأوان. وهذا يؤكد أن كل المنظمات والجماعات الإرهابية ليست سوى مجموعات من الأطفال، تلقت الدين ولقنته للآخرين بالطريقة الطفولية التي نتبعها مع صغارنا، هذا في الجنة وهذا في النار، هذا كافر وهذا مؤمن، هذا قتله حرام وهذا قتله حلال. ولأنها مجموعات من الكبار الذين يعانون مرض الارتداد الطفولي، فإن الحوار مع هؤلاء عبث ورفث وفسوق وعصيان ولا جدوى ولا طائل منه لأنهم متدينون تدين الأطفال ولديهم عناد ومكابرة الأطفال الذين إذا أمرتهم بالاتجاه شرقاً اتجهوا غرباً. وإذا أبعدتهم عن الخطر والنار بكوا وصرخوا وتمرغوا في الأرض وحطموا كل ما يقع تحت أيديهم. أطفال غزة وليبيا وسوريا والعراق واليمن لديهم تجارب مرة كالعلقم ومآس لم يعشها الكبار، وهؤلاء من المستحيل أن ينشأوا أسوياء.. فقد تآلفوا مع النار والدم والقتل لذلك سينشأون بقلوب ميتة ونفوس معتمة مظلمة، وسيكونون فيما بعد أو ربما الآن جنوداً في جيش «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«أنصار بيت المقدس»، والذي تآلف مع القتل والدم والنار يسهل عليه أن يقتل أو يحرق أو يسفك الدماء تحت أي راية، والأفضل والأسهل أن تكون راية الإسلام.. يمارس هواية القتل ويدخل بهوايته الجنة. وعواصف الخريف العربي التي تسمى زوراً وبهتاناً ثورات «الربيع العربي» قامت على أكتاف أطفال الشوارع المتشردين الذين كبروا قبل الأوان وفقدوا طفولتهم قبل أن تبدأ.. لذلك سهل تجنيدهم بالدين أو بالمال، وأتيح لهم أن يمارسوا هواياتهم في التخريب واللعب بالنار مقابل مبالغ نقدية أو مقابل وعد بالجنة والشهادة. وبدلاً من أن يمارس هؤلاء جنوحهم وانحرافهم مجاناً أو تلاحقهم الشرطة، أصبحوا في الخريف العربي يمارسون نفس الانحراف والسرقات والسلب والنهب والتخريب والقتل بمقابل مالي، وبمباركة الملايين الذين يهتفون لهم باعتبارهم ثواراً وإذا ماتوا يشيعهم الملايين كشهداء وتصرف لهم معاشات شهداء أو تصرف لأهلهم.. نفس الانحراف والجنوح والإفساد في الأرض الذي كان مجرماً وغير شرعي صار بعد الخريف العربي شرعياً ومبرراً ومثاراً للإعجاب ورأينا عشرات من اللصوص الصغار والمنحرفين والمفسدين في الأرض يظهرون عبر فضائيات الخريف العربي كأبطال فاتحين. وأذكر أن الشاب أو الصبي الذي تسلق المواسير حتى وصل إلى أعلى المبنى الذي فيه السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وأنزل العلم الإسرائيلي نال من الصيت والشهرة في بداية الخريف العربي بمصر ما لم ينله محمد الفاتح أو الاسكندر الأكبر بوصفه بطلاً قومياً، وقلت لهم ساعتها: (أراهن أن هذا الولد أساساً حرامي غسيل أو حرامي شقق)، وكأني كنت أقرأ في كتاب مفتوح، فقد تبين أن هذا البطل المغوار ليس سوى لص محترف في تسلق البنايات وسرقة المساكن.. وقد قلنا وما زلنا وسنظل نقول: إن هذه الأمة فقدت أطفالها.. ولكن على قلوب أقفالها!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©