الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حجي: الفن الإسلامي يمزج الأزمنة والواقع والخيال

حجي: الفن الإسلامي يمزج الأزمنة والواقع والخيال
24 أغسطس 2011 23:00
ينتج الفنان التشكيلي محمد حجي أعماله الفنية من مخزون طفولته في ريف الدلتا، وحكاوي التراث الشعبي وقصص الأنبياء والف ليلة وليلة، ودراسته في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ومشاهدات أسفاره في البلدان العربية، فيخرج عالمه المميز الذي يتداخل فيه، عبر تجاربه الفنية، الزخرف والحرف مع البشر. إنه عاش في بيئة ريفية تعطي الأحلام اهتماماً كبيراً، حيث إن الفلاح المصري لم تكن لديه غير تلك الثقافة الدينية التي يتلقاها من شيخ الجامع، (القاهرة) - كان الحلم بالنسبة لأهل الريف في تلمسهم للمعرفة أحد المصادر المهمة التي امتلكوها عبر السنين، وكان إذا اختلف البعض منهم على ارث أبيهم، يذهبون إلى قبره وينامون فوقه حتى يزورهم الأب في المنام، حتى إذا اصبحوا قص كل منهم ما رآه في المنام، وهو أمر من ناحية الإيحاء النفسي صادق تماماً، ففرويد يقول إن اليوم السابق للحلم هو ما يصنعه، ويؤثر فيه. مخزون الطفولة وأوضح أن الغرائبية في أعماله جاءت من مخزون طفولته، حيث كانت قصص القرآن هي الأساس في حكايات الناس، إضافة إلى «ألف ليلة وليلة»، كما عاش في أكثر من قرية حيث كان أبوه يشتري أراضي في أماكن مختلفة، ورأى أن التراث الثقافي واحد فيها جميعاً، وهو ما ظهر في رسومه فيما بعد ووصفه البعض بـ «حكايات التراث الغرائبية»، حيث تجد قصة سيدنا يونس وهو يعيش في بطن الحوت، وكذلك البراق وعروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأرض إلى السماء، وربما لم يصوره كما جاء في رسوم الفنان الشعبي، فهي حكايات تلهب الخيال، ولم يكن في طفولته يحس بغرابة تلك القصص الثرية من خلال تناقل الفلاحين لها. وقال إنه على أثر استشهاد أخيه في حرب الاستنزاف، سافر إلى ليبيا، للهروب من حزنه، وهناك زار مكتبة أقامها الإيطاليون في قلعة طرابلس، ورأى رسوم منطقة «التاسيلي» وتعني باللغة البربرية القديمة «الصخور الملساء» وكان بها كهوف يسكنها الإنسان الأول، وكانت تلك الرسوم ضمن المؤثرات الأولى القوية في أعماله ووضحت في رسومه لأحلام نجيب محفوظ. ثقافات وتراث وعن ارتباط أعماله بالحضارات والثقافات المختلفة قال إنه حينما ارتبط بتراث المحيطين به، فإن ذلك الارتباط جعله يتحوَّل إلى الجزء العلوي منه، حيث بدأ بسهرات الفلاحين للحكي عن القرآن والقصص الشعبي، وعندما درس وترقى في الثقافة تعرف على تلك القصص مرة أخرى بشكل مغاير، وكان طبيعياً أن يدرس الفن الإسلامي، الذي وجد أنه فن يتراوح بين الواقعية والخيال، ولم يكن في إطار واحد منهما كما في الفنون الأوروبية، وقد درس الجزءين العربي والفارسي من الفنون الإسلامية، واكتشف أن الفنان المسلم لا يشاهد المشهد الذي أمامه على أنه مشهد واقعي بالكامل، وإنما دائماً يجد في أي رسوم للعرب في منطقة الفرس أو في المناطق الأخرى، أن الفنان يخلط الأزمنة ببعضها، فإلى جوار ما يحدث في الحاضر تجد مشهداً آخر حدث في الماضي، وهي ظاهرة ليس لها مثيل في أي فن آخر، فهذا التعامل يوضح فكرة الواقعي والخفي وهو جزء من طبيعة الفنان، حيث إن هناك معنى وراء كل شيء يرسمه، وهو ما جعله يهتم أكثر بالفنون الإسلامية عن غيرها من الفنون. حرفة وابتكار وأكد أنه إذا كان الفن الإسلامي يتعامل مع الحرفة فإن كل الفنون بها تلك الحرفة، وهو أمر لا يقلل من فنيتها أو قيمها الجمالية، فالفنون الأوروبية كلها فيها فكرة المنافسة التي أوجدتها إجادة الحرفة الفنية إضافة إلى الابتكار، وفي النهاية يستطيع الفنان السيطرة على العمل جملة، وتعاطفه مع الرسوم الموجودة في الكتب وارتباطه بهذا النوع من الثقافة الفنية كان بحكم عمله في المجال الصحفي، حيث إن المطبوعة أو المخطوطة التي ترسم وتخط على الورق منذ القدم يسهل تداولها، ولذلك كان اهتمامه برسوم الكتب في العصور الإسلامية مثل مقامات الحريري وكليلة ودمنة، وكذلك ألف ليلة وليلة التي بحث عنها حتى في رسوم الأوروبيين، وتلك الرسوم جميعاً، وتحديداً الجزء العربي الإسلامي منها تخلط الزمان بالمكان، والزمان بالزمان، والمكان بالمكان. وأضاف أن الفنّان العربي المسلم يكره الفراغ ولديه عقيدة أن وراء كل شيء في الكون سراً خفياً، يحمل معنى معيناً خاصاً به، ولذلك لا يستطيع أن يترك مساحة من دون أن يودع فيها سره، والزخرفة نوع من أنواع الحديث بطريقة الرسم، كما أن هذا الإرث تجده مستمراً في التراث الشعبي. وأكد أن الفن الإسلامي فن مهذب وراق، ويحمل الكثير من الدلالات في أشكاله، فالدائرة والمربع رموز دالة على فكرة الظاهر والباطن، حيث إن المربع يشع في جميع الاتجاهات، والدائرة كذلك وليس لها نهاية أو بداية - الأول والآخر - وهو نفس الفكر الموجود في عمارة المساجد، فالقبة أو عدد القباب التي تمثل الشكل الدائري هي داخل المربع وهو دليل على أن الفنان المسلم دائماً يريد معنى من وراء إبداعه. وأضاف أنه بعدما نشرت مقالات مصطفى محمود عن معاني القرآن، كانت تلك هي أساس كتابه «رسام يقرأ القرآن» وعددها 33 لوحة، وقد عرضت تلك الرسوم في طهران في معرض أقامته وزارة الثقافة الإيرانية بمشاركة عدد من الفنانين التشكيليين الذين يجتهدون في البحث عن أبعاد جمالية وفنية لمعاني القرآن الكريم، ولقيت قبولاً كبيراً، تحقق في زحام لم يشاهده من قبل، وعرض عليه ناشرون في القطاعين الخاص والحكومي في إيران نشر اللوحات. وفي فترة السبعينيات من القرن الماضي أيضاً قدم محمد حجي صياغة جديدة لحروف اللغة العربية أبرزت التوازن بين الكتل المجمعة للحروف، وأوضح أن فكرة الاتجاه إلى استلهام الخط العربي لإنتاج فن قومي عربي كانت فكرة عربية عامة في العراق وسوريا، حيث كان من الأهداف الثقافية آنذاك إنشاء فن عربي، وبالبحث لم يجدوا غير الحرف العربي الذي لم يتناوله الفن الغربي مباشرة فبدأوا يبدعون من خلاله، وفي تلك الفترة انتشر الفن الحروفي. «أنسنة الحروف» أكد الفنان التشكيلي محمد حجي أن سبب تناوله الحروف في لوحاته كان مختلفاً تماماً، حيث إن عمله في الجرائد وعلاقته الدائمة والمباشرة مع النص، جعلته في قلب عالم الخط، الذي تعامل معه ككائن حي وليس شكلاً زخرفياً، وهذا في كل أنواع الخطوط حسب الحالة والتعامل الجمالي، وقد استمرت تلك المرحلة أقل من 10 سنوات، على أنها تأتي وتعود من حين لآخر. وأضاف أنه استخدم في اللوحة الحروفية النقاط والفواصل وعلامات التشكيل باعتبارها أشكالاً فنية، وأهم ما كان يفكر فيه وقتها هو «أنسنة الحروف» وكانت واضحة في لوحة رسمها في تونس، فرسم الحروف تسبح على شاطئ البحر، لكون تونس بلداً ساحلياً، وقد أقام معرضاً للحروفيين المصريين كان سبباً في التنبه لتلك الظاهرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©