الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

حملة الجزائر ضد الفساد·· وقوافل زنجبيل

2 نوفمبر 2006 23:43
الجزائر ـ حسين محمد : شرعت الجزائر في الأسابيع الأخيرة في شن حملة جديدة ضد مختلف أشكال الفساد بالبلد وإذا كانت الحملات ضد الفساد غير جديدة بعد أن عرفت الجزائر حملات عديدة منذ ،1996فإن الحملة الأخيرة لفتت انتباه جميع الجزائريين وأضحت حديث العام والخاص بعد أن نشرت صحف جزائرية مستقلة ملفات فساد من العيار الثقيل وكشفت تورط مسؤولين سامين مدنيين وعسكريين، وهو ما أذهل الجميع لحجم استشراء الفساد ولكنه ولّد في الوقت نفسه أملا لدى الجزائريين بأن تذهب السلطات هذه المرة بعيداً في مكافحة هذه الآفة وتسقط رؤوساً كبيرة بعد أن تعودوا في كل مرة على تقديم ''كبش فداء'' للتغطية عن هذه الرؤوس وذر الرماد في العيون· وفي خلال أسبوعين فقط، سربت جهات فاعلة في الحكم ملفات ثقيلة عن الفساد لصحف جزائرية مستقلة، الملف الأول : يتعلق بالقبض على بارون كبير لتهريب المخدرات وإغراق السوق الجزائرية بها وإسمه الحركي''أحمد زنجبيل''· وكان زنجبيل هذا مجرد عنصر في كتائب ''الدفاع الذاتي'' المُقاوِمة للإرهاب بمنطقة الشلف (210 كلم غرب الجزائر العاصمة) في التسعينات، وساهم في دفع عشرات المسلحين إلى الإقلاع عن العمل الإرهابي والاستسلام للسلطات، ثم تحول إلى مالك لبعض المزارع بالمنطقة قبل أن ينتقل إلى تهريب السلع فالمخدرات وربَطَ علاقات وثيقة مع مسؤولين فاسدين متنفذين بغرب الجزائر لتسهيل''مهمته''· وبعد انكشاف أمره، قام هؤلاء المسؤولون بمساعدته على الهروب من الجزائر إلى إسبانيا ومنها إلى المغرب وأصبح يدير من هناك شبكة تهريب القنب الهندي المعروف ب''الكيف'' المغربي إلى الجزائر بمساعدة تجار المخدرات المغاربة· وكانت شبكة ''زنجبيل'' تهرب سنوياً 900 طن من ''الكيف''بقيمة 1,2مليار دولار، ويتم تبييض هذه الأموال الضخمة في شراء عقارات وأملاك مختلفة بالجزائر أو تحويلها إلى الخارج· وأصدرت السلطات أمراً دولياً بالقبض عليه، ولكن من دون فائدة· شركاء متنفذون وكانت قوافل ''زنجبيل'' تطرق مسالك حدودية مهجورة لا يطرقها عامة الجزائريين لسيطرة الجماعات الإرهابية عليها مما يؤكد أنه''اشترى'' هذه المسالك منها مقابل دعم نشاطاتها الإرهابية مالياً· وبعد سنوات من تهريب المخدرات، دخل ''زنجبيل'' الأراضي الجزائرية خفيةً، لكن بعض رفاقه إرتأوا الوشاية به، وحينما اكتشف ذلك، قرر هدم المعبد على رؤوس الجميع فاتصل بالسلطات للتفاوض معها على تسليم نفسه وكشْفِ تفاصيل مثيرة وأسرار خطيرة عن شركائه المتنفذين مقابل الاستفادة من قانون المصالحة على أساس أنه أحد مدعمي الإرهاب بأموال المخدرات ، فقبلت السلطات عرضه ووضعته يوم 3 يوليو الماضي في إقامة محروسة بولاية البليدة(50 كلم غرب الجزائر) وليس في سجن عام للحؤول من دون تصفيته، وهناك قدم قائمة بعشرات المسؤولين في أسلاك العدالة والأمن والجمارك من الذين يقدمون له كل التسهيلات لتهريب المخدرات والأموال وكذا تنقله إلى الخارج، فقامت السلطات بسحب جوازات سفرهم· وإلى حد الساعة، لايزال التحقيق مستمراً في القضية، إلا أن متتبعين يرون أن السلطات قد استكملت بالفعل أهم أجزاء التحقيق وإلا لما كانت سربت التفاصيل المتوافرة للصحف المستقلة· وينتظر أن يُحاكم المتورطون مع ''زنجبيل'' من المسؤولين المتنفذين، بينما قررت المحكمة العليا بالجزائر إلغاء قرار محكمة الجزائر بسجن والي وهران السابق بشير فريك 8 أعوام نافذة وقررت إعادة قضيته للمحكمة الابتدائية من جديد، وهو مؤشر واضح على ارتباط قضية الوالي المسجون بالاعترافات التي أدلى بها ''زنجبيل'' للمحققين عن أن شركاءه المتنفذين هم الذين فبركوا له ملف المتاجرة بالعقارات، للتغطية عنهم وتحويل أنظار الرأي العام عنهم· صفقات ضخمة القضية الثانية التي فجرتها السلطات هذه الأيام تتعلق بفضيحة الشركة الجزائرية الأميركية المختلطة ''براون أند روت كوندور'' التي يملك ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي أسهماً فيها·وبدأ الكشف عن خيوط القضية حينما قام رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، وبأمر شخصي من الرئيس بوتفليقة، بمراسلة''المفتشية العامة للمالية'' في 4 فبراير 2006 مطالباً بفتح تحقيق حول مدى مطابقة الصفقات الممنوحة للشركة لقانون الصفقات العمومية· وأفضى تحقيق المفتشية العامة للمالية إلى اكتشاف حقائق صادمة عن الشركة التي حظيت منذ سنة 2001 بأكثر من 40 صفقة منحها لهم مسؤولون سابقون وآخرون حاليون ب''سوناطراك'' ووزارة الدفاع بصيغة''التراضي'' لإنجاز منشآت غازية ومستشفيات عسكرية ومبانٍ عامة من دون المرور على المناقصات الوطنية والدولية التي يفرضها القانون، وهذا من دون مبرر مقنع، وبلغت قيمة الصفقات أكثر من 2 مليار دولار أمريكي، كما تورطت الشركة التي تملك سوناطراك 51% من أسهمها، في تضخيم الفواتير والتهرب الجبائي· وكشفت التحقيقات أن الشركة الجزائرية الأميركية المختلطة قامت بتوظيف أبناء بعض كبار المسؤولين في الجزائر ومنحهم هدايا ثمينة وتنظيم سهرات فاخرة لهم بأرقى الفنادق الجزائرية بهدف شراء ولاء آبائهم، مما أثار غضب الرئيس بوتفليقة الذي أمر الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع عبد المالك قنايزية بإلغاء كل الصفقات المبرمة مع هذه الشركة وطلب من باقي الوزارات التوقف فوراً عن التعامل معها، كما أمر بفتح تحقيق قضائي بشأنها، ويتوقع متتبعون أن يفضي التحقيق إلى إطاحة رؤوس كبيرة، ولكن ذلك لم يمنع المتتبعون من التساؤل بمرارة عن سبب تأخر الجزائر في ''اكتشاف'' فساد الشركة على الرغم من تورط الشركة الأم''هاليبورتون'' في فضائح فساد عديدة منذ التسعينات بالبوسنة ونيجيريا ثم العراق، وأين كانت الرقابة؟! وفي السياق نفسه، كثفت السلطات من حملتها على مظاهر الفساد المختلفة ففتحت عشرات التحقيقات عن اختلاس أموال عمومية في البنوك والإدارات والمؤسسات العامة،كما كشفت وزارة الداخلية الجزائرية في أحدث تقرير لها عن فساد المنتخبين المحليين، عن توقيف 612 رئيس بلدية من مجموع 1541 رئيس بلدية بالجزائر فضلاً عن تورط 1174 منتخباً محلياً في قضايا تتعلق بمختلف مظاهر الفساد: رشوة، استغلال النفوذ، إبرام صفقات مخالفة للقانون، تضخيم فواتير، تحويل أراضٍ، وتزوير محررات إدارية···إلخ وأكد التقرير تواطؤ مسؤولين إداريين ومقاولين في فضائح المنتخبين المحليين· وتؤشر هذه الأرقام لمدى استشراء الفساد على المستوى القاعدي أيضا في الجزائر وغياب آليات الرقابة والمحاسبة في السنوات الأخيرة· الآفة والقائمة السوداء وإذا كانت هذه التقارير تؤكد مدى جدية السلطات في مكافحة الفساد مهما كانت مواقع المتنفذين المتورطين، فإنها تؤشر من جهة أخرى لمدى استشراء هذه الآفة وتغلغلها في مختلف دواليب الحكم، وهو ما أفزع الطبقة السياسية في المدة الأخيرة فدعت السلطات لبذل جهود أكبر لمكافحتها والتركيز على الجانب الوقائي وتفعيل آليات الرقابة بكل أشكالها· وفي تحليله لأسباب استشراء الفساد، ربط ميلود شرفي، الناطق باسم ''التجمع الوطني الديمقراطي'' أحد أحزاب التحالف الحكومي بالجزائر، بين اتساع حجم الفساد والمبالغ المالية الضخمة التي رصدتها السلطات لمشروع الإنعاش الاقتصادي بالبلد، حيث أعلن بوتفليقة عن رصد أكثر من 80 مليار دولار إلى غاية ،2009 مما فتح شهية ''الراشين والمرتشين'' لتبديد المال العام، وأضاف شرفي أن مكافحة الرشوة والفساد تشكل أولوية أولويات هذه المرحلة ويجب على العدالة أداء دورها كاملاً· أما العياشي دعدوعة رئيس الكتلة النيابية للحزب الحاكم''جبهة التحرير الوطني'' ، فيرى أن أصل الداء يبدأ بالاختيار الخاطئ للمسؤول والذي غالباً ما يكون وفق معيار المحاباة ،ونبه دعدوعة إلى أن البكاء على آلاف ملايير الدينارات التي تسرق من البنوك من دون معاقبة المتسببين فيها يعد مرضاً أخطر من الفساد نفسه· ومن جهتها كشفت''حركة مجتمع السلم'' أن الجزائر عرفت 38 نوعاً من الفساد والجريمة غير بعيدة من المعدل العالمي الذي حدد 45 نوعاً، وهو ما يدل على الاستشراء الخطير لهذا السرطان· بينما أكد بوجمعة غشير رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان أن قطاع الصفقات العمومية في الجزائر أضحى أكبر قطاع يتعامل بالرشوة، وأن تفشي الآفة في مختلف المؤسسات والهيئات أمر واضح لا يمكن لأحد نكرانه· وبهذا الصدد، نبه فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان إلى أن مظاهر الفساد عامة وآفة الرشوة خاصة ، شوّهت تماماً صورة الجزائر في الخارج خصوصاً وأن منظمة ''شفافية دولية'' منحتها علامات تراوح بين 6,2 و8,2 من 10 وهو ما جعلها ضمن ''القائمة السوداء''للدول الفاسدة على الرغم من مصادقة الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وسن قانون للوقاية منه ومكافحته· جهود جدية ومهما يكن من أمر، فإن التحقيقات الأخيرة التي فتحتها السلطات على المستويات كافة، تبشر ببداية مكافحة آفة الفساد بشكل جدي بعد سنوات من التعثر والاقتصار على ''مستويات دنيا'' لاتتعدى حدود المسؤولين الصغار· ولا شك في أن الرئيس بوتفليقة قد تأثر كثيراً لتفشي مختلف أشكال الفساد بالبلد وملاحظات الشركاء الأجانب حول نقص الشفافية وهيمنة الرشوة على قطاع الصفقات العمومية ليقرر توجيه رسالة قوية لهؤلاء الشركاء المهمّين الذين يعول على جلب استثماراتهم لإنعاش الإقتصاد الجزائري، مفادها أن الجزائر جادة في مكافحة الفساد وفتح تحقيقات معمقة ومعاقبة المتورطين مهما كانت مواقعهم ونفوذهم، ولاشك في أن تفجير فضيحتي الشركة الجزائرية الأميركية المختلطة و''زنجبيل'' يؤكد أن بوتفليقة عازم على الذهاب بعيداً في مكافحة الآفة حتى في الدوائر المتنفذة· إلا أن الأهم من مكافحة بؤر الفساد الحالية، هو ضرورة وضع آليات فعالة للرقابة على الأموال العمومية لمنع تكرار نهبها، وقد أثبتت التجارب السابقة أنها كانت عرضة للنهب والتلاعب بسهولة، وإذا كان ذلك أمراً مفهوماً خلال العشرية الحمراء التي كانت فيها السلطات منشغلة كلياً بمكافحة الإرهاب الذي كان يهدد وجود الدولة نفسه مما جعل الفاسدين، وبخاصة المتنفذين منهم ، يغتنمون الفرصة لتحقيق ثروات خيالية غير مشروعة باستغلال نفوذ مناصبهم، فإن استعادة استقرار البلد يوجب ضرورة تفعيل آليات الرقابة على المال العام والحؤول من دون تبديده ذات اليمين وذات الشمال·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©