الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر... مرحلة انتقال شديدة الوعورة

25 أغسطس 2011 00:03
تمر مصر الآن بواحدة من أكثر المراحل مفصلية في تاريخها. لقد أسقطت الثورة المصرية في 11 فبراير الماضي نظاماً وأنهت التوريث. لكن الثورات لا تنتهي بمجرد تغيير رأس النظام وحكومته ومراكز القوى الأساسية المرتبطة به. فعلى سبيل المثال انتهت الثورات الشيوعية والدينية في التاريخ إلى تشييد نظام يعتمد على احتكار جديد للسلطة في ظل عزلها للقوى الأخرى في المجتمع. أما في الثورات الديمقراطية التي شهدها الربع الأخير من القرن العشرين فقد اختلف الأمر لأنها بطبيعتها سعت لبناء إطار تعددي مفاده مرجعية الشعب في ظل التداول على السلطة وحماية الحريات وتنمية العدالة الاجتماعية. هذا يفسر ما وقع في أوروبا الشرقية وفي أميركا اللاتينية وفي جنوب أوروبا وفي دول عدة في آسيا. مصر حتى الآن لم تستكمل ديمقراطيتها، وهي تعيش مرحلة انتقال متعرجة وشديدة الوعورة في ظل سعي لتكملة الثورة لصالح الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإصلاح. لقد بدأت في مصر في 8 يوليو ملامح مرحلة جديدة تتضمن التأكيد على أولوية العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وضرورة إصلاح المؤسسات الأمنية والإصرار على محاكمة ضباط الشرطة الذين قتلوا متظاهرين أثناء الثورة، وهذا يتضمن محاكمة مبارك والمرتبطين بنظامه. وفي الوقت ذاته هناك رفض في الشارع المصري لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، بل المطالبة بتحويلهم إلى القضاء المدني. ما وقع في مصر في يناير وفبراير الماضيين ثورة لكنها غير مكتملة. هذه الثورة تبحث عن انتقال حقيقي للسلطة ونقل مصدر الشرعية إلى الشعب وبالتالي انتخابات وكتابة دستور جديد وطرق لتنمية القوى الاجتماعية المحركة للثورة. لنتذكر أن البرتغال احتاجت عام 1974 ما يقارب 18 شهراً للوصول إلى حالة استقرار تخللتها فوضى وصراعات واضطرابات وانقلاب عسكري فاشل. إن الحاضن للثورة المصرية مرتبط بتغيير كبير طرأ على سيكولوجية الشعب المصري، الذي انتقل من السلبية إلى المبادرة، وذلك بصفته مصدر الشرعية ومصدر الحكم الرئيسي. هذا الانتقال يجعل الشبان في الميادين أكثر قدرة في المرحلة الراهنة على تحريك الناس وكسب الأنصار لمطالبهم، وهم لهذا يمثلون جوهر حراك المجتمع المصري الجديد بعد الثورة. هناك نبض في الشارع المصري يستشعر به الثوريون ويسعون لترجمته في صورة مطالب تطرح في الميادين. وتعيش مصر في المرحلة الانتقالية بين ثلاثة تناقضات: فهناك المجلس العسكري الذي يدير المرحلة الانتقالية بتحفظ بينما تنقصه الخبرة السياسية، وهو المجلس الذي يمثل سلطة الجيش التاريخية في مصر، وهناك من جهة أخرى الثوريون ممن حركوا ثورة 25 يناير وممن يسعون لتحريك المجتمع نحو مركزية المطالب التي يميل إليها الشارع وتعبر عن ثورته وحالته الجديدة، وهناك أيضاً حكومة عصام شرف التي تقف في الوسط بين المجلس العسكري وبين الثوار المجددين، هذه الحكومة الانتقالية لديها بعض التأثير وهي خليط من الجديد ومن النظام السابق. ولكنها تملك جزءاً من القرار وتعيش وسط العاصفة. ولكن لنجاح المرحلة الثانية من الثورة المصرية لا بد من أن ُتفعِّل الثورة من ذكائها الفطري، وأن تسعى باتجاه إدارة الوضع لصالح مطالبها. على الثورة الانتباه لسلسلة الخيوط الرفيعة التي يؤدي عدم التعامل معها إلى تأخير قدرة الثورة على استكمال مشروعها الديمقراطي الذي يكتسب المعنى الأهم بالنسبة إلى مصر والعالم العربي المحيط بها. لنأخذ على سبيل المثال ذلك الخيط الرفيع بين سعي المجتمع المصري وقطاعات كبيرة منه للعودة إلى حياة طبيعية وبين زخم الثوريين والنشطاء الساعين لتعميق مكاسب الثورة. إن الثورة في مصر مطالبة بتعميق الثورة، لكنها في الوقت نفسه مطالبة بالبحث عن طرق للانتقال بثمن أقل لبقية المجتمع، وهذا يجب أن يجعلها حساسة في دفع الأوضاع نحو الحافة. أما الخيط الثاني الذي يتطلب مراعاة فيرتبط بالتعامل مع الذين عملوا مع النظام السابق. فالثورات تقصي عادة كل ما يمت بصلة للنظام السابق، لكن في الثورات الديمقراطية كالثورة المصرية من الطبيعي أن يكون الوضع مختلفاً. وهذا يعني البحث عن ذلك التوازن الذي يمنع بحزم قوى النظام السابق من التسلل إلى الانتخابات المقبلة وإفسادها من جهة وبين الحاجة للتسامح والمصالحة والبدء من جديد من جهة أخرى. هذه معادلة صعبة لن يكون التعامل معها يسيراً. نموذج الملاحقة والعزل الذي مورس في العراق بعد 2003 بحق "البعث"، كما الذي مورس في إيران بعد انتصار الثورة عام 1979 تحوّل إلى كارثة على العراق وإيران لأنه استهدف كل بعثي بغض النظر عن ممارساته وأعماله ومدى ضررها على المجتمع الأوسع. إن القوى التي تشعر بالعزلة الشديدة لديها كل المصلحة للتكتل وافتعال مشكلات والتحالف مع قوى أخرى محلية وخارجية من أجل إفشال التغيير الذي يهم المصريين. يجب توافر أسس متزنة تراعي المستقبل في التعامل مع أنصار ومؤيدي العهد السابق ممن لم يسيئوا إساءات بالغة للمجتمع. نجاح الثورات في الانتقال نحو مجتمع ديمقراطي يتطلب سرعة في بناء أساسيات الحكم الديمقراطي والرشيد، وهذا بطبيعة الحال أصعب من صناعة الثورة نفسها. الانتقال نحو حوكمة حقيقية تتضمن شفافية وتحديداً لصلاحيات السلطة سيتطلب الكثير من الجهد والعمل. التحول الديمقراطي بالكاد بدأ وطريقه سيمتد إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية وكتابة الدستور الجديد. ولادة الدستور الجديد في العام المقبل أمر أساسي في تحديد المستقبل الديمقراطي لمصر، وذلك في ظل انتخابات شفافة لبرلمان جديد وانتخابات لرئيس جديد مع العمل على تمكين استقلالية القضاء وإرساء تقاليد جديدة في مؤسسات الدولة. د. شفيق ناظم الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©