الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسبانيا... استياء شعبي من الفساد

21 أغسطس 2013 23:44
لا يريد الأطفال الإسبان هذه الأيام أن يصبحوا رؤساء والسياسة أصبحت من أقل المهن التي يطمحون للعمل فيها عندما يكبرون. جاء هذا في نتائج استطلاع للرأي نُشرت الأسبوع الماضي تبين نتائجه العلاقات المتطورة في المجتمع الإسباني لما يعتبره غالبية الإسبان مؤسسات وقيادة فاسدة بطبيعتها. لكن موقف المجتمع من الفساد غير واضح المعالم، فالإسبان من أقل الشعوب تورطا في الفساد – مثل دفع الرشى- بين نظرائهم الغربيين، بحسب ما ذكرت تقارير منظمة الشفافية الدولية على مدار سنوات. لكنهم يتسامحون مع ما يعتبره الغالبية ثقافة سياسية واقتصادية سيئة. لكن مسلسل الفضائح المتورط فيه الأغنياء وأصحاب النفوذ في إسبانيا- بينهم أهم الأحزاب السياسية والعائلة المالكة وبنوك وشركات كبرى والقوات المسلحة بل وفرق رياضية - فهم يغشون ليحققوا ثراء لأنفسهم وهذا يصاحب أسوأ عسر اقتصادي في عقود، وكل هذا قد يمس وتراً حساساً. ويشير مزيج من البحث وآراء الخبراء وأدلة من توجهات الناخبين إلى أن تسامح الإسبان مع الفساد بدأ يضعف. وقال «مانويل فيلوريا»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «ري خوان كارلوس» الذي يبحث في الفساد إن هناك عدداً من العوامل التاريخية بل والثقافية تساعد في شرح سبب «فساد العلاقة بين الموجودين في السلطة حتى لو كان الإسبان غير ذلك... الإسبان في جوهرهم ليسوا فاسدين لكن هناك الكثير من الفساد على المستوى السياسي خاصة في الحكومات الإقليمية والمحلية». وذكر تحليل كيفي لمفهوم المجتمع عن الفساد نشره مركز الأبحاث الاجتماعية، وهو وكالة حكومية مستقلة، عام 2011 أن الفساد «يتم التسامح معه أو قبوله» من الإسبان باعتباره ممارسة عادية في السياسة. وقال تقرير المركز إنها ظاهرة رأسية من أعلى إلى أسفل، لأن السلطة تعين على الفساد لكن الأخير يتغذى أيضاً من أسفل جراء سلوك متهاون من المواطنين مع الصور الصغيرة للفساد مثل التهرب الضريبي واستخدام العلاقات الشخصية لتحقيق مكاسب. ويشير عدد من الدراسات إلى أنه يتم التسامح مع الفساد والمحسوبية-المكاسب الاقتصادية مقابل الدعم السياسي- خاصة عندما تتسرب الفوائد غير المشروعة إلى أسفل. وهذا لا يعني أن الإسبان يروقهم سير الأمور لكنهم لا يرون بالأحرى بديلاً. وبعملهم هذا، يدعمون بغير قصد نظاماً يضرهم لا محالة على المدى البعيد. وقال فيلوريا: «تاريخياً لم يتم محاسبة المسؤولين الفاسدين في الانتخابات وهذا يدل على المعايير المزدوجة... فعندما يكون هناك أزمة فإننا نتوقع «صرامة اسكندنافية» في إشارة إلى دول شمال أوروبا التي تصنف دوماً باعتبارها أكثر دول العالم شفافية. وأضاف «لكن عندما يسير الاقتصاد بشكل جيد، يكون هناك القليل جداً من الحماس والكثير جداً من التسامح». وأشار الإسبان إلى الفساد والتزوير باعتبارهما ثاني أكبر مشكلة ملحة بعد البطالة، وذلك وفقاً لمؤشر شهر يوليو الصادر عن مركز الأبحاث الاجتماعية، ويأتي السياسي والأحزاب السياسية في المرتبة الرابعة. درجة القلق بشأن الفساد أكثر بمقدار ثلاثة أضعاف القلق الناجم عن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الشهور الاثني عشر الماضية. وفي يوليو عام 2012، تم تصنيف الفساد باعتباره رابع أكبر مشكلة ملحة. لكن القلق لم يكن موجوداً في الأساس لما يزيد على عقد حتى عام 2009 عندما أمسكت أسوأ أزمة بتلابيب إسبانيا. وفي الحقيقة، فمنذ بداية تسعينيات القرن الماضي-وهي فترة تدهور اقتصادي أيضاً- كان الفساد مصدر قلق كبير كما هو الحال الآن. ويقول خبراء إن الأمر لا يتعلق بوجود فساد أكبر الآن، لكن عدد القضايا الكبيرة للتربح الشخصي المتفشي أصاب وتراً حساساً في غمرة العسر الاقتصادي الذي يعاني منه ملايين الإسبان- مما أذكى عدم ثقة غير مسبوق في مؤسسات البلاد. فالمحاكم تحقق مع صهر الملك خوان كارلوس ومع أكثر من مئة مسؤول ورجل أعمال في حلقة فساد يعتقد أنها تدار من منطقة الأندلس التي يحكمها الحزب الاشتراكي ومع عدد من مدراء الشركات في قطاع الإنشاء بخاصة ومع زعماء إقليميين ووزراء من الحكومة. ويتورط في أفدح القضايا حزب «الشعب» الحاكم وكبار قياداته وصولا إلى رئيس الوزراء ماريانو راخوي. ويحاكم أمين الخزانة السابق لحزب «الشعب» المعتقل حالياً لدوره في برنامج تم إجازته مؤسسياً للحصول على أموال نقدية بشكل غير مشروع من شركات إنشاء مقابل تعاقدات مع الدولة. واستخدمت الأموال الفاسدة فيما بعد في الحملة الانتخابية وفي تقديم نفقات سخية وعلاوات نقدية للزعماء. ونفى السيد راخوي في البرلمان هذا الشهر ارتكاب حزب «الشعب»، أو أي أشخاص مخالفات. لكن «راخوي» تحميه قوة تصويتية متينة فاز بها في انتخابات نوفمبر عام 2011 عندما كانت يجري التحقيق في عدد من قضايا في الفساد في تمويل الحزب. وقال «فرناندو خمينيث»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابلو أولافيدا في أشبيلية، وهو خبير في الفساد، «إسبانيا ديمقراطية غير ناضجة... عمر ديمقراطيتها 30 عاما ولم تطور ثقافة المسؤولية السياسية». ولم ينف «فيلوريا» وجود بعض العوامل الثقافية. وهناك دلائل رغم هذا على أن الإسبان طفح بهم الكيل من التسامح مع الفساد. وقال «خمينيث»: «تشير دراسات سكانية أيضاً إلى أن الذين سئموا من الفساد يحظون بتعليم جيد وتتراوح أعمارهم بين 25 و45 عاماً ويتمتعون بقدرة على التنظيم». ويحتمل أن يتبنى زعماء البلاد المطالب الشعبية، وأن يقتصر عملهم على إجراء إصلاحات سطحية، ولن يؤدي هذا إلا إلى تفاقم الأزمة بحسب ما قال خمينيث. ‎أندريه كالا مدريد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©