الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصريون يستقبلون الحجاج برسوم على جدران المنازل

مصريون يستقبلون الحجاج برسوم على جدران المنازل
21 نوفمبر 2010 20:35
صور للكعبة تزين جدران البيوت إلى جانب رسوم للمسجد النبوي وشخصيات بملابس الإحرام ومناظر أخرى لطائرة وسفينة وجمل وآيات قرآنية بخطوط عربية متنوعة. هكذا يحتفل عامة المصريين في القرى والمناطق الشعبية بموسم الحج وفقا لموروث ثقافي فني يتوارثونه منذ مئات السنين احتفاء بعودة حجاج بيت الله الحرام. إلا أنه كاد ينقرض. يتبارى مصريون خلال موسم الحج في الإعلان عن أدائهم لتلك الفريضة من خلال تزيين واجهات منازلهم برسوم وعبارات تتعلق بمناسك الحج وزياراتهم للأراضي المقدسة. ويرى البعض أن تلك الظاهرة نوع من التفاخر والتعبير عن الحب المتوارث من المصريين للحج كفريضة ليس كل إنسان قادرا على أدائها. ويتولى رسم هذه المناظر الجميلة فنانون شعبيون بطريقة فطرية وتلقائية من دون أن تطأ قدم أحدهم جامعة أو مدرسة وقد يتطوع بالرسم والزخرفة أحد أقارب الحاج أو أصدقائه كنوع من المجاملة. خير وسيلة كان لكل قرية فنانوها الذين يجيدون رسم هذه الرحلة الدينية يطلق عليهم لقب خطاط ولكل منهم أسلوبه فمنهم من يهتم برسم الكعبة وجبل عرفات إلى جانب الوسيلة التي استخدمها الحاج في السفر كالطائرة أو السفينة، ومنهم من يقتصر على رسم الكعبة فقط من أجل توفير مساحة كبيرة من الجدار تمكنه من كتابة بعض الآيات القرآنية والأقوال المأثورة ويجدها فرصة لاستعراض مهارته في الخط. وترى غالبية الأسر في ريف مصر أن خير وسيلة لاستقبال الحاج بعد عودته سالما هي تزيين واجهة منزله بتلك الرسوم والكلمات، ولا تبخل في سبيل ذلك بتوفير كافة ما يحتاج إليه الخطاط من ألوان ومال وكذلك إعادة طلاء وترميم الحائط المستخدم كي يصبح بحالة جيدة. إلى ذلك، يوضح الخطاط سمير عبد التواب (46 سنة) أن ذلك العمل موسمي ينتظره من العام للعام كمصدر رزق إضافي إلى جانب عمله الأصلي في كتابة اللافتات واللوحات الإعلانية، وأنه لم يتعلم الرسم في مدرسة وإنما تعلمه كحرفة لها أصول وقواعد إلى جانب الموهبة من خلال عمله في الصغر مع والده الذي كان يجيد رسوم رحلة الحج. ويقول إنها كمهنة لا تحتاج إلى ابتكار فالرسوم ثابتة ومعروفة، ولكنها تحتاج إلى موهبة ورؤية متكاملة لأبعاد الجدار. حيث يرسم الكعبة والمكان الأنسب لرسم صورة الحاج وكتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويراعي وجود مسافات بين الصور وفراغات تريح عين المشاهد. رسوم ورموز يشير عبد التواب إلى أنه يرسم شعائر الحج على حوائط منازل الحجاج لأكثر 30 سنة، ولأنه يشعر بالفخر لأن غالبية المنازل التي من حوله عليها بصمته فبيوت القرية باتت بالنسبة له اقرب إلى معرض تشكيلي للوحاته، موضحا أن أدواته بسيطة للغاية ومنها ألوان مائية يتم مزجها جيدا ثم الرسم بواسطة ريشة طائر أو عود من “البوص” ذي طرف مدبب أشبه بسن القلم إلى جانب سلم خشبي يستخدمه للوصول إلى الأماكن العليا من الجدار. ويضيف أنه يحتاج من 5-7 ساعات كي ينتهي من عمله ويتقاضى أجره بحسب حجم الجدار المراد تزيينه وعدد الرسوم التي ترغب أسرة الحاج في وجودها على واجهة البيت، وهي غالبا تكون الكعبة وغار حراء وغار ثور ومقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود والمسجد النبوي، إلى جانب صور لوسيلة المواصلات التي استخدمها الحاج في رحلته سواء كانت طائرة أو باخرة أو حافلة في حالة السفر برا وقديما كان الجمل والحصان إلى جانب كتابة الآيات القرآنية عن الحج كقوله تعالى “وأذن في الناسِ بِالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق”. وقوله تعالى “ولله على الناسِ حج البيت من استطاع إليه سبيلا” إلى جانب البسملة وشهادة التوحيد “لا إله إلا الله.. محمد رسول الله” وأسماء الله الحسنى وعبارات أخرى مأثورة مثل “حج مبرور وذنب مغفور ويا رايحين للنبي الغالي هنيالكم وعقبالي وصلوا على النبي والله أكبر وألف مبروك يا حاج”، مشددا على أهمية أن يكتب اسم الشخص الذي قام برحلة الحج وذكر السنة سواء هجرية أو ميلادية لأن ذلك تاريخ يفخر به الحاج وعائلته. تزيين البيوت يقول الحاج فهمي عبد الله، من مدينة بلبيس بالشرقية “فرحت كثيرا عندما عدت من رحلة الحج ووجدت أهل بيتي قد قاموا بتزيين واجهة المنزل برسوم الحج وشعرت بأن جميع أهل البلد علموا بأنني أديت الفريضة وذلك ليس نوعا من التفاخر وإنما يعكس أهمية تلك الفريضة في حياة المصريين لاسيما البسطاء منهم ممن قد لا يتمكنون مرة أخرى من تكرار الزيارة”. ويضيف “8 أعوام مرت على تلك المناسبة ومازلت أتذكر كافة تفاصيلها وأحداثها في كل مرة انظر لواجهة البيت وصورة الكعبة والآيات القرآنية ورغم تقادم الطلاء فإنني متمسك ببقائه كي لا يتم محو صور الرحلة”. ويتذكر الحاج خالد شوقي أنه عندما ذهب إلى الحج قبل خمسة أعوام أوصى ابنه الأكبر بإعادة طلاء البيت باللون الأبيض، واستقدام خطاط كي يقوم بتزيين واجهته برسوم الحج. ويقول “تلك عادة الحجاج في بلادنا وقد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وهي وسيلة لإعلام الناس بان هذا الشخص أدى الفريضة وعاد سالما بفضل الله”، مؤكدا أن تلك الرسوم تذكره بالأجواء الروحانية الجميلة التي عاشها في الأراضي المقدسة منذ سنوات ويتمنى لو أن تتاح له الفرصة مرة أخرى لتكرارها. وترى الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، أن تلك الرسوم فن فطري وامتداد للفن الفرعوني القديم كما أنها موروث شعبي خالص يتميز به الشعب المصري، خاصة في القرى والأحياء الشعبية ورغم تراجعه بعض الشيء في الأعوام الأخيرة، خاصة في المدن الكبرى كالقاهرة بدعوى الحداثة إلا أنه يظل حاضرا في بيوت القرى حيث يعكس الفرح والتفاخر برحلة الحج والحصول على لقب حاج وهو اللقب الذي له مكانة خاصة لدى المسلمين عامة والمصريين خاصة. تقليد فرعوني وتؤكد الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق أن ذلك الموروث الاجتماعي يرجع إلى زمن الفراعنة حيث كان قدماء المصريين يحرصون على تزيين واجهات منازلهم ومعابدهم برسم العديد من الصور والكتابات الدينية. ومع الفتح العربي الإسلامي لمصر ونظرا لحجم المشقة التي كان يلاقيها الحجاج في انتقالهم على الجمال إلى مكة في مسيرة تستغرق شهورا كان المصريون يخلدون تلك الرحلة على جدران منازلهم لتذكرهم ومن حولهم بأداء الفريضة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©