الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد العسم: الكتابة الأولى أشبه بصدى عميق يرن في الذاكرة

أحمد العسم: الكتابة الأولى أشبه بصدى عميق يرن في الذاكرة
14 أغسطس 2012
بزغ صوت الشاعر أحمد العسم وسط رمال رأس الخيمة المائلة نحو بحر أليف وزرقة تسقي ظمأ الروح، وهناك في فريج “هل ميان” اختبر العسم لذة الكتابة وعذابها، ومنح ميراث طفولته لمطرقة المرض وسندان الكهولة، ولكن حنينه المرتجف تساقط مثل رطب لامع في ممرات وحواري وسكيك منطقة “الضيت”، تلك المنطقة الصغيرة والأثيرة التي انتقل إليها لاحقاً، والتي باتت مثل قارة هائلة ومسحورة لا يسكنها سوى الشعر وبضع قناديل سكرى تتدلى في وحشة الآبار، ومن الضيت أيضاً، حلقت دواوين العسم بجناحين من ورق سميك وكلام شفيف وبوح يتعلّى فوق كل الهاويات والسفوح، كتابة سوف تظل مثل وشم في القلب، ومثل جرح طاهر في الذاكرة، لا يغادر أحدهما الآخر، ولا يغدر أحدهما بالآخر، وكأن ثمة وعداً هنا بضرورة النزيف حتى آخر ورقة في كتاب الماء، وحتى آخر سطر في ديوان الحلم. الكتابة الأولى في اللقاء التالي يحدثنا العسم عن ذاكرة الكتابة الأولى، وعن لذة الاكتشاف والانكشاف على جزيرة الشعر، وعلى مغارة الأخيلة، والكتابات الدالة على خديعة الحياة ولعبتها المدوخة، كما يحدثنا أيضاً عن مصائد العزلة وتأملاتها، وشغف الكتابة المشتركة مع أصدقاء ساقتهم الغواية إلى حفلة من قلق وأرق وجموح مارق وجنون شاهق لا شفاء من لعنته ولا خلاص من سطوته. يقول العسم “الكتابة الأولى بالنسبة لي هي أشبه بالصدى العميق الذي يرن في الذاكرة، ولا يتلاشى إيقاعه رغم بعد المسافة وبعد الزمن” ويضيف “في بداية التسعينيات وعبر أثير إذاعة رأس الخيمة بالتحديد، كانت كلماتي تتشكل نثراً وشعراً وسط مساهمات أصدقائي الشعراء الذين كانوا يكتشفون مثلي ملامح الكتابة الجديدة والمختلفة عن السائد في ذلك الوقت، ووسط هدير هذا البوح الخاص والملون بالخيالات والمفردات المبهجة، ارتأيت ومعي بعض الشعراء المقربين مني روحياً أن نصدر ديواناً شعرياً مشتركاً في عام 1995 أطلقنا عليه عنوان”مشهد في رئتي” الذي كان هو أول إصدار مطبوع لي مع الشاعرين هاشم المعلم، وعبدالله السبب”. وحول طبيعة هذا الديوان الأول المشترك، يشير العسم إلى أن الهمّ الشعري كان مشتركاً في الديوان، على الرغم من تفرّد كل شاعر بأسلوبه وبمرجعيته وبفضاءاته الذاتية المستقلة، ويوضح العسم بأن الكتابة المشتركة تجمع بين أرواح وأذواق متشابهة، ولكنها غير مستنسخة على مستوى الأنساق التعبيرية والرؤى الداخلية، ومن هنا ــ كما أشار ــ فإن الديوان كان أشبه بخيط غير مرئي أو مغناطيس خفي يجمع بين ما هو مختلف في المبنى ومتّحد في المعنى. ويصف العسم ديوانه الثاني “يحدث هذا فقط” والذي حمل اسمه منفرداً هذه المرة، بأنه ديوان التأملات الفائضة الذي أهداه للبحر، كونه الصديق الأليف والكبير الذي لم يخطئ عنوانه يوماً، ولم يدر له ظهراً ولم يقسُ عليه كما قست عليه الحياة ولم يخذله كما خذله الجسد. ويؤكد العسم أن ديوان “يحدث هذا فقط” له محل عزيز ومكانة خاصة بين دواوينه اللاحقة التي وصلت إلى ست مجموعات شعرية، ذلك أن الديوان الشخصي الأول، على الرغم من حماسة الكتابة التي طغت على النضج والتروي هو ديوان ــ كما وصفه ــ يشتمل على حرارة وألفة الامتزاج مع الشعر البكر والطازج والمتخلص من عبء المراجعة والنقد الذاتي والخوف من التراجع وعدم الإتيان بما هو جديد ومدهش ومتجاوز للمرحلة السابقة. رمضان وفي سؤال حول تأثير ليالي رمضان وخصوصيته في كتاباته الشعرية، يشير العسم إلى أن شهر رمضان يمثل بالنسبة حالة شعرية متفردة ومفعمة بالتأملات والانتباهات العميقة التي تعتبر وقوداً ومخزوناً لكتابة متجلية ومشحونة بطاقة صوفية تربط الذات الشفافة بما يحيطها من مكونات وعناصر متجلية هي الأخرى ومشمولة بالخفة والخشوع والسحر المتخلص من شروط الثقل والجمود والحياد. ويضيف العسم أنه استثمر فضاء الحكايات والقصص والمرويات الشعبية في ليالي رمضان، كي يعيد صياغتها شعرياً في أكثر من قصيدة وأكثر من نص، وأكد أن الجلسات الأسرية في رمضان، خصوصاً مع الجدات، كان حافلاً بالحكايات المغنّاة التي يشتبك فيها لحن الصحراء وصوت البحر مع صور خرافية، وخيالات أسطورية، خلقت في داخله ما يشبه غابة من الرؤى والصور الغرائبية اللامتناهية التي عززت دون شك خياله الشعري وأثرت مفرداته الأدبية ومخزونه البصري الموصول بشبكة من الأنساق اللامعقولة والسريالية التي تستند إليها هذه القصص والمرويات الشعبية. ويستعيد العسم أيضاً ذاكرة “مقهى منّور” في رأس الخيمة والذي كان أشبه ــ حسب وصفه ــ بصالون أدبي مفتوح، يجتمع فيه مع الأدباء والشعراء والباحثين والكتاب الذين ساهموا وبشكل غير مباشر في تكوين وعيه الأدبي واهتمامه بالشعر الفصيح والعامي، وخوضه لغمار الكتابة السردية المتعلقة بقراءة المكان، وتحليل الظواهر التراثية، والتي يعمل العسم حالياً على جمعها في إصدارات قادمة كي يوثق لمرحلة ذهبية في تاريخ المكان، ولمرحلة شخصية أيضاً مليئة بالتجارب والمواقف والمحطات المسكونة بملامح الطفولة وصور الأصدقاء وميراث الألفة والمحبة الذي تركه الرفاق والأقرباء الراحلون جسداً، والباقون روحاً وأطيافاً، وكأنهم غيمة أبدية تحنو وتظلل وتخفف من وطأة الفقدان وعراء الذاكرة وهجير العمر.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©