الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في كواليس نشرة الأخبار

في كواليس نشرة الأخبار
25 أغسطس 2011 01:09
من المعروف أن الصحفي المذيع الذي يتولى تقديم نشرة أخبار الساعة الثامنة ليلاً في فرنسا هو نجم كبير، وله شعبية واسعة بل إنه يمثل مركز قوة، ومؤلف هذا الكتاب دافيد بوجاداس David Pujadas هو نجم نشرة الأخبار الرئيسية في القناة الثانية الفرنسية (فرانس 2)، وهي قناة عمومية وليست خاصة، وهو لا يزال إلى اليوم أحد المقدمين الرئيسيين لنشرة أخبار الثامنة مساء والكتاب عنوانه هل تتعرض لضغوط؟ في كواليس نشرة الثامنة للاخبار” Vous subissez des pressions? Dans les coulisses du 20 heures والمؤلف (48 عاماً) يشتغل في القناة الثانية منذ عشرة أعوام، وهو في هذا الكتاب يكشف كواليس مطبخ الأخبار في القناة التلفزيونية، وكيفية صنع المادة الإخبارية المصورة، كما يحلل العلاقة بين الصحفي المذيع والسلطة السياسية، وهو يعترف بأن نشرة الثامنة تمثل فعلاً قوة ونفوذاً، وهي كما يقول دائماً محل تقاش ونقد وانتقاد مضيفا: “عندما ألتقي بالناس في الشارع أو في المطعم أو أي مكان عمومي فإن السؤال الذي يتكرر دائماً: هل “الأقوياء” يمارسون عليك ضغوطاً؟”. ضغوط والقارئ للكتاب يكتشف فعلا أن هناك ضغوطاً تمارس على الصحفي المكلف بتقديم أهم نشرة إخبارية في فرنسا، وتتهاطل عليه المكالمات الهاتفية لتقترح هذا الموضوع أو ذاك أو لتلفت النظر إلى شخصية سياسية دون أخرى، حتى الممثلون والمغنون يتصلون سعيا للفوز باستضافة للتعريف والدعاية غير المباشرة لإنتاجاتهم، والمؤلف يؤكد أنه يصمد دائما أمام مثل تلك الضعوط، فعندما يستضيف المذيع بوداجاس في نشرة الثامنة وزيراً مثلاً ويشترط الوزير مسبقاً أن تلقى عليه أسئلة دون أخرى فإن المذيع ـ حسب شهادة المؤلف ـ لا يولي شرط الوزير أية أهمية، وساعة إجراء اللقاء مباشرة على الهواء فإنه يسأله كل الأسئلة التي يريد، دون الأخذ في الاعتبار توصية الوزير أو رغبته. ويصف المؤلف استديو الأخبار بأنه يشبه مستودعا فسيحا وفارغا، وبلا نوافذ وسقفه مرتفع جدا، ويروي في أحد الفصول كيف سعى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ـ عندما كان مرشحا للإيليزيه ـ إلى استمالته كصحفي نجم وكسب وده، وذلك أثناء الحملة الانتخابية، مغتنما فرصة إجراء لقاء معه، ويكشف دافيد بودجاداس حادثة محددة حصلت له مع ساركوزي قائلا: “قبل أسابيع قليلة من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية كان ساركوزي ضيفا على نشرة الأخبار الرئيسية، وعندما قدمت قبل دقيقة واحدة من بداية البث المباشر، كان ساركوزي خارجاً للتو من غرفة الماكياج، علما أنه عند إجراء لقاء تلفزيوني مباشر مع الشخصيات السياسية المهمة فإننا نحدد قبل موعد اللقاء رؤوس الأقلام للمواضيع التي سيقع التطرق إليها، ولكن لا نمد أحداً أبداً بالأسئلة التي ستطرح عليه. بدأ ساركوزي مرحباً بي معبراً عن سعادته الدائمة بأن يكون ضيفاً في نشرة الأخبار التي أقدمها، وخاطبني أمام الجميع قائلا: أرجو دافيد أن لا تكون من أنصار سيغولين روايال (المنافسة آنذاك لساركوزي على رئاسة فرنسا)، وآمل أن لا تصوت لها، قالها في أسلوب ضاحك بين الجد والهزل، ولكنه يلامس الاستفزاز، أجبته: إني لا أقول شيئاً”. ولاستمالته قال ساركوزي للمؤلف: “إني معجب بك وكنت دائماً من أنصارك”. ويشير المؤلف إلى أن زميله الصحفي الفرنسي الشهير آلان دوهامال تم تجميده من تقديم نشرة الأخبار طيلة الحملة الانتخابية، لأنه أعلن في ندوة أنه سيصوت للمرشح لالان برو، وقد تم تسجيل مداخلته وبثها على شبكة الإنترنت مما عرضه للعقاب والتجميد. إحراج ولأن المذيع النجم له تجارب مع العديد من الوزراء الذين استضافهم، فإنه يذكر أنه تعرض للتهديد من بعضهم بسبب إلقائه أسئلة تحرجهم أو تكشف عن جوانب لا يريدون أن يطلع الرأي العام عليها، وخلافا لما يظنه الكثيرون فإن الإعلام في الغرب وفي فرنسا ليس حرا تمام الحرية، وحرية التعبير لا تقدم للإعلاميين على طبق من فضة، وفي هذا السياق يؤكد المؤلف قائلا: “يحصل أن يقول لك وزير مهدداً: “سأتذكر هذا جيداً” وأجيبه نحن نقوم بعملنا”، ورغم هذه التهديدات فإن المؤلف يعترف بأنه لم ينجح أي وزير في إقالته من تقديم نشرة الأخبار الرئيسية مما يعني أن إدارته تحميه دائماً. وفي سياق آخر يشير دافيد بوجاداس إلى أن ساركوزي رئيس نشط، كثير الحركة على الساحة العامة، وأسلوبه يتلخص في سعيه الدؤوب لخلق حدث كل يوم حتى يبقى دائما. وينتقد المذيع النجم القانون الجديد الذي سنّه ساركزي والذي يتم بمقتضاه تعيين المديرين العامين للقنوات التلفزيونية العمومية من رئيس الدولة نفسه وهو الذي يقيلهم إذا أراد وعندما يريد. وإذا كان المؤلف أطنب في الحديث عن استقلاليته، إلا أن بعض النقاد لم يقتنعوا كثيراً بذلك، وضربوا مثالا ببعض الاستجوابات التلفزيونية التي أجراها دافيد بوداجاس للرئيس ساروزي والتي كان في بعض أسئلته له مجاملا. الصورة ويؤكد المذيع التلفزيوني في القناة الثانية الفرنسية أن الصورة التلفزيونية تحمل دائماً رمزاً، وضرب على ذلك مثلاً عن صور السيارات التي يتم حرقها في مظاهرات الشباب المهاجر القاطن بالضواحي، وكانت مثل تلك الصور تظهر على الشاشة مشهد اللهب ومنظر النار وهي تلتهم السيارة، وكانت هذه الصور تبث كل يوم أثناء الاضطرابات التي عرفتها ضواحي المدن الفرنسية، والتي قادها أبناء الجاليات المهاجرة من العرب، وخاصة من دول شمال إفريقيا: تونس والجزائر والمغرب تعبيراً عن غضبهم وثورتهم، وكانت تلك الأحداث أهم أزمة عرفتها فرنسا في الأعوام الأخيرة، ويذكر المؤلف ـ وهو المسؤول الأول عن نشرة الأخبار الرئيسية ـ أنه اتخذ وبقية العاملين معه قرارا بإعطاء الكلمة للسكان والحديث عن الأضرار بأن لا يظهروا أبداً صور السيارات وهي تشتعل، فهذا اللهب البرتقالي اختفى تماما من صور الأخبار، ويعلل المؤلف دافيد بوجاداس هذا القرار بقوله: “لقد اتفق كل علماء الاجتماع على أن مثل تلك الصور تمثل نفوذاً، فمن يقومون بإحراق السيارات يرون في بث صور السيارات وهي تحترق اعترافاً بنفوذهم، وتمنحهم تلك الصور عندما تبث في شريط الأنباء شعورا بالقوة، ثم إن بث مثل تلك الصور له مفعول العدوى لأنها تثير شهية آخرين ليفعلوا مثلما فعل غيرهم في أحياء أخرى، ونفس الأمر تم اتخاذه مع من يتولون تشويه المقابر اليهودية أو الإسلامية من جماعات اليمين المتطرف في فرنسا، فهم عندما يقومون بجريمتهم يقولون: “سيتحدثون عنا في التلفزيون وسيأتون للتصوير”، ولذلك فإن أسرة تحرير نشرة الثامنة في قناة (فرانس 2) قررت أن لا تبث أبدا صور مثل تلك الأحداث، وبذلك كما يقول الكاتب فإنهم كسروا لهم هذه الاستراتيجية الإجرامية وقطعوا عليهم الطريق بمنع بث آثار جريمتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©