الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا تواجه «عودة» النازيين الجدد

14 أغسطس 2012
إلى أن تم اكتشاف سلسلة من جرائم القتل ارتكبتها جماعات النازيين الجدد لم يكن أحد في ألمانيا يولي اهتماماً كبيراً لخطر التطرف اليميني ولا كانت السلطات الأمنية تتعامل معه بالجدية المطلوبة، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة ركزت الأجهزة الأمنية حول العالم طاقتها على مكافحة الإرهاب الإسلاموي. ولكن هذا التركيز على الحركات الأصولية الإسلامية أدى بالسلطات الأمنية إلى إغفال تهديد لا يقل خطورة يتمثل في الحركات اليمينية المتطرفة التي تسمي نفسها النازيين الجدد. فعلى رغم أن المسؤولين الأمنيين واصلوا مراقبة تلك الجماعات المتطرفة، إلا أنهم في الغالب أجمعوا على عدم أهميتها ليستمر هذا المنطق حتى اكتُشف مؤخراً ضلوع جماعة يمينية متطرفة في جرائم قتل استهدفت عشرة أشخاص ظلت مجهولة السبب طيلة السنوات السبع الماضية، علماً بأن تسعة من القتلى من ذوي الأصول المهاجرة. فأثناء التحقيق في تلك الجرائم لم توجه الشرطة أبداً شكوكها إلى جماعات النازيين الجدد، ولم يقيموا الرابط بينها وبين الجرائم إلا بالصدفة بعد فشل عملية السطو المسلح على أحد البنوك، وفي أول رد فعل لها على هذا الاكتشاف عينت ألمانيا في الأسبوع الماضي مديراً جديداً لجهازها الأمني المعادل لمكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، متعهداً بإعادة تقييم أجهزة الاستخبارات الألمانية. والحقيقة أن إقامة التوازن بين مراقبة الحركات الجهادية والخلايا النائمة التي تستهدف مصالح الغرب وبين تعقب الإرهاب الداخلي متمثلاً في الجماعات العنصرية واليمينية المتطرفة ليس بالأمر الهين، ولعل ذلك ما يوضحه الهجوم الأخير في الولايات المتحدة على معبد سيخي من قبل شخص له صلات بجماعات عنصرية تدعي تفوق الجنس الأبيض. وفي هذا السياق يقول "سباستيان إيداثي"، عضو البرلمان الألماني الذي يترأس لجنة التحقيق في إخفاقات الأجهزة الأمنية "في ألمانيا لم تكن الأجهزة الأمنية تهتم كثيراً بتهديد النازيين الجدد، لأن المجتمع انشغل طيلة السنوات العشر الأخيرة بالتشدد الإسلامي، والحال أن هذا ليس هو التهديد الأمني الوحيد، بل هناك خطر الحركات اليمينية العنصرية". يُذكر أن جرائم القتل التي كشفت الصلة بينها وبين الجماعات المتطرفة للنازيين الجدد انطلقت بالتزامن تقريباً مع هجمات 11 سبتمبر 2001 واستمرت الجرائم بعد تركيز السلطات الأمنية على الإرهاب، بل إنه في عام 2006 تم دمج مصلحتين أمنيتين في ألمانيا تتصديان للحركات المتطرفة اليمينية واليسارية لإفساح المجال أمام تخصيص المزيد من الموارد لمواجهة خطر "القاعدة" وباقي الجماعات الإسلامية المتطرفة. وقد بلغ الحد بالسلطات الأمنية الألمانية إلى نفي وجود أي خطر للإرهاب اليميني في تقرير من 437 صفحة صدر في العام الماضي عن المكتب الفيدرالي لحماية الدستور الذي يعادل مكتب التحقيقات الفيدرالي في أميركا. واللافت أن التقرير صدر قبل وقت قصير فقط على اكتشاف ضلوع النازيين الجدد في جرائم القتل التي ظلت مجهولة الفاعل طيلة سنوات مديدة. فعندما شرعت الشرطة في التحقيق قبل سنوات في جرائم القتل المجهولة اعتقد المحققون أن من يقف وراءها هي صراعات بين عصابات تركية تعيش في ألمانيا إلى درجة أن الصحافة سمت تلك الجرائم بـ"عمليات الدونير" نسبة إلى ساندويتش تركي شهير، وكانت إحدى آخر ضحايا عمليات القتل تلك ضابطة شرطة ألمانية، وهي البيضاء الوحيدة بين القتلى، استهدفت في العام 2007 للحصول على سلاحها. ولم تُكشف حقيقة الأمور إلا بعد عثور السلطات الأمنية على مخبأ للأسلحة في جنوب شرق ألمانيا بعد محاولة فاشلة قام بها أحد أعضاء النازيين الجدد للسطو على بنك في شهر نوفمبر الماضي. ويرجع بعض المراقبين هذا الفشل الأمني الذريع إلى غياب الإرادة السياسية، وهو ما يذهب إليه "حاجو فونك"، الأستاذ بالجامعة الحرة في برلين قائلاً "لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية للتصدي للنازيين الجدد، وهو السبب الذي أدى إلى انتعاشهم وانتشارهم في السنوات الأخيرة". ولعل الكشف خلال الصيف الجاري عن إقدام السلطات الأمنية الألمانية على تدمير ملفات مرتبطة بقضية جرائم القتل بعد يوم واحد على اتضاح الصلة بينها وبين النازيين الجدد يعمق الانتقادات الموجهة للسلطات الأمنية ومدى جديتها في إجراء التحقيقات. وعلى رغم تبرير وزير الدفاع الألماني عملية تدمير الملفات بأنها كانت روتينية ولا علاقة لها بقضية جرائم القتل، إلا أنها أدت في النهاية إلى استقالة مدير المكتب الفيدرالي لحماية الدستور. يذكر أن جماعات النازيين الجدد تنتعش بصفة خاصة في ما كان يسمى سابقاً بألمانيا الشرقية حيث تقل الوظائف ويرتفع الشعور المناهض للمهاجرين والأقليات، وليس غريباً أن يحتل حزب مرتبط بالنازيين الجدد هو الحزب الديمقراطي القومي مقعدين في البرلمانات المحلية لولايتين في ألمانيا الشرقية. ويرى الخبراء أن الكشف عن تورط النازيين الجدد في جرائم قتل سيسهم في توعية الأجهزة الأمنية بالخطر الذي تمثله الحركات اليمينية المتطرفة وإجراء المراجعات الضرورية لتطوير تلك الأجهزة، وهو بالفعل ما أكده المدير الجديد لجهاز الاستخبارات، "هانز- جورج ماسين"، الذي تعهد بتحسين عملية التواصل بين الأجهزة الأمنية المختلفة في الولايات الألمانية الستة عشر، وإجراء "مراجعة نقدية شاملة" لعمل هذه الأجهزة. مايكل بيرنباوم برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©