الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن المعادل المسرحي للديمقراطية

25 أغسطس 2011 01:13
إن المسرح ليس واجهة برتوكولية، إنه لا يكفي أن تكون لنا بنايات تسمى المسارح، وأن تكون مشابهة في الشكل الهندسي للمسارح التي في الغرب والشرق، ولا يعقل أن تظل معظم هذه البنايات المسرحية مغلقة طوال السنة، وألا تفتح إلا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح. ولهذا يكون من الضروري أن نعترف جميعنا بأهمية وخطورة هذا المسرح، وأن نعرف بأنه لا يمكن أن يكون نشاطاً موسمياً أو بروتوكولياً عابراً، وأن يكون لهذا الاعتراف - الرسمي والشعبي - ما يترجمه ترجمة مادية محسوسة وملموسة على أرض الواقع. وهذا شيء يجعلنا اليوم أمام واحد من الاحتمالين التاليين: إما أن المسرح في هذه الأوطان لم يقم بدوره الحقيقي في التصحيح والتوضيح وفي قرع أجراس التنبيه، وفي رصد الاختلالات السياسية والاجتماعية، وإما أن القائمين عن الشأن العام في هذه البلدان لم يحسنوا قراءة رسائل هذا المسرح قراءة صحيحة، أو أنهم قد زيفوا أو شوشوا على هذه الرسائل. إن السؤال السياسي هو بالتأكيد سؤال كل المسرح الإنساني، ابتداء من انتيغونة ويوليويس قيصر وماكبث ووصولاً إلى شخصيات بريشت وإلى شخصيات كل الكتاب المعاصرين، وهذا السؤال هو أساساً سؤال المصير، أي مصيرنا نحن في المجتمع، وفي المدينة، وفي الوطن، وفي العالم، وفي الكون، ومن يمكن أني هرب من مواجهة المصير؟ إن دمقرطة المجتمع والمسرح شيء يمكن أن يتحقق - انياً ومستقبلياً - بالسير فقط في الطريق الصحيح، وبوجود خريطة طريق أيضاً، ويمكن أن نوضح بعض معالم هذه الطريق في النقاط الأساسية التالية: - تكافؤ الفرص: في المسرح الاجتماعي وفي المسرح المسرحي معاً، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي لها معادلها المسرحي على خشبات المسارح، والتي تتحقق أساساً انطلاقاً من توزيع الأدوار على الممثلين توزيعاً عادلاً، ونعرف أن أساس حركة الأجساد تكمن في توازنها الفيزيائي والنفسي والذهني أولاً، وعليه فإن نجاح أية مسرحية رهين بأن يكون الممثل المناسب في الدور المناسب، وأن يوجد في الموقف المناسب، وفي الحالة المناسبة، وأن يقول الحوار المناسب، وأن يفعل الفعل المناسب، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن المجتمعات أولاً، وعن الأنظمة ثانياً، ألم يقل العرب قديماً (العدل أساس الملك) ويمكن أن نضيف أيضاً (العدل أساس المسرح). - إشراك المرأة: ومن مظاهر هذا العدل أن يكون للمرأة دور في المسرح، وأن يكون نفس الدور الذي لها في المجتمع، وبغير هذا يكون هذا المسرح كاذباً ومزوراً ومزيفاً للحقيقة، وليس هذا من طبيعة المسرح الحقيقي بكل تأكيد، إن المرأة تمثل نصف المجتمع، تماماً كما تمثل الأسماء المؤنثة نصف الأسماء في اللغات، ولهذا يكون من العبث محاولة اختزال اللغة المسرحية إلى نصفها، واختزال المجتمع إلى نصفه، واختزال الواقع إلى نصفه، واختزال الحقيقة إلى نصفها، ونعرف أن كل الثنائيات في الطبيعة والحياة تتحاور وتتكامل، وبأنه لا معنى للحوار بدون الأنا والأنت، وبدون النحن والآخر، وبدون الذكر والأنثى، وبدون الليل والنهار، وبدون الأسود والأبيض، وبدون الولادة والموت. - تقوية الروح الجماعية: لأن المسرح فعل جماعي، ولأنه أساساً ظاهرة اجتماعية، ففي الشعر يمكن أن يقول الشاعر أنا، ولكنه في المسرح لا وجود إلا لهذه الجماعة التي تلتقي الآن - هنا، حول قضية عامة مشتركة. - تقوية الشعور بالذات: والتأكيد على الهوية، وذلك باعتبارها هوية متعددة ومتحركة ومنفتحة على الهويات الأخرى، وأن يكون ذلك مدخلاً أساسياً للتحرر من التبعية ومن الذيلية ومن الصدوية، ومن عقدة الخواجة المرضية، وأن تنطلق من درجة الثقة الشرعية بالنفس، وألا تصل هذه الثقة إلى حد النرجيسية، أو إلى حد الغرور، وأن يكون لهذا الإيمان حدوده المنطقية والمعقولة، والتي يقف عندها ولا يتجاوزها، وأن يكون مرادفاً لاحترام حرية الأخر، واحترام رأيه وموقفه أيضاً، واحترام حق الجميع في الاجتهاد وفي الخطأ كذلك، والانطلاق من مبدأ أن كل شيء نسبي، وأن الحقائق الكلية والنهائية لا وجود لها إلا في الإيديولوجيات التي أصبحت اليوم في ذمة التاريخ. - تقوية مجتمع المعرفة: إن هذا المواطن المدني، بنزعته الإنسانية، وبحسه الاجتماعي وبحدسه الصوفي، وبأخلاقه الديمقراطية، يحتاج لأن يكون فاهماً وعالماً أيضاً - من غير أن يضيع روح الشعر في نفسه وروحه - وبهذا يكون من الضروري التأكيد على العلم والفكر والفن في المجتمع العربي الآني والمستقبلي، وعلى أن تكون هذه المعرفة شيئاً أكبر وأخطر من أن تكون مجرد شواهد وديبلومات ومجرد إجازات على أوراق مختومة، والتي قد يكون لها دور للحصول على وظيفة، ولكنها في مجال الإبداع الفكري والعلمي والجمالي، قد لا تعني شيئاً. ولأن المسرح حق من حقوق الإنسان الحيوية، فإنه يكون من واجب وزارات الثقافة في العالم العربي أن تعتمد على المسرح المتنقل، لتوصل الفل المسرحي إلى كل المواطنين في المدن الصغرى وفي القرى البعيدة، وأن توصل الكتاب أيضاً، عبر المكتبات والخزانات المتنقلة إلى كل الناس. ونعرف أن المسرح يزداد اتساعاً وعمقاً في المجتمعات العالمة، وأنه دائم التجدد والتغير والتطور في المجتمعات المتغيرة، وأنه - بذلك - لا يمكن أن يموت إلا في المجتمعات الساكنة والجامدة والمحنطة والميتة، ولأن هذا المسرح - في أحد وجوهه - هو معرفة بالذات وبالآخر، فقد كان تطوره مرتبطاً بمدى ازدهار العلوم والفنون والآداب والصنائع في مجتمعاته. إن (المسرح علم مثل كل العلوم، وهو علم يقوم على أساس علوم عديدة، طبيعية وإنسانية، إنه خطاب بالجسد.. الجسد اللغة، وهل يعقل أن نتجاوز بحث ها الجسد المعبر والمعبر عنه؟ هل يعقل ألا نبحث في هذا الجسد، وذلك باعتبار أنه جهاز للتنفس وآخر لصناعة الكلام والحركة والتذكر والإدراك والانفعال والتخيل؟). المسرح يزداد اتساعاً وعمقاً في المجتمعات العالمة دائم التجدد والتغير والتطور في المجتمعات المتغيرة وبالتالي لا يمكن أن يموت إلا في المجتمعات الساكنة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©