الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واجبات أميركية

14 أغسطس 2012
حسناً تفعل إدارة أوباما، طالما أنها أعلنت بدءاً استعداداتها لـ"مرحلة ما بعد الأسد" في سوريا، إذا اهتمت أكثر، وقبل كل شيء، بضبط إسرائيل. فالمحك الاستراتيجي المقبل بالغ الحساسية، لذا تجب مقاربته بحد أقصى من المسؤولية والرؤيوية. ذاك أن الانفلات والتطرف وغرائز العنف التي تسم حكومة إسرائيل كفيلة بإحداث الكثير من التخريب في ما ينجز حالياً من تغيير في الشرق الأوسط، على ما فيه من إيجابيات وسلبيات. ثمة واجبات على واشنطن لابد أن تراعيها ما دامت الدولة الكبرى المهيمنة، خصوصاً أن هذه الحقبة من تاريخ المنطقة تحمل سمات التأسيس في بعض الدول، والتأهب للإصلاح في دول أخرى. لا يكفي الاسترشاد بدروس التجربة الأميركية في العراق، بل تنبغي مراجعة كيف ولماذا اتخذ قرار الذهاب إلى العراق، وأي دور لعبه أزلام إسرائيل في صنع هذا القرار، والقرارات الأخرى التي اتخذت غداة سقوط بغداد وأدّت إلى إسقاط الدولة وكل مؤسساتها. ولا يكفي عدم الذهاب إلى سوريا عذراً للتحلل مما يمكن أن يحدث لاحقاً، بعد انهيار النظام، لأن أي كوارث محتملة هي -منذ الآن- نتائج شبه معلنة لسياسة التردد والتهاون وترك الأوضاع تتفاقم وتتعفن لمجرد انتظار نجاح المساومة بل المساومات مع روسيا والصين، أو لأن إسرائيل "نصحت" بالنأي بالنفس وعدم التدخل للأسباب والأهداف التي تهمها ولا تهمّ الشعب السوري. لكن الواجبات لا تتعلق بما سيكون في سوريا فحسب، بل بمجمل "إدارة" السياسة الأميركية في المنطقة. فأولوية الأولويات يجب أن توليها واشنطن الآن لأمن الخليج وأمن مصر، إذ لن يستقيم استقرار في المنطقة إذا واصلت إسرائيل محاولاتها لإحداث الفتن في مصر، وابتزازاتها في العبث بمسألة ضرب إيران وكأنها الوحيدة المعرّضة للخطر. وإذ تصوّر إسرائيل الجريمة الإرهابية في رفح بأنها جرس إنذار للسلطة المصرية، فإن التحليل المسؤول يفيد بأن إسرائيل تستخدم واقع سيناء وغزة للعبث بأمن مصر، وبالتالي فإن المعالجة الصحيحة والمنطقية لابد أن تبدأ بإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة وإعطائه إمكان العيش الطبيعي بدل الاعتماد على الأنفاق. أما استمرار الحصار وإغلاق الأنفاق والتلاعب ببوابات المعابر فتحاً وإقفالاً فهذا دعوة لمصر كي تكون قوة احتلال أخرى أو مديرة سجن. ورغم انشغال أوبامـا بانتخاباتـه، وانشغـال إدارتـه بتوترات المنطقـة التي تنذر بحرب إقليمية، إلا أنهما أغفلا كما كل الإدارات والرؤساء سابقاً، بل بمستوى أكثر فجاجة، أن هذا التهميش الأميركي للفلسطينيين وقضيتهم وحتى لأوضاعهم المعيشية العادية لا يمكن أن يعكس اهتماماً أصيلاً وصادقاً بطموحات الشعوب العربية، كما دأب الرئيس على القول في كل المناسبات منذ بدء الحراك الشعبي. هذا لا يعني سوى اهتمام لا بأمن إسرائيل بل بأسوأ ما أنتجت عقولها من سياسات ظالمة واستبدادية، فكيف يمكن أن تكون إدارة أوباما ساعية إلى تخليص الشعوب من حكامها الظالمين والفاسدين، وداعمة بل مشجعة قوة الاحتلال الإسرائيلي الفاسدة والمتجبرة على التحكم بالشعب الفلسطيني. إنه الخطأ التاريخي لا ينفك يكرر نفسه من إدارة إلى إدارة، ومن رئيس إلى رئيس، من دون التبصر بأن مثل هذه السياسة باتت الوجه الآخر للظاهرة الكريهة: الإرهاب. بلغ التهوّر في هذه السياسة حد الاصطدام بين الحليفين، الأميركي والإسرائيلي، ما أدى إلى تعطيل الأول ووقوعه تحت رحمة الثاني، إلى حد أن الأوروبيين يقولون اليوم إنهم "يائسون" من أي تحريك لـ"عملية السلام" ما بقي أوباما رئيساً، بل إن الأخير يلوم الرئيس الفلسطيني لأنه "خذله"، ولا يستطيع لوم رئيس الوزراء الإسرائيلـي لأنـه يتصرف كزعيم عصابة قتلة لا كرجل دولة. ومع ذلك، ضُغطت كل الأزرار في واشنطن قبل أيام لمباشرة ماراثون حملة دبلوماسية عابرة للعالم لإقناع كل الدول، ترغيباً وبالأحرى ترهيباً، بعدم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقبول فلسطين دولة "غير عضو" في المنظمة الدولية. لم تشأ إدارة أوباما أن ترى في هذا التحرك خطوة لابد من تأييدها في سياق "مباركتها" للتحولات في العالم العربي. لم تشأ أن ترى فيه عامل توازن مع كل تنازلاتها للمتطرفين الإسرائيليين. لم تشأ أن ترى أن اعتراضه لا يلاقي إطلاقاً تطلعات الشعوب العربية... هذه سياسة خرقاء ثابتة ومتكلسة، وليست فقط حسابات حملة انتخابية. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©