الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

2018.. صدام الافتراضي بالواقعي

27 ديسمبر 2017 22:29
يأتي مستهل كل عام جديد بعدد من التنبؤات، لذا دعني أغامر بطرح أحد هذه التنبؤات، مثل أن كثيراً من أكبر الأحداث في عام 2018 سترتبط معاً بفكرة مشتركة، وهي تحديداً صدام الإنترنت الافتراضي بعالم «اللحم والدم» الواقعي. وهذا الالتقاء من المرجح أن يحرك حياتنا اليومية واقتصادنا وربما حتى حياتنا السياسية بدرجة غير مسبوقة. وعلى سبيل المثال، سيشهد العام المقبل توسعاً كبيراً في «إنترنت الأشياء»، وخاصة أجهزة المنزل والأجهزة الذكية الأخرى الخاضعة لأوامرنا. وكثير من وقتنا مع تكنولوجيا المعلومات نقضيه في كتابة الرسائل النصية و«فيسبوك» واتصالات الرموز والصور ومقاطع الفيديو. والخطوة التالية ستكون التحكم في أبوابنا وأنظمة التدفئة والإضاءة والمواقد والثلاجات والمضي قدماً نحو السيارات التي بلا سائق. والعالم الافتراضي سيسيطر على عملياتنا المادية القديمة بشكل يتزايد مع الزمن. وستصبح عبارة «الواقع المعزز» أقرب إلى الذهن مع ظهور صيغة أرقى من نظارات جوجل. ولكم أن تتخيلوا السير في متجر وأنتم تضعون النظارات المتقدمة تكنولوجياً لتعلموا على الفور صفقات المنتجات وتصنيف جودتها والبضائع التي قد تريدون شراءها، كما يفعل المرء على الإنترنت في موقع أمازون. وهذا النوع من المعلومات المفيدة سيتسرب إلى أماكننا العامة وسيكون بوسع المرء أن ينطق بالأمر، ويحصل على جبنته المفضلة التي يجدها في انتظاره عند خروجه من متجر البقالة، مع خصم بالتأكيد. وهذا الالتقاء سيشكل عالمنا المالي أيضاً. فقد كانت عملة «بتكوين» صيحة جديدة في عالم الإنترنت منذ نشأتها عام 2009 لكنها كانت نوعاً من العالم المغلق، سواء ثقافياً أو فيما يتعلق بتأثيرها على الأسواق المالية الأخرى. لكن في نهاية عام 2017، بدأت تظهر التعاقدات الآجلة لعملة بتكوين في كل من بورصة شيكاغو للخيارات وبورصة شيكاغو التجارية، مما يعني أن «بتكوين» تتقاطع حالياً مع عالم شروط الضمانات على القروض، وشروط الاستثمار في التعاقدات الآجلة.، وربما يظهر فيها تجار عاجزون عن السداد وقيم يمكن التحقق منها علناً لإبرام التعاقدات، وحتى الآن، تبلي هذه العملة بلاء حسنا. لكن مهما يكن من أمر تنبؤات المستقبل، فإن هذا التلاقي بين العالمين الواقعي والافتراضي إما أن يعزز «بتكوين» والأصول المشفرة الأخرى، أو يقضي عليها. وبالنسبة للسياسة الأميركية الخارجية، فهي تسير حتى الآن على امتداد خطين منفصلين للغاية. فهناك نهج يتحرك على أساس عمليات ويستند إلى خبرة مصدرها بعض مستشاري الرئيس دونالد ترامب مثل مستشار الأمن القومي أتش.آر.مكماستر ووزارة الخارجية. ثم هناك ترامب الذي يقوم بسياسة خارجية ذات طابع شخصي وفردي على تويتر بما في ذلك تهديداته لكوريا الشمالية وإهاناته لعدد من الحلفاء. وحتى الآن، تعايشت السياسة الخارجية القائمة على العمليات وتلك القائمة على تويتر معاً، وإن يكن في غير يسر. وأنا أرى 2018 باعتباره عاماً تتضافر فيه هاتان السياستان في العالم الخارجي بطريقة ما. فإما أن ينتهى الحال بتغريدات ترامب إلى توجيه السياسة الخارجية في العالم الواقعي، وتتحقق مادياً في صورة «جنود على الأرض» أو تسود سياسة العالم الواقعي، وتصبح تغريدات تويتر أقل أهمية. وبالنسبة للصراعات، ستتصاعد الحروب الرقمية إلى مرحلة يُنظر فيها إليها باعتبارها عملاً عدوانياً مادياً يُقارن بقصف المدنيين، وليس شيئاً قائماً في مجاله الخاص. لكن المزيد من التقدم في الجانب التكنولوجي يثير المتاعب مثل استخدام الذكاء الصناعي في مراقبة الوجوه في الصين، وتحديد التقييم الائتماني الاجتماعي في الصين وفقاً لمخاطر الائتمان وولاء المواطنين للنظام الحاكم. وأتوقع أن تتبنى أنظمة استبدادية أخرى كثيرة تكنولوجيات مشابهة، ومن ثم سيعني «التحكم في المعلومات التحكم في الناس» بشكل يتزايد مع الزمن. ومن ملامح الإنترنت التي لم تحظ بمناقشة كافية حتى الآن، دور الإنترنت باعتباره «إضافة» في الشؤون البشرية. فاستخدام الإنترنت يأتي بفوائد إضافية. وحتى إذا لم يرد المرء استخدام الإنترنت، فإنه يستطيع إنجاز معظم الأمور في العالم المادي على الأقل، بالاعتماد على أشخاص آخرين يستخدمون الإنترنت لصالحه. ولذا يستطيع الناس المشاركة في الإنترنت بدرجات متفاوتة، بينما يظلون يتقاطعون بشكل واسع النطاق في المؤسسات العامة المشتركة ذاتها. ويستطيع المرء، حتى دون بريد إلكتروني، التصويت في الانتخابات وشراء مواد البقالة وقيادة سيارته وإرسال الأطفال إلى المدرسة. لكن احتمال الابتعاد عن استخدام الإنترنت يتقلص بسرعة. والجانب المشرق، وهو مشرق للغاية في الحقيقة، هو أن التكامل بين المادي والافتراضي سينشر مكاسب في الإنتاجية على امتداد الاقتصاد الأميركي، والجانب السلبي هو أن المهارة في العالم الافتراضي ستحدد النجاح المالي للشخص ومدى تمتعه بالحياة بشكل متزايد على حساب من يقفون في الجانب الذي يتقلص من التقسيم الرقمي. *أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©