الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تحذيرات للصحفيين: الروبوتات قادمون.. فماذا أنتم فاعلون؟!

تحذيرات للصحفيين: الروبوتات قادمون.. فماذا أنتم فاعلون؟!
27 ديسمبر 2017 22:57
أحمد مصطفى العملة قبل أيام تحسر الكاتب الكبير سمير عطاالله في عموده الشهير بصحيفة الشرق الأوسط على حال عمال طردتهم الروبوتات من وظائفهم، وصارت «تقطف الزيتون والعنب، وتصنع الأحذية، والأجبان، وتقود السيارات» بدلاً منهم. كان عطاالله يأسى لمصير أولئك الذي ضاع هباء كفاح كارل ماركس لأجلهم، بسبب «الروبوت».. لكن الآن، ويا للمفارقة، يتهدد المصير ذاته زملاء الصحفي البارز.. فالروبوتات تزاحم الصحفيين حالياً، وتكتب قصصاً خبرية، يمكن نشرها قرب عموده بالصفحة الأخيرة في الجريدة اللندنية. ليس في الأمر مبالغة أو خيال جامح.. فقبل أيام ظهرت بالصحف البريطانية قصص كتبها «روبوت»، في خطوة تجريبية غير مسبوقة. والفضل هنا لمشروع رائد اسمه «رادار»، وهو خدمة إخبارية آلية أطلقتها وكالة «ذي برس أسوسيشن» ومؤسسة «أوربس ميديا». يعتمد المشروع الذي تدعمه «جوجل» على برنامج متطور يعرف باسم «Natural Language Generation»، صار موضة الآن في عالم التكنولوجيا. يستطيع هذا النوع من الذكاء الاصطناعي «NLG» تحويل البيانات الرسمية الصادرة عن الشركات والهيئات والوزارات .. إلخ، بما فيها من أرقام وبيانات معقدة، إلى تقارير خبرية مقروءة. يستهدف «رادار» كتابة 30 ألف قصة محلية شهرياً، (نعم.. 30 ألف قصة شهرياً)، بحسب موقع «برس جازيت» البريطاني. وتقول «برس اسوسيشن»، إن البرنامج تم إعداده ليجمع مادته من المصادر المفتوحة في الفضاء الإلكتروني، ثم يقوم بكتابة تقارير، تصلح للنشر في أقسام الرياضة أو الجريمة أو الصحة أو التوظيف، وفق نماذج سبق أن أعدها صحفيون بشريون. الأكثر إغراء في هذه التكنولوجيا الجديدة، قدرتها الفائقة على إعداد تقارير خبرية بكميات هائلة وبدقة وبسرعة مذهلة (2000 قصة في الثانية) يعجز عنها المحررون العاديون. ولتوضيح الصورة أكثر يمكن شرح التجربة التي جرت قبل أيام على النحو التالي: أصدرت السلطات الرسمية تقريراً بشأن مؤشرات تسجيل المواليد في عموم بريطانيا. وتركز التقرير حول عدد المواليد الذين تم تسجيلهم بوساطة أزواج أو شركاء في السكن أو أباء وأمهات يعيشون منفصلين. فماذا فعل «NLG»?! .. أعد البرنامج، «قبل أن تقوم من مقامك»، عشرات القصص، لتناسب النشر في الصحف المحلية. وكانت كل نسخة بعنوان ومضمون يخص سكان المدينة التي تصدر فيها الجريدة المشتركة في خدمات «رادار». الأمر نفسه تكرر مع ثلاثة تقارير أخرى تتعلق بعدد العمليات الجراحية الملغاة خلال العام، ومعدلات تأخر المواصلات العامة، ومستويات معيشة الأطفال. وقد نشرت 20 صحيفة يومية وأسبوعية مطبوعة وإلكترونية القصص التي أعدها المشروع الرائد. وقال جاري روجرز رئيس التحرير في أوربس ميديا، «نعتقد أن هذه أول قصص إخبارية محلية يتم إعدادها بصورة آلية ونشرها في صحف معروفة». لكن في الواقع، الأمر ليس جديداً تماماً، فهناك تجارب سابقة خاضتها صحف بارزة بينها، مثل الجارديان ولوس أنجلوس تايمز التي قامت بتغطية زلزال لوس أنجلوس عام 2014 عبر برنامج «كواكبوت»، والواشنطن بوست التي استخدمت روبوت اسمه Heliograf، كتب لها 850 تقريراً عام 2016 وساهم في تغطية «أولمبياد ريو»، وانتخابات 2016. والتجربة الأبرز، هي ما قامت به وكالة اسوشيتدبرس التي تعتمد منذ عامين على صحفي روبوت فائق الذكاء والأداء اسمه «ووردسميث»، وذلك بالتعاون مع شركة «أوتوميتد إنسايتس». تقول الوكالة، إن وورد سميث هذا يقوم بتحويل البيانات الخام الخاصة بتقارير الشركات الربع سنوية، مثلاً، إلى آلاف (نعم الآف) القصص الخبرية، ما يمكن الوكالة من معالجة تقارير الأداء الخاصة بمئات الشركات، بدلاً من عدد لم يكن يتعدى 300. وقبل ظهور «ووردسميث» كانت تقارير أداء الشركات المدرجة في البورصات العالمية، مشكلة كبيرة لمحرري الوكالة. فقد كان يتعين عليهم إعداد تقارير خبرية من واقع الأرقام المعلنة، لكن كانت هناك مشكلتان.. الأولى هي أن الوكالة كانت تترك آلاف الشركات الأخرى من دون أن تتمكن من كتابة أي تقارير خبرية عن نتائجها. والمشكلة الثانية، أن التقارير الـ 300 التي كان يتم كتابتها كل 3 أشهر، كانت تستهلك تماماً الصحفيين. ويقول كيفين روس الصحفي بمجلة نيوزيوك، إن ملخصات تقارير أداء الشركات «كانت مهمة صباحية مزرية يغرق خلالها الصحفي في أكوام من أرقام البيانات الصحفية، ليلتقطها، ثم يملأ بها فراغات في تقارير معدة مسبقاً، لينشرها على وجه السرعة، حتى يعرف المتعاملون في البورصات هل يشترون أسهم هذه الشركات أم يبيعونها»، من ثم كان على اسوشيتدبرس البحث عن حل. وقد كان «ووردسميث» من إنتاج شركة «أوتوميتد انسايتس» هو الحل السحري. ويستخدم وورد سميث أيضاً برنامج الذكاء الاصطناعي «NLG» لتحويل البيانات الخام إلى قصص خبرية مقروءة في جزء من الثانية. وقد نجح فريق اسوشيتدبرس بالتعاون مع «أوتوميتد انسايتس» في تعديل برمجة «NLG» حتى يمكنه الكتابة بالأسلوب المميز للوكالة. وبالتالي، صار بإمكان أسوشيتدبرس أن تنتج 4400 قصة خبرية عن تقارير الأداء الخاصة بالشركات كل ثلاثة أشهر، وهو ما يمثل 12 مرة ضعف ما كان محررو الوكالة يكتبونه. علما بأن قصص الروبوت الصحفي تأتي عادة على درجة عالية من الجودة والدقة، تماما مثلما يتوقع القارئ من أي محرر في الوكالة. ومن دون إشارة في ذيل كل واحدة من تلك القصص لم يكن القراء ليعرفوا أنه تمت كتابتها بوساطة برنامج ذكاء اصطناعي متطور. وبالطبع يثير هذه التوجه الآخذ في التصاعد، المخاوف من أن يؤدي لاحقاً للاستغناء عن خدمات الصحفيين. يستبعد ذلك موقع «ذي فيرج» المعني بقضايا الميديا والتقنية ، ويقول في أحد تقاريره، إن الذكاء الاصطناعي لن يأخذ وظائف الصحفيين الآن ولا مستقبلاً، بل على العكس «سيمنحهم فرصة أكبر للتفكير الخلاق في قضايا أكبر».. الأمر نفسه تؤكده اسوشيتدبرس بقولها إن اعتمادها على «وورد سميث» مكنها من تفريغ عدد من الصحفيين بدوام كامل للقيام بمهام صحفية أخرى. فهل يصح الأمر نفسه بالنسبة للصحافة العربية؟! .. على الأرجح نعم. فالروبوتات الذكية قد لا تهدد مستقبل الصحفيين العرب في المستقبل المنظور، لكن لأسباب أخرى يمكن تفهمها بالإشارة إلى أن ثمة ضرورات اقتضت ظهور هذه التقنيات في الصحافة الغربية. تتعلق هذه الضرورات أساسا بمبادئ الشفافية (من جانب مختلف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الناشطة في المجتمعات الغربية) وقدسية الأرقام كمعيار موضوعي لقياس الحقائق، والتزام الإعلام بمسؤولية تنوير القراء وتزويدهم بما يحتاجونه من معلومات موثوق بها. إذن متى يمكن أن تهدد هذه الروبوتات الصحفيين العرب؟! .. عندما يتم الحد من الإفراط في استخدام ظروف الزمان والمكان من نوع «بعد» و«قبل» و«نحو» بدلاً من استخدام بيانات محددة، ويصبح للأرقام غير (الـ 99 ?) قدسية واحترام. حينها يمكن لأستاذنا سمير عطاالله أن يشعر بالقلق على مستقبل زملائه الصحفيين من أن يلقوا مصير العمال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©