الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسن عبدالفتاح: لا تستهجنوا الحداثة

حسن عبدالفتاح: لا تستهجنوا الحداثة
10 سبتمبر 2014 21:50
* إحساس الفرح بالواقع ظهر على مسطحي التصويري في جماليات الشكل والخط من دون قصد * الفنان المصري توقف عن الإبداع 950 سنة بسبب الاحتلال الروماني وعاد مع دخول الإسلام * الفردية سمة الإبداع في مصر والمبدعون غير مترابطين مع بعضهم لغياب المنهج الشامل ----- إذا كان الفن الحديث تعبيراً عن رفض الامتثالية، وعن استقلال الفرد، وتأكيداً لحقه في أن يبدع الواقع بدلاً من أن يحاكيه، لا يعود ثمة داعٍ إلى معيار للجمال يقيسه بالواقع الخارجي، هذا الواقع المشكوك في ثباته بالأساس، فهو متغير تابع للتطور التاريخي للإنسان وللعلم والتكنولوجيا، وللعلاقات الاجتماعية، فيكون بذلك تابعاً للنشاط الإنساني. ------ عن الحداثة في الفن كرؤية للواقع مواكبة للتقدم العلمي (كما يراها "هافتمان")، وعن العلاقة بين الفنان والواقع في عصرنا الحديث، وما يحدثه من "عملية" الفن، وتقليل أدائه التعبيري، كما دار الكلام قبلاً حول اللوحة ذات السياق الأدبي. . يقول الفنان حسن عبد الفتاح العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة بالأقصر: "الفن هو كائن مستقل يمكن أن يوازي الواقع المرئي، حيث لا يكون نقلاً عن الواقع أو له، إنما هو واقع مستقل وخاص جداً، فإذا كانت أدواتنا في العمل الفني هي اللون والفرشاة، فإننا نجد أن التعامل مع السطح التصويري من خلال فنان مثل بيكاسو –وهو أحد من عرفنا عنه الحداثة في القرن الماضي غير براك ودالي وماكس إرنست– يتحرك بين رسم في بعض الأجزاء ولصق لورق الجرائد في أجزاء أخرى، ومن هذه العناصر غير التقليدية الخاصة بفن موضوعي مثل التصوير نجد أن وجهة النظر الحداثية عند "بيكاسو" أنه عندما نضع عناصر من الواقع وننقلها من هذا الواقع لتوضع على رقعة التصوير فهو بذلك يحدث حواراً بين الواقع الحقيقي والواقع الإبداعي، مُشكلاً صدمة البث المباغت للمشاهد، أو أنه يسعى إلى الجديد في فن التصوير، وهذه أول –بالنسبة لنا في مصر– إشارة للحوار بين الواقع والإبداع؛ وإن كان هذا الواقع المُتخيل والمُتمثل في ورق الجرائد والعلب والزجاجات يتم اختياره من عناصر تتناسب مع العنصر التكويني". ويضيف عبد الفتاح: "كان في مصر في ذلك الحين –الستينيات– فنانون مثل رمسيس يونان وفؤاد كامل يمثلون لنا كأكاديميين شيئاً غريباً وغير مألوف، حيث كنا نخضع في دراستنا للمنهج الأوروبي الأكاديمي الواقعي، في حين ظهرت مظاهر التجديد عند أساتذة التجديد في الكلية (عبد الهادى الجزار وحامد ندا بعد أن عادا من بعثتيهما؛ الأول من فرنسا والثاني من إسبانيا) في التعمق داخل الحياة المصرية الشعبية الخاصة بأحياء القاهرة القديمة من الزار والسحر، والحياة الاجتماعية الأولية الشكل". رؤية إبداعية ويتابع عبد الفتاح: "بالنسبة لي هناك عناصر تتجمع في اللوحة أوظفها حسب رؤيتي الإبداعية، وهي إن كانت متفردة، فلها واقع خاص وقائمة أيضاً على الدراسة التي بدأت من قبل داخل الكلية مثل رسم الأشخاص والطبيعة الصامتة، أما عملية الإحساس بالواقع وبشدة أيضاً، أو إحساس الفرح بالواقع خاصة عندي فقد ظهر على مسطحي التصويري في جماليات الشكل، وجماليات الخط تحديداً -ومن دون قصد- فكنت أرسم الأسواق والأماكن الشعبية وكلها رسوم ذات إسقاط فوري أستخدم فيها كل أنواع الخط، بالقلم الرصاص أو بالحبر الشيني، وهذه الخطوط تساعد في الأداء وتُرضي الإحساس بالواقع، وقد استمر هذا الأداء في الدراسة، رغم أني لم أكن أبداً كلاسيكياً في تصويري للمرئيات، في حين كان الفنانان صبري منصور ورياض سعيد كلاسيكيين بشكل واضح، أما فنان مثل نزير نبعة أستاذ التصوير في سوريا، ومصطفى الفقي المصري، فلم يستطيعا الالتزام بالواقع الكلاسيكي الأكاديمي، وربما هذا يحتاج لتركيبة خاصة". ويرى عبد الفتاح أن اجتماع هذا الكلاسيكي وذاك غير الكلاسيكي "أحدث توازناً وحواراً غنياً بين أفراد الدفعة – 1964 – مثل الاهتمام باللمسة واللون والرسم الصحيح، خاصة نحن كأصحاب اتجاه غير أكاديمي، وأدى هذا الاتجاه إلى استيعاب وتجاوب كبير لمنتجات فنية لفنانين مثل: فان جوخ وبول جوجان ويراكش وماتيس، وقد اتضح ذلك بصورة أكثر وضوحاً بعيداً عن منهج الدراسة الأولية غير المضاف إليه رؤية الفنان المتفرد، وقد وجدت ذلك في القاهرة القديمة بعمارتها العربية ومحتواها، والعمارة العربية بالتحديد عبارة عن عمل فني مركب يحتوى كل القيم الفنية، ويحمل هذا التضافر بين العمارة والنحت والتصوير في مكان ضخم يعطي رهبة تُقلص من حجم الإنسان في ضوء غير مباشر لا يساعد في إدراك طبيعة العنصر المرئي للتعرف على حقيقته، كما في التصوير الأكاديمي، للوصول بالعنصر المرئي كنقل عن الواقع في أقصى حالات المرئي المثالية كمرحلة تعليمية يتضح الاستفادة منها بعد ذلك في الرؤية الإبداعية للفنان". الفن في مصر ويربط عبد الفتاح بين استحداث الرسم على قماش التصوير لدى الفنان المصري والتخلي عن الجدار كمسطح تصويري، وبين الحملة الفرنسية، موضحاً أن هدف الحملة الفرنسية بالتحديد يأخذ شكلاً تسجيلياً للفرنسيين أنفسهم كواقع جديد، وأن الشرق لا يزال بالنسبة للأوروبيين يحمل سحراً صامتاً، مغرياً للفنانين بأشكاله المختلفة. . مما أظهر دوراً كبيراً في الحركة الفنية في مصر خاصة في مجال التصوير حيث أثار اقتراب المصريين ذوي الاستعداد الفني من الفرنسيين حمية فعل عمل مماثل –تسجيلي بطريقة أكاديمية– فلم يكن هدف الحملة الفرنسية غزواً فنياً وفكرياً قدر ما هو اكتشاف لمكان جديد وتسجيله، مثل ما حدث مع علماء الآثار في المناطق الأثرية كبحث علمي ليس هدفه الغزو العسكري من قبل عسكر نابليون". كان التصوير في هذه الفترة (المسافة بين فترة المماليك المواكبة لهذه الفترة والغزو الغربي لمصر) داخل القصور، وفق ما يشير إليه عبد الفتاح، وكان عبارة عن شكل معماري للشرق العربي، وبذلك كان الفن يركز على العناصر الحياتية من مقاعد وسرائر ونافورات وأرضيات وزخارف سقفية، وعلى الجدران أيضاً، وهذه الزخارف مستلهمة من وحدات نباتية عضوية أو هندسية تتبع لحركة الفن الإسلامي، هكذا كان حال الفن حين رفض الفنان الشكل الفني الذاتي لينتقل من الذاتية إلى العناصر المتخذة من الواقع بتصرف، من العناصر النباتية المحورة أو الابتكار العقلي خاصة في الأشكال الهندسية والبراعة في تركيبها إضافة إلى أنواع الخط العربي، وقبلاً هناك الزخارف الموجودة بالمساجد التي استخدمت الرخام الملون ورسوماً للشمس من أعلى داخل عناصر هندسية في تعاشيق الموزايك أو الخزف". أما من الجهة التاريخية، يواصل عبد الفتاح، فنجد أن العمارة في العصور القديمة –الفرعونية تحديداً– كانت تتضمن تصاوير جدارية وأخرى على ورق البردي، وفي الوقت ذاته –العصر الفرعوني– بعد عصر اخناتون ومدرسة تل العمارنة لم يُرسم الحائط فقط. . وإنما رُسمت الأرضية، وتغيرت مفاهيم القائمين على الفن، ثم تلا ذلك العصر أحداث بسبب التطرف الديني بين كهنة أمون وأتون أحدثت اختلالاً أكده الاحتلال اليوناني الروماني لمدة 950 سنة، أصبح المصري خلالها مواطناً من الدرجات الدنيا في الترتيب الطبقي للمجتمع الكائن على أرضه، فكان من المستبعد أن يقوم بأي عمل إبداعي أو إداري. . وبذلك توقف الفنان المصري عن الإبداع على مدى 950 سنة لم تنته إلا بدخول الدين الإسلامي إلى مصر لمساعدة المصريين الذين دخلوا في الديانة المسيحية، وبذلك بدأ الأساس الفني المتمثل في بناء الجوامع، مما جعل الفنان المصري يمارس حقه كإنسان متحضر يعطي في مجاله الإبداعي". ويظهر عبد الفتاح عدم اقتناعه بما يقوله بعض الفنان عن كون الضوء عنصراً من عناصر العمل الفني تعبر عن المضمون، ويلفت إلى أن دور الضوء هو "إظهار العناصر وإعطاء حالة نفسية خاصة كما في الضوء الخافت داخل الجوامع والكنائس، وأن الضوء بشكل خاص في أعماله الفنية يتوزع على أماكن كثيرة حسب اختياره له كفنان. . كما أنه مساحة لونية تخضع درجتها للانسجام والتجانس، الذي يسود العمل الفني بشكل عام، فالفنان يجب عليه أن يتعامل مع كل عناصر العمل الفني بنفس القدر من الاهتمام، حيث إن الضوء أحادي يمثل جزءاً مدرسياً أكاديمياً فقط". من دون استهجان ويؤكد أن كل مُنتج أو كل ما يظهر في مجال فن التصوير من وجود لأشكال جديدة مثل الفن التركيبي -أو عناصر البارز والغائر على المسطح التصويري– يجب أن يؤخذ بصفة اعتبارية من دون استهجان، ولكن ليس على حساب مساحة الرؤية والبث البصري للفن الأكاديمي التصويري دائماً، مع فهم دوافع وجود هذه الأعمال في المرحلة الانتقالية الراهنة، حيث لا يمكن حصر التوقعات المستقبلية في استخدام عناصر ورموز فنية جديدة، فتاريخ الفن يبين أن الفن ليس نتاجاً فقط للحياة الواقعية كما تنعكس في مرآة الفنان الفرد، وإنما هو نتاج أيضاً لتلك القوالب الجمالية التي انعكست بها ظواهر مماثلة من الحياة الواقعية في مراحل سابقة من تطور الفن، وهي ظواهر تنعكس في مخيلة الفنان المتفرد، فالفن الحقيقي يكون دائماً اكتشافاً لشيء جديد. ولدى سؤال عبد الفتاح عن الكيفية أو السبيل التي يمكن من خلالها أن يصبح الفن جماهيرياً، يرد قائلاً: "مثل هذا السؤال لا يمكن أن يُسأل في مناطق مثل أمريكا أو أوروبا، فنحن نسأل هذا السؤال في مصر ونريد الإجابة عنه أيضاً؟. . لفردية كل مجالات الإبداع في مصر، فالمبدعون في الآداب أو الفلسفة بعيدون وغير مترابطين مع نظرائهم في العلم لعدم وجود المنهج الشامل كمناخ يستقر على الإبداع المشترك، فالفن لا يخص طبقة بذاتها وإنما هو لكل طبقات المجتمع". ولذلك، يرى أن يكون هناك مادة للإبداع الفني وليس الرسم، تُطبق على المدارس والجامعات، ويتم التدريس فيها بوسائل الإيضاح الجديدة التي تؤثر في تحضير الذهنية الإبداعية لدى الطالب مثل استخدام الفيديو بروجكتور، والسينما، والتلفزيون، إضافة إلى زيارات المتاحف والسلوك الخاص في زيارتهم أو أثناء عرض مادة التذوق الفني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©