الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عريس على عجل

عريس على عجل
25 أغسطس 2011 23:17
جن جنون أمي وكادت تفقد عقلها، لا تنام الليل، ولا حديث لها في كل وقت وحين وكلما أمست أو أصبحت إلا في موضوع زواجي الذي ترى أنه تأخر كثيراً، وهي تضرب الأمثال بالأخريات اللاتي تزوجن رغم أنهن أكبر مني بكثير، الجديد في الأمر أنني الآن انتهيت من دراستي الجامعية وكأن تخرجي في الجامعة مرتبط بمسألة الزواج أو يجب أن يكون هو التاريخ المحدد لخطبتي، واستطاعت أمي أن تنقل توترها إلى الأسرة كلها، وبالغت في تصرفاتها التي خرجت عن المألوف لأنها حولتني إلى سلعة معروضة للبيع وبأي ثمن، لأنها كانت تطلب من كل أقاربنا أن يُشاركوا في البحث عن عريس عاجل، وتعرضت هي نفسها للانتقاد بسبب هذا الأسلوب غير المألوف، وربما غير المبرر لأن الغالبية العظمى من زميلاتي وصديقاتي وقريباتي وممن هن أكبر مني بسنوات لم يتزوجن بعد. وزادت أمي بأن طالبتني بأن أخلع الحجاب لكي يظهر جمالي ويراه الشباب فيتقدمون لخطبتي، ثم لا مانع من أن أعود وأرتديه مرة أخرى بعد الزواج، والمبرر أن جارتنا لديها ثلاث بنات منهن واحدة تصغرني بأربعة أعوام، وقد تزوجن جميعاً مبكراً لأنهن متبرجات رغم أنهن أقل مني جمالاً، وأنا مشهود لي من كل من يراني بأنني جميلة وخفيفة الظل وأنيقة أياً كانت الملابس التي أرتديها، إذ تبدو أفضل من الماركات العالمية الفاخرة، ويبدو لأول وهلة أن كلام أمي صحيح، ولكن الحقيقة أنه ليس كذلك فلم يكن الحجاب أبداً عائقاً أمام زواج أي فتاة، بل إن معظم الشباب يفضلون الفتيات الملتزمات عند الزواج لأنهم يعيشون في شكوك في حياتهم لكثرة تجاربهم، وكادت أمي تفرض رأيها لولا المعارضة الشديدة مني ومن أبي والرفض التام لتلك الفكرة الخاطئة. ومما جعل أمي تتراجع عن أفكارها أن الابنة الكبرى لجارتنا عادت إلى بيت أمها مطلقة، ولم يضمن لها تبرجها وتجملها النجاح في حياتها الزوجية، بل إن تصرفاتها هذه كانت السبب في طلاقها لأنها كانت تبالغ في التزين وتعيش معظم وقتها أمام المرآة ولا تهتم ببيتها وزوجها، علاوة على مبالغتها في المطالب من زوجها واهتمامها بالخروج والسهر، فكانت أسباب زواجها هي نفسها أسباب طلاقها، لكن مع ذلك استمرت أمي في البحث عن عريس بنفس لهفتها وتعجلها. أنا لست انطوائية، ولكني أضع حدوداً ومحاذير في التعامل مع الرجال لأنني من أسرة محافظة ونشأت وتربيت على الأصول والالتزام بالأخلاق والعادات والتقاليد، كما أنني خجولة ولا أسمح لنفسي بأن أكون مثل بعض الفتيات المستهترات، وعندما التحقت بالعمل في مؤسسة كبرى معروفة وفي وظيفة جيدة كانت تعاملاتي مع زملائي محدودة، واعتبرني بعضهم غير طبيعية أو معقدة، بينما رأى آخرون أنني نموذج للفتاة الملتزمة ويجب أن تكون كل البنات مثلي، وقد أسعدني ذلك بالفعل وجعلني أتمسك بموقفي وأنني على حق وعلى الطريق الصحيح، ولم أكن قلقة بسبب عدم خطبتي، فما زالت بيني وبين العنوسة سنوات طوال، وإن كنت مثل كل فتاة أحلم بالفستان الأبيض وفارس الأحلام. ونجحت جهود أمي في العثور على عريس، رشحه لي أحد أقاربنا كان زميله في الدراسة، وحسب المواصفات الأولية قبل اللقاء الأول بيننا، قالوا إنه طبيب ولديه شقة ويقيم بمفرده بعد وفاة أبيه وأمه وزواج شقيقته، والمعلومات مغرية ولا يمكن أن ترفضها أي فتاة عاقلة، خاصة إذا كانت غير مرتبطة، لذلك لم أبد أي تحفظ أو ملاحظات وبلا تردد وافقت والقرار النهائي بعد أن نلتقي فلم يبق إلا التعرف على شخصيته وأخلاقياته. تم تحديد موعد ليزورنا ويتناول عندنا الغداء حسب عاداتنا، وأقل ما يمكن أن أصف انطباعي الأول عنه بأنني صدمت وصعقت، للوهلة الأولى اكتشفت أنه يكبرني بخمسة عشر عاماً وأصلع وقصير، لا علاقة له بالهندام ولا يهتم بملبسه ولا يمشط شعره، ولديه كرش ضخم، وقد لاحظ الجميع انطباعي عندما توقفت فجأة من هول ما رأيت وكدت أصرخ لولا أنني تماسكت وتداركت الموقف بسرعة فائقة ووضعت المشروبات التي كانت بين يدي وخرجت وهم يعتقدون أنه حياء الأنثى، ومع ذلك حاولت أمي أن تغالط وتقنعني بقبوله وهي تعدد مميزاته وتتغاضى عن كل ما ذكرت من ملاحظات حتى وان أردنا أن نسميها كذلك ولا نقول إنها عيوب، ولم يكن ذلك رأيي وحدي وإنما رأي إخوتي وأخواتي الذين اتفقوا معي، أما أبي فلم يفتح الموضوع بعد هذا اللقاء للنقاش واكتفى بأن يمط شفتيه ويستمع للآراء حتى لا يبدو أنه يفرض عليَّ قراره، وان كان رأيه ظاهراً. كانت أمي مثل مقاتل خسر الحرب كلها، وان كانت تحاول أن تقنع نفسها أنها خسرت معركة فقط وما زالت أمامها فرصة لمعاودة الكرة بعد إعادة ترتيب أوراقها، وهي تتحسر على الفرصة الضائعة، والغريب أنها ما زالت تعتبرها فرصة ضائعة، وأحياناً تعود لتفاتحني محاولة إقناعي بإعادة النظر وألمح في عينيها قلقاً ظاهراً كأنه آخر رجل في الدنيا. لم يمر سوى شهرين حتى جاءوني بعريس آخر، كان أيضاً قادماً من المجهول لا يعرفه أحد منا وإنما تم ترشيحه أيضاً من أقارب لنا، كان شاباً يقاربني في العمر، لكنه نحيف يكاد يسقط من ملابسه، في أول مشوار حياته الوظيفية لا يملك شقة ولا أموالاً ويأمل أن نحقق ذلك معاً من خلال اعتمادنا على أنفسنا ويرى أن الكفاح هو أهم أسس الحياة الزوجية، يؤمن مثل كل الفقراء بأن المتعة في التعب والكد والاجتهاد، يعيش على الشعارات ويتغذى على الحكم والأمثال، ولا أرفض العمل والكفاح، بل أشجعها، ولكن مع الواقعية والحياة على الأرض لا التحليق في الفضاء مع الأحلام الوردية، ومع ذلك وافقت عليه، إرضاء لأمي ولأنه قد يكون مناسباً إلى حد ما ولا مانع من أن نبدأ معاً من الصفر، وخاصة أن كلاً منا في مستوى اجتماعي متوسط أو أقل من المتوسط. طارت أمي فرحاً بهذا الإنجاز التاريخي الكبير وغير المسبوق في حياتها، وبدأت تضع الخطط لإعداد الجهاز وتكلفة الأثاث، وكعادة أمي في المبالغة في كل شيء فإنها أثقلت على أبي في الإنفاق على استعدادات زواجي ولم تراع إمكاناته المحدودة، وأنا أشعر بمعاناته وهو يحاول أن يرضيني ويحقق كل ما تطلبه أمي رغم أنني لم أحدد أي مطلب ولا أعرف ما هي مطالب الزواج، لكن أمي تجاوزت الحدود وهي تضع قوائم طويلة من الأشياء التي يجب أن تتحملها العروس وكأنها من أهل العريس وتريد أن تخفف عنه، وهي تريد أن تتباهى بأنها «حماة» غير عادية وفي غاية الجود والكرم حتى لو كان ذلك على حساب الأسرة وظروفها. بدأنا بشراء الشبكة الذهبية لإعلان الخطبة رسمياً وفوجئت بأن أبي هو الآخر يبالغ في شراء كمية كبيرة من الذهب تفوق ما اشتراه العريس، شعرت بأنه يريد أن يسعدني حتى وإن كان ذلك فوق قدرته المادية. على الجانب الآخر ما زالت علاقتي بخطيبي عند نقطة الصفر، لم تتقدم قيد أنملة، لا توجد أي نقاط اتفاق، أراه سلبياً في كل شيء، أحياناً أستشعر بأنه سيق سوقاً إلى هذه الزيجة، رغم أنه جاء بقدمية وبكامل حريته، وهو محظوظ لأنه سيصاهر أسرتنا وسيرتبط بي، لكن هوة الخلاف بيننا جعلتني أشعر بالقلق على مستقبل علاقتنا، وأتوقف كثيراً وأتساءل إن كان سيكتب لها النجاح وعمّا إذا كانت فيه بعض صفات من فارس أحلامي، وحتى الآن وبعد مرور عدة أشهر لست مطمئنة لما هو آت، ولكن لم يخرج ذلك من داخلي ولم أبح به لأي شخص. انقطع خطيبي عن زيارتنا وتوقفت اتصالاته تماماً بلا سبب وبلا مقدمات، ومن الطبيعي بعد مرور شهر من القطيعة أن نسأل عنه وتبين أنه بخير ولا يوجد أي مانع من زيارتنا، ووعد بأنه سيأتي قريباً، ولكن لم يف بوعده وهذه المرة لم يكن من المناسب أن نجري وراءه، خاصة ونحن لا نعرف ماذا حدث ولماذا هذه المقاطعة، غير أننا استشعرنا أن في الأمر شيئاً وفي انتظار أن يبوح به، لكن بعدما طال انتظارنا أصبح من الضروري الاتصال به ولم يرد على هواتفنا، وأخيراً جاء الخبر اليقين، بأنه يرغب في فسخ الخطبة. الخبر نفسه مزعج بالنسبة لنا جميعا رغم أنني لست راغبة فيه ولم أنسجم معه ولم تلتق أفكارنا، لكن من أقل الخسائر بالنسبة لي أنني سأصبح مخطوبة سابقة وهذا يقلل من رصيدي وفرصي الجيدة في الزواج، وربما يجعل من يتقدم لي لا يمطرني بعشرات الأسئلة عن سبب فسخ خطبتي، وقد تسول له نفسه أن يظن بي الظنون ويتوهم أسباباً لا علاقة لها بالواقع، أما أمي فقد كادت إلا تدفع حياتها ثمناً لذلك ومرضت مرضاً شديداً لعدة أسابيع، أما أبي فقد تقبل الأمر بلا تعليق وتعامل معه بالصمت. رغم ذلك لم تتوقف تصرفات أمي، وتكررها نفسها بصورة طبق الأصل مما حدث في حالات الخطبة السابقة، ولست قلقة من تأخر الزواج وإنما من تكرار الأخطاء وسوء الاختيار بسبب الاستعجال.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©