الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مودي» وخطاب الإصلاح

21 أغسطس 2015 22:05
عندما ألقى رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» خطاب عيد الاستقلال الأول في أغسطس الماضي، كان حريصاً على تضمين ذلك الخطاب أفكاراً سياسية كبرى. حيث أعلن فيه عن خطته الرئيسية المسماة «صُنع في الهند» من أجل تطوير قطاع صناعي قادر على المنافسة عالمياً. كما حث كذلك على البدء في حملة من أجل «هند نظيفة» لتحسين نظام الصرف الصحي في البلاد، وألغى مفوضية التخطيط، وهي من الآثار المتبقية للتجربة الاشتراكية الفاشلة في الهند. وفي يوم السبت الماضي، عندما صعد مرة أخرى لمنصة الخطابة في مجمع «رد فورت» التاريخي في نيودلهي، كان على مودي أن يفكر أيضاً على نحو أكثر طموحاً من كل ذلك. ولم يكن هذا يعني طرح مشروعات رئيسية جديدة، ولا إطلاق المزيد من الشعارات، ذلك لأن لدى الهند ما يكفي من الاثنين معاً. والمشكلة بالنسبة لمودي كانت هي أن معظم المشروعات التي كان قد أعلن عنها، تعثرت بعد فترة من بدء العمل بها، أو لم يتح لها الانطلاق أساساً، إلى درجة أن الكثير من مؤيديه بدأوا في التساؤل عما إذا كانت حكومته ملتزمة، أو حتى قادرةً، على إنجاز تحولات حقيقية في الاقتصاد الهندي. ولا يمكن بالطبع إلقاء اللوم بالكامل على الجهاز التشريعي الذي يعاني من خلل وظيفي، وتسيطر المعارضة على غرفته العليا، وقد عمل على تعطيل تنفيذ أي أعمال خلال موسم المونسون (الأمطار) الحالي. وطالما أن الأمر كذلك.. فما هو السبب الذي جعل مودي غير قادر على الوفاء بالوعد الإصلاحي الذي قدمه في حملته الانتخابية عام 2014؟ هناك أسباب عدة لذلك، بعضها واضح تمام الوضوح، ومنها على سبيل المثال أن الحكومة المركزية في الهند تفضل استمرار الوضع القائم وتعارض التغيير الجذري. ومنها أيضاً أن مودي لم يصِب عندما حاول استنساخ تجربته كرئيس وزراء لولاية جوجارات التي كانت تقوم على تركيز قدر كبير من السلطات في يده. فالهند أكبر، وأكثر تعقيداً بما لا يُقاس، مقارنة بجوجارات، وتركيز عملية اتخاذ القرار فيها بيد جهة واحدة، يبطئ من وتيرة الإنجاز بصورة دراماتيكية. وليس هناك شك أيضاً في أن مودي قد استاء من الاتهامات التي وجهت إليه بأنه يرأس حكومة موالية لرجال الأعمال أكثر من اللازم، ومنحازة ضد الفقراء أكثر من اللازم أيضاً. وجاءت السجالات الطائفية من قبل مؤيديه من الهندوس القوميين المنتمين للجناح اليميني، لتساهم في منح المعارضة المزيد من الحجج، التي استخدمتها كذخائر لقصف حكومته. وأياً ما كان السبب، فإن مودي بحاجة لاستعادة السيطرة على الخطاب السياسي مجدداً، إذا كان يريد الاحتفاظ بأي أمل في تنفيذ الإصلاحات الجوهرية التي وعد بإنجازها خلال مدة ولايته. وكان مودي بحاجة يوم السبت الماضي، إلى أن يعطي إشارة واضحة تفيد بأنه مصمم على المضي قدماً في تنفيذ الرؤية التي عمل على تسويقها خلال حملته الانتخابية وهي رؤية «أقل حكومة وأقصى حوكمة». ومن الطرق الناجعة لتحقيق هذه الرؤية، التصدي للقطاع العام الهندي الضخم والنافذ سياسياً. بيد أن الشيء الذي يبعث على الاستغراب في هذا السياق، أن حكومة مودي تبدو مصممة على إحياء بعض الشركات المملوكة للحكومة والتي تكابد مشكلات وتعاني من علل مزمنة. إذ ليس هناك ما يبرر إنفاق أموال دافعي الضرائب الهنود على هذه الشركات الخاسرة. وأولويات مودي بشأنها يجب أن تكون إما البيع للقطاع الخاص، أو الإغلاق. ويحتاج مودي أيضاً لتوجيه رسالة للبيروقراطية العنيدة، مؤداها أنه جاد فيما يقول، ويمكنه البدء بتحدي رجال الضرائب سيئي السمعة الذين يقومون بفرض ضرائب تعسفية، وغير متنبئ بها، خصوصاً على الشركات الأجنبية، وأن يتدخل في مرحلة مبكرة لمنع بعض أجهزته البيروقراطية من تنفيذ قوانين ملتبسة، بطريقة خرقاء. والأهم من ذلك كله أن مودي بحاجة إلى إقناع الهنود مرة ثانية بأن تفعيل السياسات المشجعة للاستثمار هو في حقيقة الأمر الاستراتيجية الوحيدة التي تصب في صالح الفقراء في الأمد القصير. فالإصلاحات في قوانين الأراضي، وقوانين العمل، ليست إجراءات كفيلة وحدها باجتذاب الأعمال، والشيء الوحيد الذي يمكن من خلاله إيجاد وظائف جديدة هو تدفق الاستثمارات. وليس هذا بالشيء الجديد على مودي، فقد تمكن من توصيل رسالة مماثلة خلال الانتخابات، التي جاءت به إلى الحكم، حتى وإن لم يكن صريحاً تماماً مع الناخبين بشأن مدى صعوبة تلك التغييرات، والمدى الزمني الذي قد تتطلبه، حتى تثمر نتائج. ومهمة مودي قد تكون أصعب الآن.. ولكن ليس هناك شك أيضاً، في أنها أكثر أهمية وحيوية بما لا يُقاس. ديراج نايار* * كاتب ومحلل سياسي هندي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©