الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

منهاج التربية الموسيقية نغمة تصوِّب «نشاز» الفضائيات الغنائية

منهاج التربية الموسيقية نغمة تصوِّب «نشاز» الفضائيات الغنائية
22 يناير 2011 00:17
لم تتمالك حصة نفسها حين رأت للمرة الأولى آلة البيانو في صف التربية الموسيقية في إحدى مدارس الشارقة الحكومية، فما إن دخلت قاعة الصف، حتى لمعت عيناها لرؤية تلك الآلة “بحجمها الطبيعي”، وليس بالشكل الذي تبثه شاشة التلفاز من غرفتها. أزاحت بلطف بعضاً من زميلاتها المتجمعات قرب آلتها المفضلة “نظرياً”، وجلست بهدوء على الكرسي الصغير تتأمل هيبة مفاتيحه البيضاء والسوداء المتراصة جنباً إلى جنب، تحسست للحظات ملمسها قبل أن تبدأ بالضغط بأناملها العشرة على عدد من المفاتيح وكأنها تعلن عن انطلاق حفل موسيقي هي نجمته الأولى. تعالت النوتات من جوف آلة البيانو بعشوائية واضحة، فلحقتها ضحكات الطالبات داخل قاعة الصف نتيجة التداخل المتسارع والتقاطع غير الموزون للنغمات والطبقات الموسيقية. لم تحد تلك الضحكات من قوة اندفاع حصة للعزف على آلة البيانو والموسيقى بشكل عام، فهي جاهزة كلياً لعزف كل معلومة ستنطق بها أستاذة التربية الموسيقية، علّها تحقق حلماً طفولياً باعتلاء خشبة المسرح لعزف منفرد ومبتكر للنشيد الوطني الإماراتي. وتراهن وزارة التربية والتعليم من خلال منهج التربية الموسيقية للصفوف من الرابع إلى التاسع من مرحلة التعليم الأساسي على تمتع الطلبة بالفضول الموسيقي وحب الاكتشاف سبيلاً لتنمية مهارات موسيقية وطنية يحتاجها الميدان التربوي، وذلك بهدف الارتقاء بمستوى الوعي بأهمية دراسة الموسيقى لإعداد كوادر وطنية قادرة على المساهمة في تطوير الموسيقى المحلية، وحمل رسالة المحافظة على أصالة الفن الإماراتي. ويؤكد طارق محمد بدر اختصاصي مناهج التربية الموسيقية في وزارة التربية والتعليم، أن هواجس أولياء الأمور وما ينتابهم من قلق بخصوص ما يتعلمه أبناؤهم في حصة التربية الموسيقية قد انتهت منذ أن طرحت الوزارة كتاباً خاصاً بمادة التربية الموسيقية في العام الدراسي 2008-2009. ولفت إلى أن ما تعرضه الفضائيات من فن هابط كان يخلق خوفاً لدى أولياء الأمور من تعلّم أبنائهم للموسيقى داخل جدران المدرسة، وذلك حرصاً منهم على النأي بأولادهم عن كل ما يمكن أن يُفسد ذوقهم وحسّهم الأخلاقي. كما تؤكد وسام عبدالقادر أستاذة التربية الموسيقية في إحدى المدارس الحكومية في منطقة الشارقة التعليمية، أن ما يراه ولي الأمر على القنوات الفضائية وتأثيرها السلبي الكبير على الأطفال والمراهقين من الطلبة يخلق لديه خشية من مادة التربية الموسيقية كردّ فعل أولي. وترى الأستاذة وسام أن تعلّم الموسيقى لا يتعارض على الإطلاق مع أداء الطلبة المدرسي. وقالت إن جميع الطالبات المتميزات في الدراسة يبدون تميزاً في التربية الموسيقية وباقي الأنشطة اللاصفية على حدّ سواء، وأشارت إلى أنه يوجد بعض الحالات الفردية بين الطالبات اللواتي يبدين تميزاً ملحوظاً في فهم الآلات الموسيقية والعزف عليها، إلا أنهن في المقابل يواجهن صعوبة في المنهج الدراسي. وأشارت وسام إلى أن هذا بالضبط ما تواجهه على سبيل المثال إحدى الطالبات المتميزات على مستوى الدولة في العزف على آلة الكمان. وأشارت إلى أن دور الموسيقى في هذه الحالة يكمن في الثقة بالنفس التي تبديها الطالبة خلال العزف على إحدى الآلات، والتي تشجعها وتدفعها إلى بذل مزيد من الجهد لتحسين وضعها الأكاديمي في الصف الدراسي العادي. ولفتت وسام إلى أن منطقة الشارقة التعليمية تتميز بوجود أكبر تنوع للآلات الموسيقية في مدارسها، مقارنة بباقي المناطق التعليمية. ولفتت إلى أن ذلك يساعد في إيجاد طلبة عازفين على مختلف الآلات الوترية، وآلات النفخ النحاسية والخشبية، والآلات الإيقاعية وغيرها. وقد دعت دراسة متخصصة أعدّها المجلس العربي للطفولة إلى الاهتمام بالموسيقى وتعليمها للأطفال؛ لكونها تنمي شخصياتهم والجوانب الاجتماعية لديهم. وأضافت الدراسة أن المفكرين والفلاسفة انتبهوا منذ القدم إلى أهمية دور الموسيقى في التأثير والتعبير ودورها الذي لا بديل عنه في إنماء طاقات الطفل المختلفة. فمن الناحية الجسمية، تؤدي التربية الموسيقية إلى تنمية التوافق الحركي والعضلي في النشاط الجسماني، إضافة إلى تدريب الأذن على التمييز بين الأصوات المختلفة وتنمية هذه الجوانب من خلال أنشطة موسيقية متعددة كالتذوق الموسيقي والغناء والإيقاع الحركي والعزف على الآلات. ومن الناحية العقلية، فإن دور التربية الموسيقية يتمثل في تنمية الإدراك الحسي والقدرة على الملاحظة، وعلى التنظيم المنطقي، وتنمية الذاكرة السمعية، والقدرة على الابتكار، إضافة إلى مساهمة الموسيقى في تسهيل تعلم المواد الدراسية والتفاعل معها، وذلك على عكس ما يعتقده البعض. وأشارت الدراسة إلى تأثير الموسيقى على الناحية الانفعالية لدى الطفل، فهي تؤثر في شخصيته وقدرته على التحرر من التوتر والقلق فيصبح أكثر توازناً. وقالت إن التربية الموسيقية تساهم في تنمية الجوانب الاجتماعية لدى الطفل، إذ تشتد ثقته بنفسه أثناء الألعاب الموسيقية على سبيل المثال، ويعبر عن أحاسيسه بلا خجل ويوطد علاقته بأقرانه، فضلا عن أن الموسيقى تنقل التراث الثقافي والفني إلى الأطفال. ويقدّم طارق محمد بدر لمحة عن مضمون المنهج الذي يتعلمه طلبة المدارس الحكومية في الدولة، قائلاً : إن التربية الموسيقية تعدّ أحد مجالات التربية الجمالية التي تحدث نوعاً من التأثير النفسي في وجدان الإنسان، وهي مجال للتعبير عن عواطف الفرد وانفعالاته على أساس أن الجمال المسموح جزء من طبيعة الإنسان، مما يؤكد على حتمية تواجدها ضمن متن المنظومة التعليمية التربوية. وشدد على أن منهج التربية الموسيقية يعكس طابع مجتمع دولة الإمارات العربي الأصل بعقيدته وقيمه وعاداته، فيعمل على ترسيخ قيم الانتماء الوطني والعربي والإسلامي، بما يتضمنه من مجالات ثقافية وفنية تسهم في تعريف أبناء الإمارات بأنماط حياة مجتمعهم وما طرأ عليه من حداثة في ظل راية الاتحاد. وأشار إلى عدد من أهداف منهج التربية الموسيقية للحلقة الثانية من مرحلة التعليم الأساسي، ومنها تعزيز مشاعر الانتماء الوطني من خلال التمسك بالقيم المجتمعية، وإبراز سمات الهوية الوطنية، والاعتزاز بأصالة الموروث الفني الشعبي للدولة وربطه بالتراث الفني الموسيقي العالمي. وكذلك تنمية الذوق الموسيقي الإيجابي كخط دفاعي لمواجهة آثار الغزو الفني السلبي، والكشف عن المواهب الموسيقية لرعايتها، وإبراز إبداعاتها الفنية مجتمعياً. وعن مخرجات المنهج، قال طارق محمد بدر إن إدارة المناهج وضعت مجموعة من التوقعات التي يفترض توفرها في المتعلم عند إتمامه مادة التربية الموسيقية في مرحلة التعليم الأساسي. ومن هذه المخرجات، أن يكون ملماً بالمهارات الأساسية للعزف على بعض الآلات الموسيقية الأوركسترالية والعربية والشعبية، وكذلك التمكن من أداء العديد من الأناشيد الدينية والوطنية والتربوية والأهازيج التراثية الشعبية، ومتفهماً للبناء الفني لفنون الإمارات الشعبية المعبرة أصالة سمات الفن الوطني كالرزيف، والحربية، والعيالة، والونة، واليولة، والأهلة أداء وغناء. التربية الموسيقية و منظومة القيم أكد معالي حميد القطامي وزير التربية والتعليم عند إطلاق المبادرة التي طبقت بداية العام الدراسي الحالي، على ضرورة استناد مقررات مادة التربية الموسيقية إلى منظومة القيم التي تتميز بها دولة الإمارات، وأن تراعي أنشطة المادة خصوصية المجتمع الإماراتي وتقاليده العامة وعاداته، بما يسهم في ربط الطالب بتراثه الشعبي الأصيل. وأشار إلى أهمية الاستفادة من التراث الفني الموسيقي المحلي في عملية التأليف والإعداد، والتركيز على الأهازيج والفنون الشعبية التراثية، وكذلك الأنغام العربية الأصيلة التي تنمي ذوق المتعلمين، وتسهم في إثراء معرفته بالتراث الفني الإنساني.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©