الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشابه الأسماء

تشابه الأسماء
5 نوفمبر 2006 01:00
سعاد جواد: تناقض عجيب بين الحياة التي عشتها مع أبي في بلده وتلك التي عشتها مع أمي في بلدها· تصعب المقارنة بينهما، فوالدي يعيش في بيت كبير حياة مرفهة تتوفر فيها سبل الراحة والنعيم ولكني لم أجد فيها المشاعر الدافئة، كما أنها تخلو من الألفة والحب· أما في بلد أمي حيث الفقر والحاجة والبيت الصغير والحياة البسيطة، وجدت الحب والقلوب المتعاطفة والعلاقات الإنسانية الحميمة· لقد عشت كلا الحياتين في بلد أمي وبلد أبي فشعرت بأنني ضائعة وتائهة لا أنتمي إلى هذا البلد أو ذاك، الظاهر هو أنني إنسانة مكتوب عليها التعاسة والشقاء في أي مكان تعيش فيه· الحكاية بدأت ببساطة هكذا: تزوج والدي من والدتي في بلدها وعاش معها لفترة ثم عاد لبلده على أمل أن يرسل لها تأشيرة الإقامة بأسرع وقت· كانت حاملا بي، انتظرت طويلا ولكن للأسف لم يف والدي بوعده وظلت والدتي تنتظر حتى عاد إليها بعد ولادتي وبقي معها شـهرين ثم عاد لبلده وقد أخبرها بأنه لا يستطيع إحضارها لخوفه من غضب زوجته أم أولاده· فاقتنـــــعت والدتي بالبقاء في بلدها مع أهلها ما دامت تحصل مــــــنه على مبلغ شهري مقنع· مرت سبع سنوات والوضع قائم على حاله· والدي يأتي لزيارتنا ويبقى عندنا لفترة ثم يعود إلى عائلته الأخرى فتكاد تنقطع أخباره ولكنه يرسل لنا المال في بداية كل شهر· كنت طفلة سعيدة للغاية، أعيش في بيئة مليئة بالحب والحنان وسط جدي وجدتي وخالاتي وأخوالي· الكل يدللني ويهتم بي وقد كانت والدتي هي الوحيدة التي لا تكترث لي كثيرا وكانت تهتم بنفسها وتتحسر على شبابها الذي يضيع من يديها بسبب الانتظار الدائم للزوج الذي لا تراه إلا مرة في العام الواحد· كنت أشعر بأنها لا تحبني وتعتبرني مجرد قيد يربطها برجل لا تحبه· عندما جاء والدي، طلبت منه الطلاق وأخبرته بأنها لا تريد أن تعيش بهذا الشكل فإما أن يطلقها أو يأخذها معه إلى بلده، فطلقها والدي وأخذني معه عنادا فيها· هو لا يدري بأنها لا تكترث لي ولن تحزن على فراقي، ولكن الذي سيحزن هو جدي وجدتي وخالاتي وأخوالي، كل الذين يحبونني وأحبهم سيحزنون لفراقي، وسأكون أنا أشدهم حزنا لأنني سأفارق الجميع· المواجهة أحضرني والدي إلى بيته ففوجئوا بي، زوجته، أولاده، بناته، إخوتي وأخواتي الذين لا يعرفونني ولا أعرفهم· سألوه عني فقال لهم: إنها ابنتي أمها ماتت ولم يعد لها أحد في تلك البلاد فاضطررت لإحضارها معي· انقلب المنزل رأسا على عقب واشتعلت المعارك بين والدي وزوجته، واشتغلت التحقيقات··· متى تزوجت؟ ومتى أنجبت؟ أنت تكذب وتقول بأنك تسافر للعلاج··· وغيرها وغيرها من الأسئلة التي لا تنتهي· حدث كل ذلك وأنا أتفرج، واقفة في مكاني، خائفة، جائعة··· وأريد أن أدخل إلى الحمام· انصرف الجميع وتركوني وأنا أبكي، فجاءت إلي الخادمة السيريلانكية وعطفت علي وأخذتني إلى الحمام وأبدلت ثيابي المبللة وأطعمتني ووضعت لي فراشا في حجرتها· منذ ذلك اليوم وأنا معها طوال الوقت، أحتمي بها من نظرات الحقد والكراهية التي تنطلق من عيون الجميع نحوي· أبكي وأشتكي لها فتصبرني وتحتضنني وتهدئني وتشغلني ببعض الألعاب التي تصنعها لي فأنشغل عمن حولي وأبقى في المطبخ بعيدا عنهم· مرت سنتان وأنا على هذا الحال وجاء موعد سفر الخادمة فجلست أبكي··· ماذا سأفعل من دونها؟ توسلت إليها أن تأخذني معها ولكنها أخبرتني بأن ذلك مستحيل، ثم رق قلبها وألغت فكرة السفر من أجلي وقررت البقاء سنتين أخريين· تحت إلحاح من الخادمة تم إدخالي المدرسة، كنت راغبة في تعلم القراءة والكتابة من أجل أن أكتب الرسائل لجدي وجدتي· كنت أحلم بهما دائما وأبكي من أجلهما· أتمنى من كل قلبي أن يعيدني والدي للعيش معهما· ولكن والدي نسيني، لا يسأل عني ولا يحب أن يتحدث معي وهو يعطي بعض المال للخادمة ويقول لها خذيها معك واشتري لها ولك بعض الملابس· إنها الوحيدة التي تحبني وترعاني وتحس بوجودي ولكنها لا تستطيع البقاء طويلا من أجلي لأن لديها أولادا هم بحاجة لها وهي مضطرة للعودة إليهم ولكنها كانت قلقة علي من خادمة أخرى قد لا تعتني بي وتسيء إلي، لذلك فإنها فكرت بإحضار إحدى قريباتها لتعمل بدلا منها، ولأنها مخلصة ومتفانية في عملها فقد وافق والدي على مقترحها وأحضر قريبتها لتتعلم منها طريقة العمل في المنزل قبل أن تسافر بشهرين· لم تكن قريبتها تلك أقل منها طيبة ورحمة معي خصوصا وأنها تلقت توصيات مشددة عني، جزاها الله خيرا تلك الإنسانة الطيبة بقلبها الرحيم وسط قلوب أتعبها الحقد وضاقت فلا تتسع لحب طفلة بريئة لا ذنب لها· عدم التكيف مرت السنون علي وأنا وسط هذه الأسرة· بذلت محاولات عديدة لكسب محبة أحد من إخوتي أو أخواتي ولكن دون جدوى، فالكل مشغول بنفسه ولا وقت لديه لواحدة مثلي· سرعان ما بدأت الأعراس بالتوالي حيث تزوج الجميع تباعا، واحدا تلو الآخر فخلا البيت منهم ولم يبق فيه إلا أبي وزوجته التي أصابها مرض غير معروف وانشغل أبي بمرضها وصارا يسافران من مكان لآخر لغرض العلاج· كنت قد وصلت إلى سن السابعة عشرة من عمري لا أملك الكثير من الأحلام سوى حلم واحد··· أدعو ربي أن يتحقق في كل ليلة ألا وهو العودة لأهل أمي الذين أحبهم وأشتاق لهم كثيرا ولا أعرف عن أخبارهم أي شيء· أخيرا شاء ربي أن يحقق لي حلمي وأمنيتي الوحيدة، فقد توفيت زوجة أبي وفي لحظاتها الأخيرة طلبت من والدي أن يأخذني لزيارة أمي وأن يحسن معاملتي ويهتم بي وطلبت منه أن يسألني مسامحتها قبل أن تلقى ربها وهو غاضب عليها، لأنها لم تعاملني معاملة إنسانية طوال فترة بقائي في بيتها· كان لوفاتها تأثير سيئ على والدي، فقد مرض لفترة حتى تخيلت بأنه ربما سيلحق بها وكنت أدعو ربي أن يشفيه ليأخذني إلى أهل أمي كما وعد زوجته، وقد استجاب لي ربي وشفاه من مرضه وصار يعاملني معاملة طيبة تنفيذا لوصية المرحومة ولأنني وقفت بجانبه خلال مرضه وقفة رحيمة فوجئ بها الجميع· وجدت الوقت مناسبا ففاتحته برغبتي فوافق على الفور وأخذني إلى بلد أمي· يا له من حلم جميل يتحقق بأحلى صوره، فهاأنذا أعود لمن أحبهم وقد أصبحت شابة جميلة· بالتأكيد ستكون لهم مفاجأة رائعة· وفعلا فقد أصاب الذهول جدي وجدتي فأخذوني بالأحضان وكان اللقاء مؤثرا جدا تتخلله الدموع، ثم سرعان ما اجتمع أخوالي وخالاتي وقد حضر كل منهم برفقة زوجته وأطفاله، فيا لسعادتي وفرحي بهم جميعا· أما والدتي فلم تحضر واكتفت بالاتصال بي والتحدث معي عبر الهاتف مع اعتذارها بسبب انشغالها بأسرتها الجديدة· تركني معهم والدي لمدة ثم عاد ليأخذني فتوسلت إليه أن يتركني أعيش معهم بدلا من أن أكون لوحدي، فهو مشغول في عمله طوال الوقت ولا أحد في البيت سواي· بعد إلحاح شديد وافق والدي على تركي لأعيش في منزل جدي وجدتي ووعدني بإرسال مبلغ يكفيني في كل شهر· كنت سعيدة بكل ما حصلت عليه فشكرت ربي على هذه النعمة كي تبقى ولا تزول· كنت أذهب إلى مدرسة خاصة فأكملت الثانوية ودخلت الجامعة· وفي السنة الدراسية الثانية سمعت خبر وفاة والدي· على الرغم من كل مواقفه معي إلا أنني تأثرت كثيرا لموته وبكيت لأنني لم أكن معه في أيامه الأخيرة ولم أعتن به في مرضه· الحقوق الضائعة بعد وفاة والدي انقطع المبلغ الشهري الذي كان يصلني منه فاتصلت بأخي الكبير أطالبه بحقوقي المادية فقال لي: لا حقوق لك حتى تعودي للعيش في بلدك· بصراحة أخافتني تلك الفكرة، فلا أريد العودة هناك مهما حدث ولتذهب حقوقي المادية إلى الجحيم··· ولكن المشكلة هي أن إمكانيات أهل والدتي لا تسمح بالإنفاق على مصاريف جامعتي واحتياجاتي فماذا أفعل؟ قررت أن أترك الجامعة وأوافق على أي خاطب يتقدم لي عندئذ تنتهي المشكلة ولن يملك أحد سلطة التحكم بي وسأبقى في البلد الذي أحبه تحت رعاية زوج يتكفل بالإنفاق علي· بعد مدة وجيزة تقدم لخطبتي شاب من معارفنا يعمل مهندسا وهو جذاب ووسيم· وافقت على الارتباط به دون أن أفكر بالسبب الحقيقي الذي دفعه لاختياري أنا بالذات· والغريب أيضا هو مدى التساهل الذي أبداه هو وأهله حين أخبرناهم بعدم قدرتنا على المشاركة المادية بالجهاز· لقد بدا كل شيء رائعا لا يدعو إلى الشك والريبة حتى تصورت بأنني إنسانة محظوظة لأبعد الحدود· بعد الزواج بأشهر قليلة تكشفت لي الحقائق حيث بدأ إلحاح زوجي على سفرنا إلى بلدي والمطالبة بميراثي، حاولت أن أشرح له مدى المعاناة التي قاسيتها مع أهلي وعدم حبهم لي ولكنه لم يتفهم وبقي يلح ويستخدم كل الوسائل للضغط علي لأفعل ما يريد· اضطررت لمجاراته وعدنا إلى هنا وبغير عناء كبير أعطاني إخوتي جميع حقوقي المادية مع التأكيد علي بعدم رؤيتهم مرة أخرى، فأكدت لهم بأنه شعور متبادل بيني وبينهم فأنا أيضا لا أملك الرغبة في التواصل معهم· طلبت من زوجي العودة للبلد وإقامة مشروع هناك ولكنه رفض ذلك وصار يلح عليّ بإقامة مشروع هنا حيث الربح الوفير· مرة أخرى فعلت ما لست مقتنعة به تماما وقمت بفتح مشروع لا أفهم فيه شيئا وسلمته لزوجي لإدارته حسب خبرته في الأمور العقارية وتفرغت لرعاية طفلتي التي أنجبتها وبعد مدة بسيطة أنجبت ولدا فصار اهتمامي كله مركزا على هذين الصغيرين· لم أكن أتصور بأن زوجي يتلاعب بأموالي ويحولها لحسابه الخاص حتى جاءني يوما ليخبرني بأنني قد خسرت كل ما أملك· بالطبع فإن ما يقوله لا يمكن تصديقه ولكني إنسانة ضعيفة مغلوب على أمرها فماذا أقول له؟ قلت له: أنا وأطفالك تحت مسؤوليتك وليس مهما أن يكون المال في حسابي أو حسابك فكل ما أطلبه منك هو عدم التخلي عنا· بعد مدة اكتشفت إدمانه على المخدرات وعرفت بأنه يملك شقة للهوه وعبثه وأنه يضيع المال على الساقطات فتقطع قلبي ماذا أفعل معه؟ فالمال ضاع والزوج سيضيع ومن سيبقى لي، ومن سيعينني على تربية طفلي والإنفاق عليهما؟ حاولت بكل الوسائل التأثير عليه وإعادته إلى صوابه فلم أفلح فأخبرته بأنني سآخذ الولدين وأعود بهما إلى بلده ليتربيا مع أهليهما بدلا من أن يكبرا وحيدين دون أهل أو أحباب ولكنه رفض ذلك خوفا من أن أفضح أمره عند أهله فيعرفوا حقيقة ما يفعله ولدهم· فعل شنيع أصررت على السفر فهددني بأنه سيضع المخدرات في أمتعتي وسيبلغ الشرطة عني ليلقوا القبض علي· لم أكترث لتهديده وأخذتهما إلى المطار وقبل أن أدخل قلت في نفسي إنه مجنون وربما قد نفذ تهديده فقمت بالبحث في كل الأمتعة وفعلا فقد وجدت شيئا غريبا موضوعا في إحدى حقائبي· رميت ذلك الشيء في سلة المهملات ودخلت إلى المطار، ففوجئت بأنهم حولوا أمتعتي إلى مكان آخر حيث تم التفتيش الدقيق لكل الحقائب وعندما لم يعثروا على شيء أخبروني بأن أحدهم قد اتصل وأبلغ بوجود مواد مخدرة بحوزتي· بعد هذه الفعلة الشنيعة كرهته كرها لا يطاق وما أن وصلت إلى البلد حتى أخبرت أهله بجميع أفعال ولدهم فصدموا صدمة شديدة لأنه أضاع المال على المحرمات ولم يفكر بنفسه وبي وبأولادنا، ثم أخبرتهم بما فعله معي في المطار وطلبت منهم أن يتصلوا به ليخبروه بأنني راغبة في الطلاق وأنني لن أعيش معه بعد اليوم· بغير صعوبة طلقني بعد أن أكل مالي ولم يعطني أي حق من حقوقي· شعرت بالظلم وقررت الانتقام منه وبنفس الوقت الحفاظ على ما بقي معه من المال من أجل أولادي قبل أن يبدده فقمت بالاتصال والإبلاغ عن تعاطيه المخدرات وأعطيتهم عنوان وكر الفساد الذي يعيش فيه· وبالفعل فقد تم إلقاء القبض عليه بالجرم المشهود وتم إيداعه السجن· فعدت إلى هنا وقمت بالحجر على أمواله المتبقية الموجودة في البنك واستلمتها ولم تكن كثيرة ففكرت بالبقاء والعمل من أجل الإنفاق على نفسي وعلى أطفالي· الطريف في الأمر هو أن مدير الشركة التي أعمل بها يحمل أسم الأب والجد والعائلة المشابه لاسمي الذي أحمله··· ولكنه لا يعرفني··· وهو يردد قائلا: إنه مجرد تشابه في الأسماء·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©