الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهارة اليدوية سر صناعة العود ومفتاح إبداع أوتاره

المهارة اليدوية سر صناعة العود ومفتاح إبداع أوتاره
22 نوفمبر 2010 20:23
غزا القصور، وعرفته ديوانيات الشرق وأمسيات الغرب، وتفنن في تطويره موسيقيون أجانب أمثال باخ وهاندل، وإن خف استعماله بعد ذلك في صالونات الفن والشعر والثقافة. وعلى الرغم من أنه آلة شرقية بامتياز، إلا أن كبار الملحنين الغربيين تعلقوا بأوتاره ونغماته إلى حد إنتاج معزوفات لا تزال تحاكي السنين حتى الآن. إنه العود الآلة الوترية العربية التي كان لاكتشافها نهضة فنية وموسيقية لا مثيل لها، وما زالت المتاحف الأوروبية تتباهى في معروضاتها بإبراز هذه الآلة الوترية التي صنعت أجمل المعزوفات والاستعراضات، فكانت لها الصدارة في كل المواسم والمهرجانات أول ظهور للعود كان في بلاد ما بين النهرين، ليدخل بعدها إلى مصر وبلاد الشام وإيران، والتاريخ يدل أنه كان الآلة المفضلة في عصر البابليين والأندلس عندما انتقل العرب إليها، لتغزو شهرته أوروبا فيما بعد، حيث قام موسيقيون بإضافة قطع جديدة لآلة العود في إيطاليا وإنجلترا عام 1507 و1574. خمسة أوتار يمتاز العود القديم أو الأول حسب التسميات الماضية، بصغر صندوقه وبالتالي بحجمه، وكان خالياً من المفاتيح، حيث بدأ بوتر واحد ثم اثنين ثم ثلاثة أوتار. ورقبة العود كانت طويلة، لذلك كان يتم استعماله قديماً في الحفلات والسهرات بطريقة مختلفة للآلة الوترية التي نراها اليوم، فالعازف كان يمسك العود بصورة مائلة للأعلى، بعد ذلك أصبح يمسك بصورة مائلة للأسفل، وعندما تتعالى أنغامه يصبح سيّد الموسيقى بحيث إنه يسيطر على الآلات الموسيقية كافة، بل إن بعض الملحنين الكبار من أمثال "باخ"، وصفه بأنه "سلطان الطرب وملك الآلات الوترية"، لذلك ندر غيابه عن أي منزل يهتم بالفن، حتى أنه دائم الحضور في المسرحيات العديدة التي تضيف أوتاره إليها الاستمرارية في العروض والاستعراضات. ويتكوّن العود، وفق أحد صناعه السيد الألطي من خمسة أوتار ثنائية، وهو مقسّم إلى: - القصعة أو ظهر العود (الصندوق). - المفاتيح وعددها 12 مفتاحاً، وتستخدم لشدّ الأوتار. - الأوتار وعددها خمسة وتكون مزدوجة ويمكن ربط السادس بالعود. - الرقبة أو الزند، وهو المكان الذي يضغط عليه العازف على الأوتار. - الصدر ويسمى أيضاً الوجه الذي تفتح فيه القمرية التي تساعد على زيادة رنين الصوت وقوته. ويقول الألطي إن العود احتفظ بشكله المعروف، وإن تفنن العرب قديماً بإبراز أنواع كثيرة منه، حتى وصل الأمر إلى تغيير ترتيب بعض الأجزاء في هذه الآلة الموسيقية، في محاولة لإراحة العازف في الوضع الذي يريده. وفي الزمن القريب اشتهر العديد من الموسيقيين العرب ممن تخصصوا وبرعوا في اللعب على هذه الآلة الوترية، ومن أمهر العازفين القدامى، وفقه، يعقوب الكندي والموصلي وزرياب. ومن المعاصرين محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد القصبجي ورياض السنباطي ومنير بشير، وغيرهم ممن أوجدوا سلالم من الألحان والمعزوفات والموسيقى، بشكل أغنى المكتبات الفنية، ولطالما أثارت بعض المقاطع على آلة العود نفوس الجماهير التي كانت تصاب بحالات إعجاب تعبر عنها، عبر طلب إعادة المعزوفة وتقاسيم الألحان مرات ومرات من دون ملل. أسرار العود في بناية عتيقة يوجد منزل متواضع يسكنه أحد محبي آلة العود، المشهور بإدمانه على هذه الآلة الموسيقية، حيث أبدع في إصلاحها و"ترميمها"، وأيضاً في العزف عليها غناء وموسيقى. "المعلم" السيد الألطي الذي يزيّن محترفه البسيط بمجموعة من الآلات الموسيقية، إلا أن العود أخذ الحصة الكبرى في جدران المحترف وزواياه. عن آلة سلطان العزف والطرب وأسرار العود، تحدث الألطي عن هوايته في العزف وتصليح العود وإنجازه، فيقول "أول آلة عود صنعها منذ عقود ولم تكن على درجة عالية من الإتقان. ولولا إشراف اثنين من كبار الملحنين وعازفي العود، وهما: شفيق أبو شقرا وبهيج ميقاتي على تعليمي، لما أصبحت بارعاً في هذه الحرفة، التي أكسبتني تجربة غنية عرفت من خلالها أسرار تلك الآلة التي طالما أسرتني بروعتها وألحانها، فأنا أعشق عملي إلى حدود الوله، فإذا تغيّبت عن محترفي لأسباب قاهرة أشعر بقهر كبير، لذلك عندما أعود إلى العيش وسط آلات العود، فتعود الحياة والروح إلى نفسي". ولا يدع الألطي دقيقة واحدة من وقته تذهب سدى دون أن يستغلها إلى أقصى الحدود، فهو ينتقل من مرحلة إلى أخرى في عملية تصنيع العود، وأنامله تلعب على الأقسام والأجزاء المصنّعة من الألواح الخشبية والقوالب والقصعة وصندوق الصوت والرقبة والأوتار. فنان لبناني آخر يدعى جورج بيطار، حافظ على حرفة تكاد تنقرض، تسلم المهنة من جده وهو واحد من اثنين حافظا على هذه الآلة الوترية، عن العود يقول "عمل جدي في هذه الصناعة لمدة 50 سنة، وقد اختارني جدي لمتابعة العمل، فأطلعني على الأسرار حتى أصبحت مدمناً عليه، والمهم في عملية التصنيع التي تستغرق أسبوعاً واحداً لإنجاز قطعة موسيقية تلعب فيها المهارة اليدوية دون غيرها". الحفاظ على العود عن كيفية الحفاظ على العود من أي ضرر يقول بيطار "في غير أوقات العزف، يجب وضع هذه الآلة داخل البيت في الحافظة المصنوعة خصيصاً له، وأيضاً بعد الانتهاء من العزف، علينا تنظيف الأوتار بقطعة قماش جافة من أجل ضمان حياة أطول للأوتار، وفي كل الحالات يجب وضع العود في مكان بعيد عن أشعة الشمس وعن الأماكن الرطبة، وعلى الأقل وضعه في غرفة تكون فيها درجة الحرارة معتدلة". "حنّ على العود يحن عليك، احضنه يحضنك، كلمه يكلمك" هذه الثوابت يصر عليها أمجد عبد ومنير بشير وسلمان شكر ونصير شمّة وسيد مكاوي وعمار الشريعي وجميل بشير، وهم لا يشترطون في صانع العود أن يكون عازفاً بالدرجة نفسها، فلم يشتهر في العزف أي من صناع العود، وإن كانوا يؤكدون أنها صناعة، وفي استثناء هناك فريد الأطرش ورياض السنباطي، ومن المعاصرين نصير شمة وشربل روحانا وغيرهم ممن سكبوا من روحهم آهات موسيقية حفظت لهذه الآلة الخلود والرفعة. ويقول بيطار "الموسيقى الشرقية بكل آلاتها، خصوصاً العود، تدفعنا إلى عالم الأحلام والراحة والهدوء، في محاولة لتخفيف عناء العمل ومصاعبه، لذلك ينصرف البعض إلى حضور أمسيات موسيقية، تتنافس فيها الآلات وتتبارى فيها إبداعات الألحان والمعزوفات التي تقدم من أجل أرضاء الجمهور، الذي يقف ويصفق إعجاباً بالفن والموسيقى، وأولها العود الذي يلعب على وتر القلوب والنفوس وآهات الصدور". معزوفة الربيع المطرب الراحل فريد الأطرش عرف كيف يستغل نغمات العود في حفلاته، خصوصاً تلك التي كانت يحييها في مصر ضمن أعياد “شم النسيم”، وحفلات الصيف في الستينيات والسبعينيات، عندما كان السباق على أشده والمنافسة حامية، بينه وبين المطرب الراحل عبدالحليم حافظ، والعديد من السائحين العرب ومحبي السهر كانوا يقصدون لبنان خصيصاً لسماع معزوفة فريد الأطرش في أغنية “الربيع”، وبعضهم كان يصل لحضور الحفل والمغادرة فوراً بعد انتهاء الوصلة. كما أن سيّد مكاوي كان يفضّل أن تبقى أصابعه تلعب على أوتار نغمات العود حتى انتهاء فقرة الغناء، فكانت أحاسيسه متجانسة مع النغمات الصادرة من آهات عشاق السهر، الذين كانوا يطلبون المزيد، وكم من مرة أعيدت المعزوفة بإلحاح الجمهور على المزيد من “سلطنة” الأنغام. كذلك كان للعود مكانته في الحفلات الموسيقية التي كانت تقام على المسارح ومدارج الفن وفي المهرجانات السياحية، حيث تتبارى الآلات الموسيقية في آهات الأصوات الصادرة عنها، وكان صوت العود يستوقف بنغماته وسحره إصغاء الحضور الذين كانوا يتمايلون طرباً وعزفاً.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©