الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سرد خفيف على الروح

سرد خفيف على الروح
22 أغسطس 2015 21:47
بتول حميد كان مسائي هادئاً، اللهم إلا من نسمات رقيقة تنسل من بين ضجيج الحياة، لم يكن الهواء زاعقاً ولا هامساً بل بين ذاك وذاك. ممتلئة كنت بملائكية صوت فيروز حتى أكاد أسمعها: «أؤمن أن القلب المُلقى في الأحزان، يلقى الحنان.. أؤمن أن في صمْت الكون المقفل، منْ يصغي لي».. تنهدت وأنا أتأمل غلاف رفيقة هوايتي (فئران أمي حصة) للكاتب سعود السنعوسي. يومين وأكثر سرقتني هذه الرواية وأخذتني صفحاتها الـ436 لنزاعاتها ومونولوجاتها الداخلية، انسلَّ في المسافة بين خيالي وواقعي كونكريت بيت حصة المعتق بـ(الحب).. ظل السعف الوارف تحت النخلات الثلاث.. دانتيل فستان فوزية الزهري.. عود فهد وأشرطة عبدالكريم عبدالقادر. سرد السنعوسي كان خفيفاً على الروح، أصالة مدججة بتأريخ دقيق للأحداث، التأريخ عملية ليست يسيرة ولكن السنعوسي طوَّعها برشاقة نابضة للحد الذي يجعل القارئ يعيش هذه المسافات الزمنية، يغتاظ من قيظها ويرمم عواطفها اليابسة معه، يستلذ بالتشويق في سطورها، ويتناولها منهمكاً وصامتاً وحزيناً.. ولا يستعيد قوته إلا مع نهاية الكتاب فيتجدد إيمانه بأن أية فكرة تخرج من حدود الإنسانية ما هي إلا هرطقات غبية وأوهام باطلة، فإذا كان لا بد من أن يحارب الإنسان أخاه الإنسان فعليه ألا يتفنن في لعق دمائه وينحاز للدفاع لا للهجوم، للإنصاف لا للانتقام. وحدها الإنسانية بـ«لون واحد» حين يتمشى بينها مستقيم أو معوج، أو حين يستند تحت ظلها الوارف ثري أو فقير.. وحدها الإنسانية المعذبة بين جبروت قويّها وأنين ضعيفها، بين صراخ كبيرها وبكاء صغيرها. وحدها الإنسانية الأقرب إلى نفس الإنسان وأكثر التصاقاً بـ«روحه»، لأنه يبكي آلام من لا يعرفه - وإنْ كان شخصية خيالية في رواية أدبية. وحدها الإنسانية هي التي تقر بأن الحب الناجم عن الإحساس بـ «الآخر» هو التعويض العادل عن كل بشاعات العالم، وبأنها المنفردة بـ(العدالة) حين تنفصم العروات وتدب العداوات وينخر الحقد الأرواح. همس لي السنعوسي بنبرة مؤلمة، على لسان إحدى شخصيات الرواية: «يموت أحدنا ليعيش الآخر»، فجاءت نهاية الرواية تدحض هذا الهمس وتجزم بأن الكراهية موت ينال الجميع ولا يبقي أحداً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©