الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة والموت يتجاوران في مسجد السيدة نفيسة

الحياة والموت يتجاوران في مسجد السيدة نفيسة
26 أغسطس 2011 23:27
لها ولمسجدها مكانة خاصة في قلوب المصريين، يفخرون بأنها عاشت بين ظهرانيهم ودُفنت في أرضهم، وما برحوا يرتبطون بمسجدها الشهير باسمها يزورون ضريحها ويعقدون زيجاتهم بالمسجد مثلما يشيعون موتاهم منه. إنها السيدة نفيسة، نفيسة العلم، أشهر من سكن أرض مصر من آل بيت النبوة فهي ابنة الإمام الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب. ولدت بمكة عام 145 هـ، وبها نشأت حتى صحبها أبوها مع أمها “زينب بنت الحسن” إلى المدينة المنورة، فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع من شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى لقبها الناس بنفيسة العلم قبل أن تصل لسن الزواج وقد عاشت في المدينة لا تفارق الحرم النبوي، قارئة ذاكرة، وحجت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية. زواجها تزوجت من إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب في عام 161 هـ، وكان زوجها المعروف بإسحاق المؤتمن تقياً مشهوداً له بالصلاح وقد أخذ عن أبيه الكثير من علومه وآدابه وأخلاقه، حتى أصبح ذا شأن ومقام وبزواجهما أنجبت ولداً وبنتا هما القاسم وأم كلثوم. ولسبب غامض قررت السيدة نفيسة أن تغادر هي وزوجها المدينة المنورة إلى مصر، وربما كان ذلك بعد عزل الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور لوالدها عن ولاية المدينة، وما نجم عن ذلك من تضييق سياسي على آل البيت، وقد وصلت مصر رفقة زوجها أو أبيها في رمضان من عام 193 هـ أيام هارون الرشيد، فخرج أهل مصر لاستقبالها عند العريش بالتكبير والتهليل وخرجت الهوادج والخيول تحيط بها وبزوجها حتى نزلا بدار كبير تجار مصر آنذاك وهو جمال الدين عبد الله بن الجصاص. دار “أم هانئ” وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت 26 رمضان 193 هجرية، ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى “أم هانئ” وكانت داراً واسعة، فأقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: “إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى”، ففزع الناس لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل الوالي وقال لها: “يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشتكين منه” ووهب لها داراً واسعة، ثم حدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلباً للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت. وخلال إقامتها بمصر حضرت السيدة نفيسة قبرها بنفسها داخل دارها وكانت تنزل إليه باكية،. ويقال إنها ختمت القرآن به 193 مرة وذاع صيتها، وقصدها الناس للسؤال عما غمض عليهم من أمور الدين، وتذكر كتب التاريخ عنها العديد من الكرامات، منها أن بنتا يهودية كانت قعيدة أصابت شيئاً من ماء وضوئها فشفيت، ودخلت هي وأمها وأبوها في دين الإسلام. ويقال إن النيل توقف عن الزيادة في زمنها فحضر الناس إليها وشكوا إليها حالهم فدفعت قناعها إليهم، وقالت: ألقوه في النيل فلما فعلوا بلغ الفيضان مبلغ النفع. وفاتها وعندما أحست بدنو أجلها، وهي في الرابعة والستين أرسلت تستدعي زوجها، لكنها توفيت عام 208هـ قبل وصوله ودفنت بقبرها الذي حفرته بنفسها، فلما حضر إسحاق المؤتمن أراد أن ينقل جثمانها ليدفن بالبقيع بالمدينة المنورة فأبى عليه أهل مصر ذلك وجمعوا له مالاً يعدل حمل بعير نظير أن يترك جثمانها بأرض مصر، وبات إسحاق ليلته فلما أصبح رد عليهم المال كله، وقال لهم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه في المنام، وطلب منه أن يرد المال، ويترك جثمان السيدة نفيسة في مكانه بمصر. أما ضريح السيدة نفيسة فمعدود من المزارات المهمة بمصر ويعتبر الوالي عبيد الله ابن السري بن الحكم أول من بنى على قبرها قبة ثم جددت قبة الضريح في عهد الدولة الفاطمية، وكان ذلك على يد أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني في عام 482 هـ، وفي عهد الخليفة الحافظ لدين الله الفاطمي حدث تصدع في قبة المشهد النفيسي، فجددت كما كسي المحراب بالرخام، وكان ذلك في عام 532 هـ. وفي عام 714 هـ أمر الناصر محمد بن قلاوون بإنشاء مسجد ملحق بالمشهد ثم عاد في عام 752هـ فأمر بأن يتولى الخليفة العباسي بالقاهرة، وهو آنذاك المعتضد بالله بن المستكفي بالله نظارة مشهد السيدة نفيسة وظلت الوظيفة في الخلفاء العباسيين حتى سقوط الدولة المملوكية على يد سليم الأول العثماني. قبر النفيسة ويذكر الجبرتي أن الأمير عبد الرحمن كتخدا عمر المشهد النفيسي ومسجده وبنى الضريح على هذه الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقاً بخلاف طريق الرجال، وذلك في عام 1173هـ، كما كتب على باب الضريح بالذهب على الرخام: عيش الحقائق مهبط الأسرار.... قبر النفيسة بنت ذي الأنوار حسن بن زيد بن الحسن نجل الإمام علي ابن المصطفى المختار ويشير علي مبارك في خططه إلى أنه أوقف على الضريح والمسجد الملحق به أربعمئة وخمسين فداناً وعدداً من الرباع والحوانيت للإنفاق من ريعها على المشهد والمسجد، بالإضافة إلى ما يتجمع في صندوق نذوره وقت وصل مبلغ ذلك ما قيمته خمسة وعشرين ألف قرش “من الفضة آنذاك”، كما كانت نظارة الأوقاف تصرف له ثمن الزيت والحصر وتعبئة الميضأة بالماء. ولما شب حريق بالمسجد في سنة 1310هـ “1893م” وأتلف جزءا منه أمر الخديو عباس حلمي الثاني بإعادة بنائه هو والضريح، وتم ذلك في عام 1314هـ “1897م”، وهو المسجد القائم اليوم في المنطقة المعروفة باسم السيدة نفيسة، وكانت تعرف قديماً بدرب السباع. طريق آل البيت ويقع مشهد ومسجد السيدة نفيسة في بداية الطريق المسمى في أدبيات الرحالة طريق آل البيت فهو المحطة الثانية في هذا الطريق بعد مشهد الإمام علي زين العابدين “مقام رأس زيد بن علي” ويليه مشاهد السيدة سكينة بنت الحسين والسيدة رقية بنت علي بن أبي طالب وسيدي محمد بن جعفر الصادق والسيدة عاتكة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم. وللمسجد الحالي واجهة رئيسية في الضلع الشمالي الغربي يتوسطها مدخل يبرز عن سمت الجدران وإلى يمينه مئذنة رشيقة شيدت على غرار المآذن المملوكية. ويؤدي المدخل إلى دركاه تفضي إلى داخل المسجد الذي يحتل مساحة مربعة مغطاة بسقف خشبي منقوش بزخارف التوريق العربية “الأرابيسك” الممتزجة بزخارف هندسية بديعة ويعلو منتصف البائكة الثانية من المسجد “شخشيخة” مرتفعة بينما قسم المسجد إلى أربعة أروقة بواسطة ثلاث بوائك من العقود المدببة المحمولة على أعمدة رخامية مثمنة القطاع. وبوسط جدار القبلة محراب كسي تجويفه ببلاطات خزفية ملونة رائعة الجمال وفي نهاية جدار القبلة وعلى يمين المحراب باب يؤدي إلى ردهة مسقوفة بوسط سقفها شخشيخة حليت بنقوش عربية وعبر هذه الردهة يصل الزوار إلى ضريح السيدة نفيسة بعد اجتياز فتحة معقودة. وللضريح مقصورة نحاسية أقيمت فوق قبر السيدة نفيسة ويعلو الضريح قبة ضخمة لها منطقة انتقال من حطات من المقرنصات. وكان بهذا المشهد محراب خشبي قابل للنقل من مكان إلى آخر تم نقله إلى متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وهو من الأعمال التي قام بها الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله بالمشهد فيما بين عامي 532 هـ و541 هـ “1137 - 1146م”. ويشهد مسجد السيدة نفيسة ازدحاماً بالمصلين في عشاء كل يوم أحد لأسباب روحانية حسبما يعتقد المريدون للمسجد أو “محاسيب السيدة نفيسة” كما يطلق عليهم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©