الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعلانات التلفزيون تسرق الأضواء من لافتات الشوارع

إعلانات التلفزيون تسرق الأضواء من لافتات الشوارع
24 يناير 2012
عوالم من الإضاءة والأشكال المبهرة تطالعها أعيننا في الشوارع، ومثيلاتها من الصور المتعاقبة ذات الألوان الجذابة والحركات الإيقاعية الأشد تأثيراً على النفس، تأتينا عبر شاشات التلفزيون من خلال إعلانات متنوعة تعكس صراعاً محموماً على الوصول إلى المستهلك والتأثير على ميوله، ومن هنا تعددت الآراء حول الإعلانات التلفزيونية وتلك المنتشرة في الطرقات، وتناولت أيهما أكثر تأثيراً على المستهلك، وهل يندفع المستهلك بالفعل وراء تلك الإعلانات التي قد تحمله الكثير فوق طاقاته، أم يستمع لصوت العقل ولا يسعى إلى اقتناء إلا ما يحتاجه فقط؟ قال المهندس البحري حمد الرضا 34 سنة، إن الاعلانات بالفعل لها تأثير كبير على الناس وسلوكياتهم وجميعنا نشاهد في واحـدة من أشهر الإخباريات العربية، على مدار اليوم إعلاناً غاية في الإبهار والجاذبية مصحوباً بمشهد للخيل العربي مع خلفية ذات طبيعة خلابة، ويتوج كل ذلك صوت المذيع الرخيم متحدثاً عن مميزات ثوب «الـ ....»، ما يوحي إلى المشاهد بأن من يرتدي هذا الثوب يجعله في مصاف أكثر الناس أناقة بفضل اقتنائهم لهذا الرداء، الذي يزيد ثمنه عن مثيله من الأثواب التي يرتديها الناس والتي تخاط وتباع في المحلات العادية، وهو أسلوب خاطئ يتبعه كثير من الناس يجعلهم أسرى دائمين لكل ما تطالعنا به شاشات التلفزيون من منتجات وبضائع قد نكون في غير حاجة لها، أو تكون أغلى من الموجودة بالأسواق رغم تساويهما في الجودة ودقة الصنع. تأثير مباشر ويتابع الرضا: أما إعلانات الشوارع، لها هي الأخرى تأثيرها المباشر على الناس وأن لم تتساو مع تأثير إعلانات التلفزيون، وعن نفسه يلفت إلى أنه لا يتأثر كثيراً بتلك الحملات الإعلامية، لأنه يعرف جيداً احتياجاته، وكذلك قدراته المادية، ولكن من يتأثر بها أكثر هي «أم الأولاد» وأطفاله، وبالطبع يضطر إلى الرضوخ إلى بعض طلباتهم طالما كانت في حدود إمكاناته، ويحاول اقناعهم بوجهة نظره تجاه بعض ما يطلبونه وأحياناً ينجح في ذلك، وأكثر تلك الأحيان يزعن لرغباتهم، حتى لا يكون سبباً في خلق مشكلات بالبيت، بحسب تعبيره. يتلقط طرف الحديث صديقه خالد شلهوب 29 سنة قائلاً إن المعلنين بالفعل يبرعون في إقناع الناس بأمور قد لا يحتاجون إليها، ومن ذلك ما نراه في التلفزيون والشوارع من إعلانات تخطف أعين الناس، فهذا يعرض لأحدث أنواع السيارات، وذاك يغريك باقتراض من بنك ما، من أجل تشغيل أمواله من ناحية، وإيقاع عملاء جدد في دوامة القروض، وهو ما حدث بالفعل مع العديد من أصدقائه، التي أغرتهم إعلانات التسهيلات البنكية في كل مكان، ودخل الكثير منهم في دوامة القروض، وشعروا بالندم ولكن بعد فوات الأوان وتراكم الفوائد، وتعدد القروض من أكثر من بنك. تجربة مؤلمة ولفت شلهوب إلى أنه مثل الكثيرين يتأثر بالإعلانات المتوالية التي تعرض للمنتجات الحديثة خاصة ما يتعلق بعالم الهواتف المحمولة، والتي يحرص على اقتناء أحدثها باستمرار، رغم اعترافه بأن جميع الهواتف متشابهة وان الخصائص المضافة للأحدث منها تعتبر في عداد الكماليات والترفيه، ولا يستخدم منها الكثير، إلا أنه يشتري أحدثها حتى يكون مواكباً لكل ما هو جديد. من ناحيتها روت سامية محمود 29 سنة، وتعمل مسؤولة تمريض في أحد المستشفيات، قصتها «المؤلمة» بحسب تعبيرها مع الإعلانات، حيث حصلت على رخصة قيادة السيارات منذ حوالي عام ونصف العام، وبدلاً من أن تشتري في البداية سيارة بسيطة ومستهلكة بعض الشيء حتى تعتاد القيادة بأمان وسلام كما نصحها زملاء العمل، إلا أن إعجابها بإحدى السيارات التي شاهدتها مراراً في إعلانات التلفزيون جعلها تندفع لاقتناء تلك السيارة وكان يبلغ ثمنها حوالي 80 ألف درهم، ولكن خلال أسبوعين من شراء السيارة، ارتكبت حادثة كبيرة بالسيارة، كادت أن تودي بحياتها، لولا ستر الله، وعلى الرغم من أن شركة التأمين تكفلت بمعظم الخسائر المادية، إلا أن هذا الحادث ترك لها ذكريات مفزعة، ولم تعد إلى قيادة السيارات إلا بعد ذلك بأشهر طويلة، ولكن بعد أن استمعت إلى النصيحة وحصلت على سيارة بسيطة السعر والإمكانات، وبالتالي لا تشجعها على القيادة المسرعة، وأيضاً تجنبها أقساطاً مرتفعة كانت تسددها شهرياً للسيارة الجديدة. الفعاليات المحلية من ناحيته أكد عمر سالم عمر ويعمل فنياً بإحدى شركات البترول، على أن الإعلانات الموجودة بالشوارع تفوق أهميتها وتأثيرها على إعلانات التلفزيون، ولكن ذلك يتعلق فقط بالفعاليات والأحداث الآنية والموسمية التي تقام داخل الدولة، مثل المعارض والمهرجانات، ويلفت عمر إلى دور تلك الإعلانات في تذكير الناس بتلك الفعاليات ومواعيدها ما يجعلهم يرتبون أوقاتهم من أجل المشاركة فيها. أضاف عمر: وأهمية إعلانات الشوارع في تلك الحالة تبرز في أن هناك من لا يشاهدون القنوات المحلية، ويتابعون باستمرار ما تبثه القنوات الاخبارية أو قنوات الأغاني والأفلام، وبالتالي الإعلانات المعلقة في الشوارع هي أكثر قدرة على توصيل معلومات بعينها إلى الجمهور. في الاتجاه ذاته تحدث أمجد المزيون 43 سنة، وهو صاحب عمل خاص، وقال إن إعلانات الشوارع تخاطب فئات عمرية معينة، ولها تأثير على شريحة اجتماعية وثقافية بعينها، وهم الأشخاص الذين لا يجدون وقتاً لمشاهدة التلفزيون ولا يحبون متابعة ما به من برامج كلامية أو غيرها من الأعمال الدرامية والأفلام التي تضيع الوقت ولا تفيد من يتابعها. وأكد المزيون أنه بالفعل أحياناً يستفيد من تلك الإعلانات في معرفة أحداث معينة، أو عروض تقدمها بعض الشركات من أجل زيادة الإقبال على ما تعرضه من منتجات وخدمات، ولكنه يخضع قراراته الشرائية وتعامله مع تلك العروض بحسب احتياجاته الحقيقية وليس برخص المعروض وطريقة الإعلان والتسهيلات المقدمة. ضرورة عصرية خديجة الراسي 45 سنة، وهي ربة بيت وكانت تعمل بالتدريس حتى عام 2008، قالت إن طبيعة الحياة العصرية فرضت على الجميع متابعة كل ما هو جديد سواء من إعلانات التلفزيون أو غيرها، ولكن يبقى الاعلان التلفزيوني في الصدارة بما يصاحبه من موسيقى جميلة ومناظر خلابة، وقدرة على إبراز المنتجات في أبهى صورة، واعترفت الراسي بأنها كأم تجد نفسها مدفوعة في كثير من الأحيان إلى شراء منتجات يمكن استبدالها بما هو أقل سعرا منها، مثل أجهزة الهاتف المحمول لأبنائها، وأيضاً الكثير من المنتجات المنزلية التي لم يكن يستخدمها آباؤنا وأمهاتنا في الماضي، ومع ذلك كانت الحياة سهلة ويسيرة، بدلاً من مرض الشراء الذي أصاب الكثيرين بسبب كثرة الحملات الإعلانية وقدرتها على التأثير في قرارات الناس الشرائية. اتجاهات المستهلكين من جانبه أكد الخبير الإعلامي أحمد رضا الأستاذ الدكتور بجامعة الشارقة سابقاً أن التلفزيون يعتبر الأكثر تأثيراً على سلوكيات واتجاهات المستهلكين، نظراً لوجود الصور المتحركة، وما تتمتع به من ديناميكية وحيوية قادرة على التأثير في نفوس المشاهدين على اختلاف درجاتهم الثقافية والاجتماعية، وهو ما يلجأ إليه شركات إعلانات التلفزيون رغم تكلفتها الكبيرة مقارنة بإعلانات الشوارع. ولفت رضا إلى أن هذا النمط من الإعلانات يحمل الكثير من السلبيات، ويكرس أنماطاً استهلاكية غير جيدة، ويخلق عادات جديدة لها مخاطرها بفعل شراء سلع وخدمات قد لا يحتاجها الفرد بشكل حقيقي في حياته، ولذلك تنشأ مشاكل مادية واجتماعية داخل الأسرة الواحدة، فضلاً عن نشأة أنماط استهلاكية وسلوكية غريبة مثل الحرص على امتلاك كل جديد، حتى لا يكون الفرد أقل من أقرانه. من هنا يدعو رضا إلى ضرورة الحذر ووجود درجة من الوعي لدى المستهلكين، بحيث لا يتقبل كل ما يفرض عليه من مؤثرات خارجية، ولكن يكون دافعه الوحيد للاستفادة من سلعة معينة وشراؤها، بحسب احتياجه الشخصي لها، وليس ما بها من مميزات وخصائص لا تعود عليه بأي نفع. ومع ذلك لا ينفي الخبير الإعلامي أهمية إعلانات الشوارع والتي غالباً ما يتم وضعها في أماكن استراتيجية، بحيث تتوافر لها نسبة عالية من المشاهدة، وبالتالي يكون لها تأثير بما تفعله من خلق حالة تماس مع المستهلك، وهذه الحالة تكون أكثر وبشكل قوي في الحالة المرورية سواء لراكب السيارة أو المترجل، لأنه من الطبيعي أن يكون الانسان في تلك الحالة متابعا لكل ما تقع عليه عيناه في الطريق حتى تتوفر له السلامة والأمان. إلى ذلك أوضح رضا أن هناك من تلك الإعلانات ما يكون بالفعل هادفاً ومفيداً لفئات عريضة من الناس، ومنها ما لا يحمل أي فائدة، وتتلخص قيمة الاعلان الهادف في درجة الشفافية والصدق التي يكون عليها، وينقل واقع الخدمة كما هي للمنتج والمستهلك، وأن لا يلجأ للمغالاة والمديح فيما يقدمه واستخدام صيغة الأفضل والأقوى والأحسن دونما سند أو تقييم من جهات حقيقية ولها مكانتها وقدرتها على إصدار تقييم حقيقي بشأن السلعة المعلن عنها، وهذا يستلزم من المعلنين درجة كبيرة من المسؤولية وتوافر جانب أخلاقي يجنبهم الوقوع في الشبهات وأن يأتي الإعلان بنتيجة عكسية. وفي السياق ذاته نوه رضا إلى أمر بالغ الأهمية، ويتمثل في استخدام المرأة في الاعلانات، وهو يخلق نمطا سيئا من الاعلانات ويسيء للمرأة ويتناقض مع أخلاقنا وتقاليدنا، كما يتنافى مع المبادئ المهنية للإعلام. استخدام المرأة وسيلة للترويج أكد الخبير الإعلامي أحمد رضا الأستاذ الدكتور بجامعة الشارقة سابقاً أنه لا يجب استخدام المرأة كوسيلة ترويج للسلع، لأنه من العيب أن نربطها بسلعة معينة بشكل فيه اسفاف وتقليل من شأنها. وأوضح أن هذا الأسلوب له من آثاره الاجتماعية والسلوكية من الأضرار ما يفوق بمراحل ارتفاع نسبة المبيعات لهذا المنتج أو تلك الشركة، كون المجتمع يقوم على مجموعة من الأسس والمبادئ ويجب أن لا تكون الإعلانات معول هدم لهذه الأسس والقواعد المجتمعية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©