الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد حمام: قلم الخط يبوح بسره لصديقه فقط

محمد حمام: قلم الخط يبوح بسره لصديقه فقط
16 أغسطس 2012
مجدي عثمان (القاهرة) - في أحد شوارع منطقة عابدين التقيته في دكانه مستغرقاً في كتابة إحدى اللوحات على سبيل التدريب، رغم خبرته التي تجاوزت الـ 60 عاماً في مجال الخط العربي، درب خلالها المئات ممن أصبحت لهم شهرة دولية، في تلك الأثناء دخل أحد تلاميذه وقبل يده حباً واحتراماً. يتعامل فنَّان الخط العربي محمد محمود عبدالعال «حمام» بود شديد مع كل من حوله، ويسرد الذكريات، كما لو كانت مشاهد مرئية أمامه، ولا يخفي شيئاً رغم حداثة علاقتك به. يتذكر حمام كيف قرر أن يتعلم الخط العربي للمرة الأولى في المرحلة الابتدائية، بعد أن رأى مدرسه يكتب كلمة «قرآن كريم» بطريقة لم يشاهدها قبل ذلك، فعمد إلى إنشاء جماعة الخط العربي في المدرسة، ثم قرر الالتحاق بمدرسة الخطوط، ليتعلم فنون الخط العربي ويفتح مكتبا له بعد ذلك في مسقط رأسه بحي عابدين منذ عام 1952. ويقول إنه بعد غزو التتار بقيادة تيمور لانك لبغداد أصبحت مصر مركز الإبداع الرئيسي في الخط العربي، من خلال هجرة خطاطي العراق هرباً إلى مصر وتركيا، وكان العصر الأموي قد شهد طفرة كبيرة في فنون الخط، ومنذ ذلك لم يتوقف تطور الخط عند هذه الحدود، فظهرت بعض الاجتهادات عند كتاب الدواوين السلطانية أدت إلى استنباط خطوط جديدة، وظهر منهم أعلام. العصر الحديث وأضاف: أما في العصر الحديث فيبدأ تأريخ فن الخط في مصر بالخطاط محمد مؤنس زادة، وقد سبق ذلك التاريخ في العصور الإسلامية وجود خطاطين مثل أحمد بن طولون وطبطب المصري الذي أخفوه وقت الحرب خوفاً عليه، وأعقب فترة مؤنس إنشاء مدارس تحسين الخطوط بأمر من الملك فؤاد، وقد كان لمؤنس الفضل الأول في انتشار الخط العربي في مصر، من خلال التعليم وتأليف كتاب «الميزان المألوف في وضع الكلمات والحروف»، وتتلمذ عليه الكثيرون وأبرزهم محمد إبراهيم الأفندي، والشيخ علي بدوي، ومصطفى الحريري، ومحمد الجمل، وعلي إبراهيم، ومحمد محفوظ، وعبدالرازق عوض، وأحمد عفيفي، ومحمود محمد عبدالرازق، ومحمود محمد الشحات، إضافة إلى عدد آخر ممن تتلمذوا عليه في دار العلوم، وكان يُدرس بمدرسة الخطوط التي تقع في درب الجماميز بحي السيدة زينب، مع تلميذه محمد بك جعفر، قبل مدرسة خليل أغا. المطبعة الأميرية كان ملك مصر فؤاد الأول قد بعث في طلب الخطاط التركي الشهير الشيخ عبدالعزيز الرفاعي لكتابة مصحف المطبعة الأميرية، وقد عز على الخطاطين المصريين أن يحضر خطاط تركي لمثل هذا العمل، فكتبوا للملك في هذا الصدد، فاحترم إرادتهم، وجعل الشيخ الرفاعي يكتب مصحفاً خاصاً له، وهو محفوظ الآن بالمتحف الإسلامي بالقاهرة، وتم تكليف الخطاط محمد بك جعفر بكتابة مصحف المطبعة الأميرية، وسُبكت الكتابة لتستخدم طباعياً، ثم أصدر الملك أمراً ملكياً في سبتمبر 1922 بإنشاء مدرسة الخطوط على أن تتبع إدارة التعليم بديوان الأوقاف الخصوصية الملكية، وكانت ملحقة بمدرسة خليل أغا، وهي أول مدرسة للخط العربي على مستوى العالم، وكان يقصدها المئات سنوياً، وعين الرفاعي ناظراً لها إلى أن سافر إلى تركيا وتوفي هُناك، فتوالى على إدارة المدرسة أساتذة من الخطاطين بعضهم كان قد تلقى دروسه على الرفاعي أمثال علي محمد، ومحمد علي المكاوي، كما أعقب ذلك استصدار أمر آخر بافتتاح مدرسة ثانية للخطوط في مدرسة الشيخ صالح أبو حديد، وتخرجت أول دفعة من هاتين المدرستين عام 1925، حيث كانت الدراسة بهما 3 سنوات، ثم أنشئ قسم التخصص. وأضاف أن البعض يعتقد أن الخط فن متأخر، ولكن الحقيقة أنه يعود لأكثر من مئة عام، وحينما احتل الإنجليز مصر نقلوا لنا فكرة لافتات الشوارع واختاروا لكتابتها ثلاثة خطاطين حاصلين على البكوية، من بين 30 خطاطاً، وهم محمد جعفر ومحمد محفوظ، وشريف بدوي. القلم البوص وقديماً كان الخطاط الذي يعمل بالقصور الملكية يحصل على رتبة «البكوية»، ويكون ترتيبه تبعاً للبروتوكول يلي السلطان، ومن بعده يأتي الوزير، وهو ما دفع بالكثير من الوزراء إلى تعلم فن الخط، وكان الخطاط ذا هيبة ومحبوباً، ويحترم فن الخط، ويفرض على نفسه العمل عقب صلاة العصر وحتى صلاة المغرب يومياً، مع بعض الطقوس الخاصة أثناء الكتابة من الوضوء قبل الشروع فيها، وتبخير المكان، حتى أنه كان يعلم بورقة يوم السبت، حيث إنها أضعف الكتابات لوجود يوم الجمعة إجازة عن الكتابة. وقال إن مصر تبدع في فن الخط في حين أن تركيا ما زالت مرتبطة بالأكاديمية الجامدة، كما أن تصنيع الحبر البلدي، وتقصير الورق وطريقة بري أو «قط» القلم من المقدسات التي يجب أن يتعلمها الطالب هناك، وللقلم البوص أهمية خاصة من حيث أنه نبات طبيعي، وأيضاً يبدأ الطالب ولمدة حوالي 6 شهور كتابة «رب يسر ولا تعسر، رب تمم بالخير» على سبيل المثال، ثم يبدأ بعدها تعلم الخط من حرف الـ»أ» وفي ذلك تأكيد لأهمية الصبر كعنصر رئيس في تعلم الخط. وأوضح أن الخطاطين المصريين وظفوا الخط العربي في اتجاه غير ما خُصص له، فعلى سبيل المثال تُكتب الرقاع بخط الرقعة في الشهادات، فهو خط يستعمل للخطابات صغيرة الحجم، بينما نحن حينما نريد إبراز عنوان في صحيفة نستخدمه، ولذلك كان أوَّل مانشيت كتبه في جريدة «الاتحاد» حينما عمل بها فترة الثمانينيات، على 8 أعمدة، عن أول اجتماع لحكام الإمارات العربية، وكان بخط الرقعة، كما أنه أخضع القاعدة لشغل المساحة التي كتب بها كلمة «الاتحاد» - اسم الجريدة - مع المحافظة على الشكل العام لمقاييس الحرف حتى لا يفقد جمالياته. وأكد حمام أنه في كل بلاد العالم لا يزدهر فن من الفنون من دون رعاية واهتمام من قبل السلطة وقد اهتم آل عثمان وسلاطينهم بفن الخط العربي، حتى أن السلطان العثماني بايزيد الثاني تعلم الخط علي يد الخطاط التركي الشيخ حمد الله الآماسي، وجعله معلماً للخط في السراي العثماني، وكان يحترمه بشكل كبير لدرجة أنه كان يحمل له الدواة وهو يكتب، كما تعلم الخط السلطان مصطفى الثاني والسلطان عثمان وبرز السلطان أحمد الثالث كمشجع للفنون، وعلى رأسها الخط وبرز أيضا كخطاط مميز كتب المصاحف واللوحات وكان معظم السلاطين والباشوات والقادة والتجار يشجعون فن الخط ويمارسونه. ?وفي ذلك أشاد حمام باهتمام المسؤولين في دولة الإمارات اهتماماً بالغاً بإقامة المعارض والمسابقات، حيث أقيم في أبوظبي ناد للتراث ومجلة متخصصة تهتم بالتراث الأصيل وبخاصة الخط العربي الذي شُيد له متحف خاص، كما تعد إمارة دبي مركزاً مهماً لفن الخط وتصدر مجلة حروف عربية التي تعتبر مناراً ومتحفاً متنقلاً، وهي أول مجلة متخصصة في الخط العربي تمتاز بغزارة الموضوعات والأخبار وجودة الطباعة، وقد ساهمت هذه المجلة في إلقاء الضوء على رواد ونجوم هذا العصر من دون إغفال التراث وأئمة هذا الفن العظيم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©