السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشكلة الوعي ووعي المشكلة

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
16 أغسطس 2012
لم يكن وعي الحياة الانسانية والقدرة على تحديد مشكلاتها الكثيرة قاصراً على توافر عقل إنساني فحسب، وإنما درجة وعي ذلك العقل واستطاعته الفرز الدقيق لمعرفة توجه الحياة وإدراك تناقضاتها ومحاولة رسم طريق مستقيم وواسع لها. هذا ما يؤكده مؤلف كتاب “مشكلة الوعي ووعي المشكلة/ قراءة سوسيو ـ ابستمولوجية في خطاب الوعي المتأزم” الدكتور مازن مرسول محمد، والذي يضيف أنه عندما ولد لم يكن مختلفاً عن غيره في التركيب الجسماني، إلا انه يختلف عن بعضه الآخر في القدرة العقلانية القادرة على النظرة الدقيقة إلى أمور الحياة ومجرياتها. فلم تمتلك المنظومة الحياتية وعياً متكاملاً قادرا على أن يضع الإنسان في أعلى درجات السلّم التقدمي الحياتي، ولكن المؤلف قد وجد منظومة وعي قادرة على أن تتلاقى كثيراً من محيطات الحياة وانتكاساتها ومشكلاتها، وبالمقابل انعدام ذلك الوعي الجاد والوعي بأمور تحط من الحياة الإنسانية وتقلل من شأنها. ولما كان الانسان ابن بيئته فقد عملت ظروف محيط ذلك الانسان على تبلور صورة واقعية عن مدى تعبئته بوعي دقيق أو وعي زائف. وما تناقضات الحياة منذ القدم وحتى اليوم، إلا اختلافات وتصادمات أوجدتها الطبيعة المختلفة لدرجة الوعي الإنساني. فقد يكون الإنسان بوعيه قادراً على ادراك حياته جيداً من ناحية حدوده ومحيط ذاته وقدراته ومدى تلاؤمه مع محيطه ودرجة ما يكسبه منه وكيفية التناغم والتعامل مع بني الانسان في المحيط وخارجه. وقد يكون قادراً بوعيه غير الدقيق على ادراك حالة والوضع غير المناسب لأسس الحياة الإنسانية، فيمضي في سعيه لصب الحياة في قالب الوعي غير الناضج وفق ما تعرّض له من مثيرات ومحفّزات أسهمت في بلورة وعيه بهذه الصورة. طبيعة المشكلات ولما كان الانسان في بعضه قادراً بوعيه والآخر غير قادر، فله أن يدرك طبيعة المشكلات المحيطة به ذات التأثير الكبير على أسس حياته ومجتمعه، فيحاول تشخيصها وإيجاد الحلول لها، وربما محاولة القضاء عليها والحيلولة دون نشوئها مجدداً، والطرف الآخر هو غير القادر على معرفة ووعي ما يحيط به من مشكلات أو النظر إليها على أنها لا تدخل في نطاق ما يعيق دينامية الحياة والمجتمع فلا يعدّها مشكلة. ومن هنا تبرز تناقضات أخرى بين من يعي واقع الحياة ومشكلاتها، ومن لا يعي ذلك وله كيانه الخاص والمؤثر في المجتمع. لذا فالأمر مناط بالإنسان ذاته فهو من وضع نفسه في صور الحياة المتعددة هذه ببؤسها وترفها، فهو القادر على الاستمرار في تدني مستويات رفاهية الانسان، وبالتالي وضع المجتمع على محك الانهيار والنزول إلى أدنى درجات النوع الإنساني، وهو نفسه بيده الخيار لرفع شأن الانسان والصعود به نحو درجات الرقي والتطور المنشودة. ولما كان المجتمع الانساني يعيش هذه التناقضات، كان لا بد من وضع استراتيجيات واضحة تعدّل من المعيار الإنساني فيما يتعلّق بمنظومة الوعي وإعدادها إعداداً قادراً على الإدراك الصحيح غير المتعثّر في تمييز أمور الحياة وما يحيط بها وما يناسبها، وبالتالي تشخيص أسباب المشكلات ليس لعلاجها فحسب، وإنما للحيلولة دون إيجادها مرة أخرى بوعي أقرب إلى الحالة التكاملية. ويقول المؤلف إن الإنسان متفاوت في القدرات العقلية فلا يمكن أن يتم ذلك بصورة سهلة وبدون تقييد، لذا فالأمر بحاجة إلى جهود كبيرة تتوقف على الذات نفسها في بادئ الأمر، من خلال وعي الانسان لذاته أولاً ومعرفة حدوده، ثم الانتقال بذلك الوعي الذي يريد أن يشق طريقاً جديداً به نحو الإنسان الآخر في تعاملاته وطريقة عيشه معه واكتشاف ما يعيق حركة الانسان المستقيمة من تناقضات وصراعات وحروب واقتتال، ومحاولة وعي أسباب نشأتها وليس معالجتها فحسب، على اعتبار أنّ ذلك لا يتم بعمل الإنسان وحده ما لم تتكاتف كثير من العقول نحو هذا التوجه الواحد في المضمون، وهو توجيه الوعي الدقيق العقلاني نحو إعادة صياغة الحياة الإنسانية بشكل أفضل بعيداً عن التناحرات والتصدعات التي أوجدها الإنسان ذاته لأخيه الإنسان. ومن ذلك يرى المؤلف الشعوب المتقدمة، وسيرها الحثيث نحو البقاء في القمة من خلال وعي أن الحياة يجب أن ينظر اليها نظرة دقيقة، لغرض تلافي مزالقها وجني ثمار وعيها بصورة أفضل، وعلى العكس من ذلك لم تكن الشعوب المتأخرة سوى شعوب قد عانت ومازالت من قصور في الوعي، الوعي بأمور الحياة وإدراك كنه الإنسان في تعاملاته ورغبته في الحياة بطريقة قويمة وليس بمخالفة أسس التعايش الإنساني والذهاب إلى وجهة لا تجني إلا التصدعات ولا تزيد من وعيها إلا قصوراً وزيفاً وعدم الأهلية في ضمان حياة الانسان. التميز والنمو وفي رأي المؤلف: لعل أسس الحياة الإنسانية تتكامل وتصل إلى مرحلة متميزة من النمو والتطور عندما تكون أجزاؤها مكملة الواحدة للأخرى، فعمل الإنسان لذاته لا يؤتي ثماره بالنسبة للمجتمع. وإنما يحتاج ذلك المجتمع إلى تكامل عملي وفكري من قبل جميع أفراده حتى يستطيع أن يمضي ويتحرك للزحف نحو العصرية والتقدم، وحتماً إن ذلك ليس بالأمر السهل الذي لا يخلو من المصاعب والعراقيل، فترابط هذه الأجزاء يحتاج إلى منطقية الترابط والبحث عن العلّية في ذلك، فكان هنا السؤال، فلماذا نحتاج إلى تكافل وتضامن الأفراد لبناء المجتمع، وهل إن ذلك يمر من دون صعوبة تذكر ويمكن تحقيقه؟ يذكر المؤلف ايضاً انه من المؤكد أن وجود مجتمع ناهض لا يعتريه أي خلل أو تصيبه أمراض اجتماعية مختلفة لم يحدث بمحض الصدفة أو قد ألفت به الأقدار، وإنما عمل الأفراد وتصميمهم على الوصول إلى هذه الأهداف هو من جعل صورة المجتمع المتقدم تبرز إلى الوجود. ولما كان الأمر بهذه الصيغة فالقضية محصورة بعقلية الفرد وما قد ينتجه من عقله هذا في حياكة نسيج الحياة والمجتمع، يضيف وبما انه لطالما سمعنا ورأينا مجتمعات قد ازدهرت وأخرى قد أفلت وخبت، وحقيقة الأمر أن الوعي الإنساني يلعب دوراً بارزاً وجوهرياً في صياغة الحياة وجعلها تسير نحو القمة والتقدم،؟ وهو أيضاً المسؤول الأول عن انهيارها وفنائها. ويشير الكاتب الى صور الحياة التي نراها اليوم ما هي إلا عبارة عن صياغة واضحة لإرادة ووعي الإنسان، وقد تختلف الصور فمنها ما أسهم ببناء الإنسان ومنها ما فوّض الإنسان وأنهكه بالأمراض والأزمات والكوارث. فلا يمكن أن يخرج كل ذلك عن عاتق الإنسان ذاته، إذ إنه صاحب اليد الطولى في بلورة الوعي وإنضاجه والتدبّر به كل أمور الإنسان، ونفسه هو المسؤول عن تزييف الوعي وجعله منقوصاً غير قادر على إدامة الحياة وخلق الأزمات والانتكاسات والأمراض التي تفتك بالمجتمع ومن ضمنه الإنسان. وحتى إن هذا الوعي لا يمكن أن يوجد جاهزاً كما يقول، فهناك متضمنات كثيرة تساهم في بناء الوعي وتوجيهه نحو السداد، وذلك يلقى بشكل كبير على عاتق مؤسسات المجتمع وما قد تفعله من بناء الوعي في العقل الإنساني بصوره الصحيحة، إلا أن ذلك لا يعني أن كل المؤسسات المجتمعية أسهمت بشكل كبير في إنجاح مهمة بناء الوعي، وإنما هناك من أعدّ العدّة لذلك، لكن مؤسسات أخرى لم تؤد مهامها بالشكل المطلوب، وإنما أسهمت في اندثار الوعي المنطقي الجاد وأحلّت محله وعياً زائفاً قاصراً غير قادر على البناء وإنما على التهديم والتقويض. ويشير أيضاً الى ما يسهم في صناعته الوعي المنقوص كم هائل من المشكلات الانسانية التي أصبح وجودها واستفحالها مقروناً بسبات الوعي الحقيقي وبروز وعي مضلل محله هدفه جني الأرباح للمصلحة الخاصة من دون العامة، وما ذلك إلا مدعاة لاستشراء مشكلات المجتمع وتعاظم آثارها، والتي يمكن أن تنتهي ويقضي عليها بالوعي الذي يحدد متى وكيف ولماذا تنشأ المشكلات التي يعانيها الإنسان وما هي الأسس اللازمة لتفاديها. أيضاً يقول إن حياة الانسان وتقدمه رهن الوعي الصحيح الذي يمهّد له الطريق ويجعله قادراً على تهيئة الوعي لحياة أفضل، فالفرد ينبغي عليه وعي حدوده وذاته وعياً منطقياً، والغرض من العيش، فضلاً عن وعي الآخر المختلف عنه لوناً وجنساً وثقافة ولغة وأي آخر مختلف عنه، وعي ضرورة بناء المجتمع الذي ينمو وينهض بتكامل منظومة الوعي الفردية والتي تكوّن الكل المجتمعي، وعليه فالأمر يتعلّق بالإنسان وحده فهو القادر على إزالة حياته وطمرها بقصور وعيه وهو الذي يستطيع بناء حياة وغد أفضل له وللنوع الإنساني بالوعي الذي لا تشوبه أي شائبة ولا يعاني قصوراً أو تدهوراً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©