الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدماغ البشري.. ثلاثة في واحد

الدماغ البشري.. ثلاثة في واحد
16 أغسطس 2012
هناك حاجة متزايدة أن يفهم الإنسان نفسه، الإنسان كفرد وكشخصية لها تطلعاتها ومستقبلها وطموحها وغاياتها، وهذا الفهم يتطلب معرفة وعلم ثم تأمل وتفكير.. والذي يحدث في هذا العصر أن الإنسان بات يعيش في عجلة تدور به بسرعة، فيستغني في كثير من الأحيان عن ممارسة التفكير والتأمل والتخطيط، فالحياة المعاصرة بكل ما هي عليه اليوم من تقنية وتكنولوجيا لا تجعل الإنسان بحاجة لممارسة أي جهد ذهني، كما أن الروتينية في حياة الفرد تعد قاتلة بكل ما تعني الكلمة، فنحن نستقبل يوميا صباحنا بالذهاب لمقرات أعمالنا التي نؤديها باعتيادية ثم نعود لمنازلنا، ونمارس بعض الأنشطة المعتادة كالتسوق والعلاقات الاجتماعية وممارسة الرياضة أو التنزه وغيرها، ثم نواصل نحو يوم آخر يحمل نفس ملامح اليوم الذي سبقه. حواراتنا كما هي والصعوبات التي قد تعيقنا تتدخل التقنيات الحديثة بطريقة أو أخرى لحلها وتبسيطها لنا، وهذا يقودنا للتساؤل حول هذه النمطية والتكرارية وكيفية الخروج منها (الأنانية)؟؟ فالأمم التي تحررت من هذا الإطار هي الأكثر إنتاجية وإبداعا على مختلف الصعد الإنسانية. أول خطوة إن أولى خطوات التفكير الإبداعي للفرد الذي يملك بعضاً من المعرفة والعلم باحتياجاته هي أن يكون ملماً بطبيعة مجتمعه الذي يعيش فيه، ثم يتماشى معها، بل يحاول أن يطورها، وهذه من أول أدوار الفرد المدرك لطبيعة الحياة البشرية القائمة على الجماعية والتنوع، والتغير والتبدل. فالجماعية والتنوع كمفهومين هما عكس مفهوم الفردية وذاتية التفكير. الجماعية تتطلب التسامح وقبول الآخرين، بل وتعزيز ثقافة الآخرين وحمايتها لتعبر عن نفسها، لأن هذا التنوع سيكفل الإنتاجية والتطور في المجتمع ويجعل حركته سلسة متواصلة، وهذا ما يعرف بالتفاعل الإيجابي المثمر. في مقالة علمية تعد من أجمل ما تم تناوله في هذا الإطار، ما كتبه الدكتور شوقي جلال محمد، وهو مترجم ومفكر ساهم في ترجمة أهم الكتب العلمية إلى اللغة العربية كما أنه وضع جملة من المؤلفات لعل من أهمها كتابه “نهاية الماركسية”. ففي كلمة له تحت عنوان “تنوع ثقافي ووحدة إنسانية”، قال الدكتور شوقي: “ما أحوجنا إلى أن نفهم أنفسنا، أن نتأمل حياتنا، وأن نعرف، عن وعي نقدي وبصيرة علمية، سبيلنا إلى النهوض وتطوير حياتنا، والارتقاء بها. والشرط الأول لهذا كله أن ندرك معنى المجتمع، من حيث هو بنية قائمة على التكافل والتفاعل والتضامن المشترك او المتبادل. لعل أخطر مشكلاتنا أننا نعيش وقد استقر في وعينا الباطن، دون ظاهر القول، أننا تجمع بشري... لا مجتمع، أفراد... لا بنية مترابطة، كل يرسم مصيرة ومستقبله، لا مصير المجتمع ومستقبله، وكل يتحدث عن الثقافة وعن الذاتية الثقافية حديثا غائما معمى، دون أن نملك وعيا علميا بمعنى الثقافة الاجتماعية وضرورتها وأسس نشأتها وتطورها وتوارثها. ثم بعد هذا، وعلى الرغم منه، كل يباهي بثقافة مجهولة تاريخيا وتأصيلا ومنطلقة نزعة محورية عصبوية دون أن يدرك أو دون أن ندرك ومن ثم نقبل تنوع الثقافات، بوصفها ضرورة اجتماعية تاريخية، أساسا للتسامح وتعزيزا لدينامية التطور الاجتماعي وضمانا للنهوض، وأن ارتقاء حياة الإنسانية في شتى المجتمعات، وعلى مدى التاريخ، رهن تنوع الثقافات وتفاعلها، وتباين الرؤى، واختلاف الآراء ، وتوافر آلية اجتماعية تكفل التفاعل الإيجابي الحر”. الجانب الآخر يتعلق بالتغير والتبدل وهما عكس الجمود والتوقف، وهما في كل الأحوال حالتان لا يمكن أن تصيبا أي مجتمع، فعملية للتغير هي واحدة من صفات المجتمع، سواء أكانت تغييرات شديدة الحركة أو بطيئة، لكنها واقع وتحدث، وموضوع التغير الاجتماعي بصفة عامة بات من المواضيع المسلم بها لدى معظم دارسي العلوم الاجتماعية، لكن بقيت نظريات كبرى دون دحض أو اثبات، تتساءل: هل هذا التغير الدائم في حركات المجتمعات البشرية هي التي أثرت الإنسان وارتقت به، ومن ثم نقلته من عصور البدائية والحجرية حيث كان يسكن في الجبال داخل الكهوف ويتغذى على النباتات وبعض من لحوم الحيوانات حيث يصيدها مرة وتصيده الحيوانات المفترسة مرات، وكان الإنسان في العصر الحجري يخوض مغامرة بالغة الخطورة كلما قرر الابتعاد عن الكهف والتعمق داخل الغابة، حتى وصل إلى عصور النهضة الحضارية والانسانية حيث المصانع والتكنولوجيا والطب والعلوم والاكتشافات والرعاية الاجتماعية.. وبقيت عدة أسئلة جديرة بالنقاش حول الكيفية والدافع الذي نقل الإنسان من البدائية إلى الرقي، من الجهل إلى العلم. البعض يرجع ذلك إلى التغير المستمر وطبيعته اللاإرادية ، لكن هل للتغير كل هذا الوهج والفائدة؟ الدكتور ول ديورانت، وفي كتابه “مباهج الفلسفة” وتحت عنوان: “من المتوحش إلى المتحضر”، تطرق إلى هذا الموضوع بتفصيل دقيق وبحث مستفيض فقال: “إذا نظرنا إلى التاريخ نظرة شاملة رأينا أنه يشبه خطا بيانيا يسجل ارتفاع الدول وسقوطها ـ شعوب وثقافات تختفي وكأنها في فيلم هائل ـ ومع ذلك تبرز في تلك الحركة غير المنتظمة وتلك الفوضى في البشر بعض الحركات الكبرى تمثل ذروة تاريخ البشرية وجوهره، وهي بعض أنواع من التقدم لا نفقدها متى بلغناها. لقد تدرج الإنسان خطوة خطوة من كائن متوحش إلى كائن عالم”. ثم ان الدكتور ول ديورانت في كتابه القيم تحدث بإسهاب عن عشرة أسباب لهذا التحول، وأعطى كل سبب شرحا مفصلا. ونكتفي هنا بإيراد عناوين الأسباب العشرة، لأن كل واحد منها يستحق مقالاً مستقلاً. وهي على النحو التالي: الكلام، النار، الانتصار على الحيوانات، الزراعة، التنظيم الاجتماعي، الأخلاق، الآلات، العلم، التربية، الكتابة والطباعة. ولا غرابة في أن تجتمع هذه الأسباب لتنقل الإنسان إلى الرقي والحضارة، حتى وإن استمر تحوله عشرات الآلاف من السنوات، وحتى وإن كان كل سبب من هذه الأسباب أخذت عقودا طويلة جدا حتى يفهمها ويسخرها الإنسان لخدمته ولتكون لبنة في جسر طويل تم بناؤه لتخطو البشرية خطواتها الأولى نحو التغير إلى الأفضل. النتيجة النهائية ورغم كل هذه الحجج التي قد يتم سوقها، ورغم ما قد يقال، فإن الإنسانية استغرقت أوقاتا وأزمانا طويلة جدا ضاربة العمق في التاريخ، لتصل إلى ما وصلت إليه. إلا أن النتيجة النهائية والتي نعيشها اليوم بكل تجلياتها ووضوحها وسطوعها خير دليل على قوة ذلك الجسر ومتانته وأيضا نجاحه وصموده. ولعل السؤال المناسب أن يتم طرحه هو: هل كان الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي تطور؟ ولماذا؟ والإجابة هي: نعم، الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي تطور، وبالتالي ارتفع عن الحيوانات وعن سلوك الحيوانات، فبنى المدن وشيّد المصانع وأقام حضارات متنوعة ومتعاقبة، أما لماذا؟ فلأن الله قد منح الإنسان عقلا يمكنه من التفكير والاهتداء لما هو خير له، عقل يمكنه أن يتطور وينمو، عقل يمكنه أن يفهم ويصغي، عقل لا يكرر الأخطاء ويعمل على ابتكار سبل وطرق متنوعة، عقل طموح منفتح للتقبل، عقل فيه متسع لمليارات المعلومات. وبالفعل فإن عقل الإنسان يعد إنجازا بديعا بكل المقاييس. ففي كتابه “الدماغ والفكر”، الذي ترجمه الدكتور محمود سيد رصاص، قال مؤلفه الدكتور تشارلز فيرست: “إن خارطة الدماغ مقسمة مثل كرتنا الأرضية إلى نصفين يحملان أسماء مكتشفيها العظام، وفي كل دقيقة ينهل الدماغ 700 سم من الدم، ومهما حدث في بدننا فإنه لا يمكن الاستغناء عنها، وإن طرأ عجز لمدة دقيقة في التغذية بالأكسجين فإنه يسبب الغيبوبة ومن ثم الموت خلال ثماني دقائق. ويذكرنا شكل الدماغ بالفطر فقاعدته تشبه الجذع الدماغي وهو الجزء الأشد قدما، وتسيطر هذه البنية على الارتكاسات العظمى مثل البلع والسعال وتراقب التنفس وضربات القلب، وفوقه يأتي الدماغ الأوسط الذي حازته الثدييات منذ حوالي 150 مليون سنة، وهو يضم المراكز الشمية والذوقية والانفعالية، وأخيراً القسم الثالث وهو الأكثر حداثة، انه رأس الفطر الذي لا يتجاوز عمره عدة ملايين من السنين، إنه المخ الحقيقي، مركز كفاءتنا الخاصة باستقبال كافة أنواع الرموز انطلاقا من الكلام حتى الفكر المجرد، إنها ثلاثة أدمغة في واحد”. إذن هذا هو السبب الرئيسي، وربما الأوحد لتطور الإنسان، أما الأسباب الأخرى فهي تبع ونتيجة.. فكيف يستطيع الإنسان أن يتحدث دون عقل؟ وكيف اكتشف النار وسخرها لخدمته دون عقل؟ وكيف انتصر على الحيوانات دون عقل وتفكير؟ والزراعة هل يمكن أن نتصور أن الإنسان الأول عرف طرقها وأساليبها دون تفكير وتأمل ومراقبة وتجربة؟ والتنظيم الاجتماعي والأخلاق إلخ... هل كان يمكن لهذا الإنسان أن يتوصل لها ويمارسها ويستنتج دون تفكير وعقل؟ إنه العقل، هو الذي رفع الإنسان وجعله في القمة، وهو المعجزة الإنسانية الحقيقية التي تستعصي على الاكتشاف والمعرفة. قال العالم الإنجليزي فرانسيس كريك، الحائز جائزة نوبل: “الجزء الذي نعيه من الدماغ إنما هو كمية ضئيلة مما يجول في قفصنا الدماغي، فبعد أن توضع كل هذه الأعداد الهائلة من المجرات على خارطة الكون من قبل علماء الفلك بالدقة التي ينشدونها، فإن علينا استكشاف الدماغ الذي اكتشفها وهو الأشد تعقيدا منها”. ? ?في كل دقيقة ينهل الدماغ 700 سم من الدم ومهما حدث في بدننا فإنه لا يمكن الاستغناء عنها وإن طرأ عجز لمدة دقيقة في التغذية بالأكسجين فإنه يسبب الغيبوبة ومن ثم الموت خلال ثماني دقائق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©