السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطوفان.. في «جزيرة المشاعر»

الطوفان.. في «جزيرة المشاعر»
16 أغسطس 2012
كان مسرحاً متفرداً ولا يزال، حاز اهتمام الطفل، أينما ذهب، يعمل به شباب جادون، لهم رؤاهم وتوجهاتهم، ويرون أن الطفل لا بد أن يكون له خطاب خاص، ليس ككل الخطابات المباشرة، إذ لا بد من أن تكون هناك حكاية مشوقة ومن خلالها تبث الأفكار التوعوية والتوجيهية التي تنبه الطفل إلى ما يراد أن يضخ له من معاني. هو مسرح متفرد في إصراره على المضي باتجاه المستقبل والأفكار الجديدة، بالرغم من ضيق اليد التي يعملون بها، حيث تواجههم صعوبات المكان الذي يقيمون به بروفاتهم، وقلة ما لديهم من مال، ولهذا تراهم يذهبون إلى المؤسسات المعنية بالثقافة، لطلب دعمهم في كل عمل يريدون إنتاجه. إنه مسرح زايد للطفولة الذي يحمل تاريخاً مهماً يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً وفي صفحاته أكثر من عشرين مسرحية موجهة للطفل ومشاعره وأفكاره، ولهذا المسرح ابتكاراته وإصراره على العطاء، فكان لا بد لـ”الاتحاد الثقافي” أن يرصد ما ينوون تقديمه مجدداً في استكمال لمسيرة هذا المسرح المهم. فبعد جهد طويل قدم مسرح زايد للطفولة أعمالاً مهمة وصعبة، استطاعت أن ترسخ اسمه كونه مسرحاً مختصاً بقضايا وتوعية الطفل، وهذا التوجه صعب، حيث تجتمع فيه الكثير من الأفكار والطروحات، كما أنه صعب حيث تتوجه إليه الكثير من الآراء النقدية ذات المصادر النفسية والاجتماعية والقيمية وحتى الفلسفية. وفي ضوء ذلك استطاع مسرح زايد للطفولة أن يوازن كل هذه المفاهيم، وأن يقدم رؤيته بكيفية خطاب الطفل، حيث قدم الكثير، الكثير من الأعمال المسرحية منذ نشأته عام 1983 ومنذ أشهاره رسمياً عام 1984 يوم كان يعمل في بداياته تحت اسم “مسرح ليلى للطفل” باعتبار ليلى نموذجاً للبراءة التي تخاطب شخصيتها أقرانها من الأطفال، ثم تحول الاسم إلى “مسرح زايد للطفولة” تجسيداً لما قدمه المغفور له الشيخ زايد رحمه الله للطفولة ورعايته لها في عالم لا يزال لم ينتبه إلى هذا الجناح المهم في مجتمعاتنا العربية، وكان ذلك عام 2007. الأسطورة والحكاية وخلال هذه الفترة قدم مسرح زايد للطفولة أعمالاً منها “سر الحجر” و”مدينة السندباد” و”انقذوا النجمة” و”برودكاست من المريخ” و”تراث الأجيال” و”حكايات أبو غنوم” و”وين البحر” ويستعد لتقديم مسرحيته الجديدة “جزيرة المشاعر” بعد ايام قلائل. ولم تقتصر عروض مسرح زايد للطفولة على جمهوره المحلي، وإنما شارك المسرح في تجمعات ومهرجانات عربية منها “مهرجان تونس للطفل” و”مهرجان سوريا للطفل”، هذا ناهيك عن مشاركاته المحلية في مهرجان الإمارات للطفل، والذي يعد المهرجان المهم الذي تقدم فيه الفرق المسرحية أعمالها الموجهة إلى الطفل. وبعد هذه المسيرة الطويلة سيقدم مسرح زايد للطفولة عمله الجديد “جزيرة المشاعر” وهو من تأليف فضل التميمي وإخراج مبارك ماشي، وسيشترك في عرض ثيمة المسرحية أداءً وتقنياً الفنانون هنا وعبد الحميد البلوشي وعادل سبيت وعبدالله الراشدي وابراهيم القحوم وايمن الخديم ومحمد الغزالي ويدير الخشبة علي الشحي وتقنياً يدير المسرحية فضل التميمي وخالد السويدي وفهد التميمي، كما ان هناك جوقة تتكون من راشد جمعة وشعبان سبيت وموسى محمد ومنصور سعيد وعبدالله درويش. وتدور أحداث لمسرحية ـ كما يقول مؤلفها الكاتب والمخرج فضل التميمي ـ حول قصة فتاة تسمى “حنين” تحمل في أعماقها البراءة والشفافية، وفي الوقت نفسه فإنها تتميز بجمال براق وبذكاء حاد، وببديهية واضحة، وحينما تتواجد في غرفتها ترى نفسها في المرآة وتتذكر صديقاتها وتميزها بينهم في دراستها، ومتابعة معرفتها العلمية بجد وإخلاص، حيث استغل المؤلف ـ كما يقول ـ المرآة بوصفها ضميرا آخر للفتاة يعكس ما هو مخبوء في أعماقها وتصرفاتها وما تحمله من آراء وأفكار إزاء الآخرين، هذا بالإضافة إلى أن المرآة هي الصورة العاكسة التي تكشف كل العوالم المخفية. البراءة والغرور ويضيف فضل التميمي: “تستمر الحكاية حينما تسمع “حنين” صوتاً في غرفتها يخاطبها بطريقة يدعوها إلى الكف عن “الغرور” المتجذر في أعماقها، وكأنّ النص يريد أن يقدم إطارين للشخصية، أحدهما مستوى الواقع والآخر هو مستوى الذات المخبوءة في الأعماق، والتي تتكشف من خلال المرآة”. ويقول: “وأرى أنني أحاول في هذا النص تقديم حالتين متضادتين وهما البراءة/ الغرور في ذات طفلة ذكية، وهذا كثيرا ما نواجهه في حياتنا، ومن الضروري أن نقدمه للأطفال بوصفه رؤية تنبيهية كي لا تنعكس مستقبلاً سلبياً على تصرفاتهم”. ويضيف: “ترى الضمير يخاطبها بالابتعاد عن الغرور، وعندما تستفسر حنين عن مصدر الصوت، يعلن هذا الصوت أنه ما هو إلا ضميرها، فترفض حنين أن يكون هذا الصوت ضميرها، ما دامت تعرف أن ضميرها قد واجهها قبل ثوان في المرآة، حيث أردت من ذلك أن أقدم ضميرين، أحدهما ضمير حنين المخفي الذي ظهر لها في المرآة وهو الضمير الإنساني/ الذاتي الذي يواجهه كل منا حينما نقف أمام المرآة، وثانيهما ضمير الصوت الذي نبهها، كونه مادة تجسدت في نبرة تحذيرية قاسية”. ويقول التميمي: “ويبدو أن رفض حنين لنصائح هذا الصوت، جعله يحذرها من أنه سوف يلقنها درساً في كيفية التواضع وسماع ما يقال لها، وحينها ترفض حنين كل ذلك، ويؤكد الضمير أنه ما هو إلا ضميرها الذي لم تعرفه من قبل”. ويضيف “هنا حاولت أن أقدم شخصيتين خياليتين عن طبيعة مشاعر وأحاسيس الإنسان، إذ تظهر شخصية جديدة تمثل الغرور مقابل شخصية أخرى هي التواضع”. انعكاس الضمير ويستمر التميمي: “يسحب الضمير شخصية حنين، وقد تمثل بشخصية الغرور كي يعلمها درسا في التواضع، حيث يذهب بها إلى “جزيرة المشاعر”، وهناك تفرح هذه الطفلة بما في الجزيرة من خيال، وتعرفها شخصية الغرور على أصدقائه بالجزيرة وهم شخصيات تحمل أسماء ذوات خيالية منها شخصيات سلبية “شخصية الحسد” و”شخصية الغضب”، وهم يتقابلون تضادياً مع شخصيات أخرى إيجابية وهي “شخصية الحب” و”شخصية الملل” و”شخصية الحزن”، إذ أن الجميع يعيشون على أرض “جزيرة المشاعر”، فتكتشف عندما ترافق الشخصيات السلبية “الغرور والحسد والغضب” إنهم في حالة صراع دائم مع بعضهم البعض، وان كل شخصية تحب ذاتها بإفراط، وفي الوقت نفسه تكتشف حنين من مرافقتها للشخصيات الإيجابية “الحب والحزن والملل” أنهم متعاونون مع بعضهم الآخر، ويشعر كل منهم بمحبة أخيه بمستوى ما يحب لذاته”. ويقول التميمي: “بالطبع من المنطقي أن أوظف الجانب الأسطوري والحكائي والديني في النص الدرامي الموجه إلى الطفل، ولهذا كانت استلهاماتي في هذه المسرحية مأخوذة من قصة “نوح” حينما جاء الطوفان وطغى العالم فالتجأ إلى سفينة بناها بنفسه لإنقاذ الأخيار والاشياء”. ويضيف “عندما رأت “حنين” أن الحب والملل والحزن قد شرعوا في بناء سفينة لهم بعد أن سمعوا أن طوفاناً سيطغى على الجزيرة، وجدت أن مساعدتهم أصبحت ضرورة، حيث وجدت أن أحاسيسهم جياشة عبر عنصر التعاون الذي لابد أن يغرس في الطفل، وهذه المشاعر تختلف كثيراً عن مشاعر الغرور والحسد والغضب، الذين لا يملكون صفات تبحث عنها “حنين”، ويبدأ الصراع بين الكتلتين منصباً على السفينة، حيث أراد الغرور ومجموعته أن يهدموا السفينة، بينما أراد الحب إنقاذ الجميع من الإعصار”. الإعصار المدمر وينتهي الصراع المدمر بأن تستعيد المسرحية ألقها وذروتها داخل غرفة “حنين” عندما تفز من من لحظة دهشتها وتأملها في المرآة، وذلك بغرق الحب والغرور معاً في الإعصار المدمر، وكأن النص يبدو حلمياً، حيث يتجلى أثناء وجود حنين أمام المرآة، ويبدأ من جديد حوار آخر بين حنين وضميرها. ومن خلال هذا اللقاء مع فضل التميمي أردنا أن نعرف القراء بمشروع مسرح زايد للطفولة الجديد الذي سيقدم أول يوم عيد الفطر في إمارة الفجيرة على مسرح وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع. ومن الضرورة أن نعرف أن هذا المسرح يتميز بتنوع انتقالاته وأفكاره حيث ينتقل بين إمارات الدولة لعرض مسرحياته، ومن هذا المنطلق تراه يتوجه إلى الفجيرة. ويحاول كتاب هذا المسرح أن يعبروا عن مشاعر الطفل وليس توعيته المباشرة فقط إذ أنه يخاطب وعي الطفل بضرورة المسرح وتوجهاته ذات الأسس الصحيحة. لقد جرب مسرح زايد للطفولة عدداً من التوجهات في أغراض مسرحياتهم ومنها: 1) التوجه إلى الطفل في حياته الخاصة والحكائية في مسرحية “الفرسان الثلاثة”. 2) تناول جوانب الحياة الصحية في مسرحية “انقذوا النجمة”. 3) التعرف إلى السلوكيات السلبية وأهمية الجوانب الإيجابية في مسرحية “حكايات بوغنوم”. 4) تعميق أفكار الطفل حول المعرفة العلمية في مسرحية “مدينة السندباد”. 5) فتح مخيلة الطفل باتجاه العوالم الكونية في “برودكاست من المريخ”. 6) التعريف بالتراث المحلي في مسرحية “تراث الأجيال”. 7) في التوجهات الدينية والسيرة النبوية في “سر الحجر”. 8) معاناة الطفل في مسرحية “وين البحر”. 9) مشاعر الطفل وأحاسيسه في مسرحية “جزيرة المشاعر”. وأسهم مخرجون مهمون في اخراج هذه المسرحيات التي كتبت بأقلام شابة ومهمة ومثقفة، ومن المخرجين عبدالله الاستاذ وعلاء النعيمي وفضل التميمي وصالح كرامة ومبارك ماشي وفيصل الدرمكي، ومن المؤلفين سعاد جواد وصالح كرامة وأيمن سرحيل وفضل التميمي وفيصل الدرمكي. ويبقى مسرح زايد للطفولة علامة مهمة في خريطة المسرح الإماراتي المعنية بالطفل، حيث حصد الجوائز المهمة في المهرجانات المحلية ومنها جائزة أفضل أزياء وديكور والإضاءة، كما أشاد النقاد بإخراج نصوصهم خلال المهرجانات، كما أن هذا المسرح بما قدم من أعمال حظيت بدراسات وردود أفعال قوية. اهتم مسرح زايد للطفولة بنواحٍ فنية مهمة فيها محاولات قوية لشد انتباه الأطفال من ناحية الديكور والإضاءة والصوت والجوانب التقنية، كما لاحظنا ذلك في “انقذوا النجمة” و”برودكاست من المريخ” إذ إن النجوم كانت تأتي لامعة من خلف الجمهور لتدخل إلى قاعة المسرح وتنزل حتى قلب خشبة المسرح، مما أبهر الحضور بهذه التقنيات والإبداعات التي ظلت راسخة في أذهان الأطفال. هذا التنوع الجميل الذي كرّسه مسرح زايد للطفولة عبر تنوع موضوعات المسرحيات التي قدمها يجعل هذا المسرح في مصاف المسارح المهمة والمتقدمة في الإمارات والعالم العربي. مسرح الدمى ويبدو أن توجهات هذا المسرح ليست ذات طابع تجاري بقدر ما يمتلك من شعور بأهمية وقيمة ما يقدمونه للطفل، إذ ترى عروضهم لا تقتصر على الجمهور المنتخب، وإنما محاولاتهم دائماً الدعوة إلى الخروج حتى الساحات الأوسع من الأطفال. ومن هذا المنطلق يعرض مسرح زايد للطفولة في الأماكن التي يتجمع فيها الأطفال بعيداً عن خشبة المسرح، حيث يعرضون أعمالهم في الأسواق والساحات العامة. وكانت تجربتهم في مسرح الدمى قد أفرزت لهم شخصيات مهمة وهي عائلة بوغنوم التي تتكون من أربع شخصيات وهي “أبوغنوم وغنيمة وغنوم والمعلم مرشد” وقد شكلت هذه الشخصيات علامة مهمة في تجربة مسرح زايد للطفولة حيث تعرف عليها الأطفال وأعجبوا بها، وبتنوع ما يقدمون من أفكار متجددة دائماً وذات حكايات مختلفة تقدمها هذه الدمى الأربع التي استحوذت على اهتمامات وإعجاب الأطفال حيث كانت تقابل بترحيب وحب عميقين في المناسبات التي تعرض فيها مشاهد من أعمال يقوم بأدوارها هذه الشخصيات. وتجربة الدمى تعد جديدة على مسرح الطفل وقد تبناها مسرح زايد للطفولة الذي كان يحرص على أن يقدم ورشاً تعليمية في المسرح للأطفال حول كيفية تصنيع الدمى وتحريكها، وقد انتقلت هذه الورش إلى المراكز التعليمية المختلفة. إنه مسرح ناضج بحق يستحق الاهتمام بما قدم وما سيقدم، هذا بالاضافة إلى ضرورة أن يقرأ نقدياً بشكل عميق، ويبدو أن تمنيات القائمين على إدارة المسرح كبيرة في أن يمتلك المسرح مقرا دائماً لهم، يعرضون فيه أنشطتهم المسرحية، وأن يلتفت إلى هذا التكوين المسرحي الذي يحمل اسم “زايد للطفولة” من كون المسرح عنصراً من عناصر التوجيه المهم الذي يكلف الكثير الكثير، لقلة ميزانية المسرح لإنتاج مسرحية واحدة، ولهذا لابد للمؤسسات الثقافية أن تقف مع هذا المسرح المهم الذي قل نوعه وأصبح عملة نادرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©