الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رهان السلام في جنوب السودان

رهان السلام في جنوب السودان
26 يناير 2014 23:47
يواجه جنوب السودان اختبار تحمل صعب لا ينبغي أن تخضع له أية دولة، ناهيك عن أن تكون هي أحدث دول العالم وأكثرها فقراً. وتقدر جماعات المساعدة الإنسانية أن آلاف الأشخاص قتلوا، وأن ما يربو على نصف مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل أسابيع قليلة بعد أن اندلع القتال هناك في منتصف ديسمبر الماضي. وقد فر آلاف السكان من جنوب السودان إلى أوغندا والدول المجاورة، وتناقلت السيطرة على المدن الرئيسة في الدولة، ولاسيما تلك الواقعة بالقرب من حقول النفط المغرية، أيدي الفصائل المسلحة المتنافسة والجيش الوطني نفسه، الذي كان ميلشيا مسلحة قبل استقلال تلك الدولة في عام 2011. ويجادل المحللون السياسيون بشأن وصف أعمال العنف الأخيرة بأنها حرب أهلية، بينما كانت محادثات وقف إطلاق النار تجري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي اضطر القائمون عليها إلى نقلها إلى «ملهى ليلي» محلي بسبب عدم توافر مساحة ملائمة للاجتماع. ولكن كيف يمكن أن يتوصل شعب جنوب السودان إلى قواسم مشتركة في خضم سيل المآسي والأعمال الوحشية؟ وفي الحقيقة أن التوصل إلى أرضية مشتركة في جنوب السودان أمر ممكن، ويسهّله التقدير المشترك لتاريخ البلاد السياسي، وينبغي أن يشمل بناء السلام من القاعدة. وقد بدأ الوضع في جنوب السودان قبل خمسة عقود من الصراع السياسي والنزوح، وخلال الفترة بين استقلال السودان عن حكم الاستعمار البريطاني في عام 1956 وانفصال الجنوب في عام 2011، توحدت جماعات متنوعة عرقياً ودينياً ولغوياً تحت لواء المعارضة المشتركة للحكومات المتعاقبة في الشمال التي أخفقت في تمثيل مصالح الجنوبيين. واندلعت حرب أهلية في عام 1955 وانتهت في 1972 باتفاق سلام بين الجماعات المسلحة والرئيس الأسبق جعفر نميري، وعقب اتفاقات السلام، عاد ملايين الناجين من الحرب إلى جنوب السودان سيراً على الأقدام، ثم بدأت الحرب الأهلية من جديد بعد عقد آخر في عام 1983، ومرة أخرى نزح كثيرون إلى الشمال وخاصة إلى الصحاري المترامية حول العاصمة السودانية الخرطوم. وظل بعض النازحين أكثر من عشرين عاماً، إلى أن وضعت الحرب أوزارها في عام 2005، في مكان كان العالم يأمل أن يكون ملجأ «مؤقتاً». وحملت اتفاقات السلام في عام 2005 بين الجماعات الجنوبية المسلحة والرئيس عمر البشير ملايين الجنوبيين على العودة مرة أخرى إلى جنوب السودان. ولكن مثلما تعلم العالم من أحداث العنف والنزوح في يناير الجاري، يبدو أن النموذج الشرير من التاريخ يتكرر في الجنوب، ويجعل الجنوبيين الآن هم الشعب الأكثر نزوحاً في العالم. وفي كل مرة تضع الحرب أوزارها في المنطقة، تتهافت وكالات الأمم المتحدة وجماعات المساعدة لدفع الناجين إلى العودة إلى أطلال قراهم، إلى أن تتسبب الموجة التالية من العنف في رحيلهم عنها من جديد. وعلى رغم أن الموقف المشترك ضد الشمال كان كافياً كي يحقق جنوب السودان الاستقلال، لا يبدو وجود عدو مشترك في جنوب السودان أساساً كافياً لاستمرار الوحدة الوطنية، ولاسيما أن عدداً كبيراً من الجنوبيين لا يزال يعيش في الشمال. وفي حين يبدو وضع حد للقتال هدفاً ضرورياً على المدى القصير، إلا أن إحلال السلام الدائم وتخفيف حدة الفقر ستنطوي على جهود جوهرية من القاعدة، ويمكن للقادة المحليين والشخصيات الدينية والنشطاء المدنيين ترويج رسالة التسامح التي تتجاوز الاختلافات الإثنية والقومية والسياسية والدينية وهي عوامل طالما حفزت الشباب على المشاركة في الصراعات الأفريقية. ولحسن الحظ، هناك عدد من جماعات المجتمع المدني في جنوب السودان لديهم القدرة على تعزيز ثقافة المصالحة من القاعدة، بما في ذلك قادة محليون وزعماء دينيون وجماعات مدافعة عن حقوق المرأة وعاملون في المجال الصحي يعملون مع شباب شتتت شملهم عقود الحرب. وربما يبدأ إحلال السلام من القاعدة في جنوب السودان من خلال ناشطات حقوق المرأة، ولاسيما أن كثيرات منهن خاطرن بحياتهن بتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان من جانب كافة أطراف الحرب الأهلية في السودان. وبعد ذلك، أثناء الفترة الانتقالية المليئة بالعقبات على طريق الاستقلال، قادت الناشطات برامج إغاثة تركزت على النازحين والمهمشين، في مقابل مبالغ قليلة أو بلا مقابل إلى أن وصلت وكالات المساعدة. وقد شكلت هؤلاء الناشطات من الفتيات إلى الجدات شبكة قوية يمكنها الحشد مرة أخرى، ولكن في هذه المرة من أجل إحلال السلام المحلي. ويعتبر قادة المجتمع المحلي مصدراً مهماً آخر يمكنه المساعدة على نزع فتيل التوتر، إذ لا يمكن لجماعات المساعدة أن تدخل مناطق جديدة من دون دعم ومساعدة القادة المحليين أو آخرين يتمتعون بثقة مجتمعاتهم. وحتى من دون مساعدة خارجية، يمكن عبر الحوار على المستوى المحلي بين قادة المجتمع المساعدة على رأب التصدعات والشروخ بين الأطراف والجماعات المتصارعة. ويمكن أن تبدأ العوامل المشتركة في جنوب السودان من القمة إلى القاع، مع وقف إطلاق النار، أو من الخارج بمساعدة الحلفاء ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة. ولكن في النهاية، يجب أن يتم إحلال السلام في أكثر دولة نزوحاً في العالم على مستوى القاعدة، عبر انخراط الجماعات المدنية الموثوقة وقادة المجتمع سوياً في نضال مشترك من أجل السلام. ‎مارك فتحي مسعود أستاذ مساعد للدراسات السياسية والقانونية في «جامعة كاليفورنيا» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©