الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الكتابة والطقوس

23 نوفمبر 2010 00:28
سألتني صديقة كاتبة حول طقوسي في الكتابة. فوجدت السؤال كبيراً، فالطقوس في النهاية ترتبط بالاعتقاد والعقيدة، ولم أصل في الكتابة لهذا المستوى. ثم وجدتني أفكر في كيف أكتب ووجدت أنني أسير على نفس النسق في كل مرة. فعندما أجلس لأكتب، أعرف أني جالسة لأعيش. وأني هنا سأكون أخيراً كما أنا، فأخلع ساعتي، أساوري، خواتمي، وأفتح شعري، وأحضر كوب نسكافيه بالحليب وقليل من السكر في كوب كبير، فهذا يجعلني أشعر بأن الحياة لذيذة وفيها متسع بعد. أجلس أمام شاشة الكمبيوتر، أدور موسيقى ما، وافتح صفحة بيضاء، وأقول ها أنا. ها أنا هنا أتنفس، كما أنا، فقط تماما كما أنا ولا أريد من ذلك أي شيء سوى أن أتنفس. لن أشذب شيئاً، سأكتب فقط، وحين يشتد في القلب المطر، سأحضر فنجان قهوة أسود بلا سكر، وستتجهم ملامحي، ولن أستقبل أحداً، لن أكون ساعتها صالحة لاستقبال بشر، لرؤية مخلوق يسير على قدمين ويخرب الأرض بمليون قدم، فعندها فقط أكون مع الكلمة، وتبدو الكلمة أصدق وأكثر براءة ونقاء وطهارة وأقرب إلى الله. وكلما دخلت إلى الصفحة البيضاء أكثر وحبرتها أكثر كلما شعرت بأني لا أنتمي لشيء، سوى ذاك الشيء الذي كوًن عجينة خلقي الأولى. فيصير قلبي فراشة، وأصير طيراً أبيض بريش كثيف يمكن أن يصعد إلى السماء دون أن يبكي على الأرض ومن عليها. طقس الكتابة هو طقس حياة. هو طوق نجاة، فلولاه لكنت قد غرقت منذ زمن في مستنقعات مختلفة ألوانها تميل إلى السواد أو الأخضر الغامق الموحي بتكاثر الطحلب، وأنا أكره الطحالب والأماكن التي تتكاثر فيها وخاصة إذا كانت في العقول، عندها تصير الحياة مثل حبل مشنقة، ويصير الاحتفاظ بمهارة التنفس ضرباً من المعجزة. لم أنجز الكثير في الكتابة رغم ذلك، لكن مجرد الانشغال بالأمر يجعل الحياة أكثر احتمالا، أكثر منطقية، ومبررة أكثر كل سلوكيات البشر. سأصل لاحقا لمرحلة إغلاق الموسيقى وكل مصدر للصوت، سأتوقف عن احتساء القهوة مُرّة كانت أو بسكر. سأعقد ما بين حاجبي، وأفكر فقط في كوني مخلوقاً حيّاً يريد أن يقول رأياً ويعبر عن تضامنه معك، عبر إحساسه المفرط بك ورغبته الجامحة في أن تستحيل الأرض إلى جنة وقلوب البشر إلى ملائكة، بهذا المعنى تصير الكتابة عملية إعادة خلق عسيرة، مؤلمة، ولكن في النهاية مُحرّرِه مثل موت. وبهذا المعنى تصير الكتابة طقساً بحد ذاتها.. عقيدتها الحياة. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©