الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الولد لأبيه»

24 أغسطس 2013 20:23
استدعىَ اعتماد اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة التبغ وحظر التدخين أثناء قيادة السيارة الخاصة، ولا سيما في وجود أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، على وجه التحديد، بدايات معاناتي مع التدخين. نعم إنها رحلة معاناة حقيقية متعددة السلبيات والأضرار.ووجدت نفسي أجتر حتى إرهاصات طفولية، وكثير من الصور السلبية القاتمة الكامنة في صفحات الذاكرة، لعلها تفيد كل من يقرأ هذه السطور، في ضوء ما نقتبسه من أبعاد تربوية إيجابية لهذا القانون، والتأثير التربوي السلبي للأب المدخن. لا أعرف لماذا كنت معجباً ـ منذ وقت مبكر في طفولتي ـ بطريقة إمساك والدي ـ رحمه الله ـ للسيجارة، وأتذكر أنني كنت أمسك القلم وأقلده وهو يدخن، وكنت أحاط بالضحك والإعجاب ممن حولي، وأحياناً كان ينهرني بشدة، ربما في استقراء مبكر لما قد عانيته بعد ذلك. ولازلت أتذكر كيف عوقبت عندما سحبت سيجارة من علبته ووضعتها في فمي دون إشعال، ورحت أقلده، ونلت نصيباً من العقاب، الذي اقترن بنصائح وتحذيرات غير مقنعة لي. ربما سألت نفسي دون وعي: إذا كانت السيجارة ضارة.. فلماذا يدخنها والدي؟ في مرحلة لاحقة بعد عدة سنوات، قررت أن أستعيض عن السيجارة بتدخين «الشيشة»، ونجحت لفترة معينة، إلى أن أعاد التاريخ نفسه. كنت أصطحب أسرتي وأطفالي لقضاء وقتاً في عطلة نهاية الأسبوع على رمال أحد الشواطيء برفقة بعض الأسر الصديقة، وكالعادة نُصبت «الشيشة» ـ لزوم السهرة ـ وغطت سحب دخانها، وعبق رائحتها المكان، وراح طفلي الصغير البالغ من العمر ثلاث سنوات في وقتها ـ يركض ذهاباً وإياباً مع غيره من الأطفال تحت سحب دخان «الشيشة»، بشكل متعمد، ونهرته بشدة أن يبتعد، وأن يختار مكاناً آخراً للجري واللعب بعيداً عن تأثير دخان «الشيشة»!.. المفاجأة المدوية، أن أجابني ولدي بشكل قاطع، وقال: «إنه رائع.. أنا أحب رائحة الدخان..!»، وانعقد لساني عن الكلام، وتسمرت للحظات نظرات كل الموجودين أمام تساؤلات عيونهم لبعضهم البعض، لتفسير ما سمعوا! لم يشغلني في تلك اللحظة سوى أن أجتهد لأمحي تلك الانطباع الجيد في نفس ابني الصغير عن رائحة الدخان، وعليه لابد وأن أنتزع من ذاته ذلك، بل لابد من غرس تجربة مريرة، وخبرة سلبية لتحل محل هذا الانطباع، فتظاهرت أنني أصبت بمغص حاد، وقيىء شديد، وألم حاد بالمعدة، والشعور بالدوخة، وجاء يسألني في براءة: «ماذا بك يا أبي؟» فأجبته: «إنه دخان «الشيشة» اللعين.. هيا.. ساعدني كي نتخلص منها في صندوق القمامة.. إنني لن أشربها بعد اليوم» وبالفعل، ساعدني في ذلك، وتخلصنا من كل المتعلقات، وتخيلت أنني نجحت في التمثيلية التي مثلتها معه!.. المهم أنني قضيت طيلة سنوات صباه ومراهقته في إسداء النصائح، والتحذيرات، وغيرها من محاولات إكسابه ثقافة منفرة للتدخين، لكن للأسف كل الجهود ضاعت سدى، وتلك هي أهم سلبيات تدخين الآباء. واستوعبت جيداً معنى قول:«الولد لأبيه»! المحرر | ‏khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©