الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرض التبكير والتأخير في المواعيد

مرض التبكير والتأخير في المواعيد
12 سبتمبر 2014 20:40
أنت مدعو لحضور حفل أو لقاء، فإن كنت تعتقد أن من الضروري أن تكون موجوداً في الوقت المحدد بالضبط، فـ - «ليس لي معك كلام» ومع السلامة، أما إذا كنت تعتقد أن من المناسب الحضور قبل أو بعد ذلك بساعة، فتفضّل إلى العيادة! ???كنت مسترخياً على مقعدي أستمع لسيمفونية بيتهوفن حين طرق مساعدي الباب وقال إن المصاب بمرض التبكير وصل، فألقيت نظرة إلى ساعتي، وأخبرت مساعدي بأن يطلب منه الانتظار في صالة الاستقبال والتحديق في الحائط. وبعد ساعة بالضبط، طرق المريض الباب ودخل، فسألته بعد أن تمدد على السرير أمامي: - لم حضرت قبل الموعد بساعة؟ - حاولت ألا أفعل، لكنني فشلت. - هذا من حسن حظي، وإلا كنت سأضطر إلى إقفال عيادتي بالشمع الأحمر. . لكن لم كنت تضغط على بنزين السيارة لتصل مبكراً؟ - لأنني أراعي أوقات الآخرين، خصوصاً إذا كانوا أطباء بارعين. - شكراً لك. . وماذا عن الساعة الضائعة من عمرك في الانتظار؟! - ههه. . كنت سأبددها على أي حال في أشياء تافهة. - مثل؟ - لا شيء محدد. - انهض رجاء وافتح فمك وقل: آه. وبعد أن تأوّه المريض ونشر رائحة بصل في المكان، قلت له: - اسمع! أنت تشعر بأن الجميع أهم منك، وما داموا كذلك، فأوقاتهم أهم من وقتك، ومن ثم لا تجد مشكلة في هدر وقتك، لئلا تتسبب - لو وصلت متأخراً - في هدر ثانية واحدة من أوقاتهم التي تذهب في اختراع الأشياء. - أنا أحب الالتزام بالمواعيد، فقط! وهنا طلبت من المريض النهوض لأستلقي في مكانه وأطلب منه علاجي، لكنه اعتذر وطلب مني المواصلة: - أنت تلبّس شعورك بالدونيّة رداء جميلاً اسمه الالتزام بالمواعيد، لكنك في الواقع تصل قبل المواعيد بساعة ولا ترى مشكلة في ذلك، وعليك منذ هذه اللحظة تقييم وقتك، فساعة التحديق في الحائط كان من الممكن أن تذهب في تصفّح مواقع البورصة العالمية، لعلّك تشتري سهماً اليوم وتبيعه غداً. كان من الممكن أن تقضي الساعة في البيت وتنجب طفلاً. وقبل أن أنهي كلامي فوجئت به يهمّ بالوقوف ويقول إنه عرف العلاج ولا وقت لديه لتضييعه ممّدداً على السرير مثل جثة، فطلبت منه الاستلقاء مجدداً وواصلت: - ثانياً، تعوّد على طلب المساعدة من الآخرين، فأنت تخشى أن يفوتك ما سيقوله المحاضر لو وصلت متأخراً، لكن أين المشكلة لو تأخرت قليلاً ثم طلبت من الذي يجلس إلى جانبك أن يخبرك بإيجاز ما قاله المحاضر قبل وصولك؟! - يجب أن أفهم أن السماء لن تنطبق على الأرض لو فاتني شيء. - عظيم! والآن اخبرني: هل وقع شخص من عائلتك في كارثة بسبب تأخره، كأن أقلعت الطائرة التي كانت ستحمله إلى بلد يتعالج فيه من مرض خطير ومات بسبب ذلك في المطار؟! وهل كان هناك شخص مسؤول عنك يطلب منك بتهكّم ألا تذهب إلى أي مكان إن كنت ستصل إليه متأخراً؟! عليك أن تتعرف إلى تلك الكارثة أو ذلك الشخص، ثم تسأل نفسك: هل سألقى حتفي لو تأخرت على جلسة «الشيشة»؟ ولم لا يحدث أي شيء لمعظم الأشخاص الذين أراهم يتأخرون؟! - كان والدي يحذرني دائماً من التأخير. - حسناً، والآن ركّز فيما أقوله، اختر مناسبات تتأخر فيها عمداً، لتكتشف بنفسك أن الأرض لن تتوقف عن الدوران. لكن أرجو ألا تفعل ذلك إن كان مطلوباً منك تحكيم مباراة نهائي كأس العالم مثلاً. - سأفعل. - ممتاز. . والخطوة الأخيرة في علاجك أن تفعل أي شيء مفيد لو وصلت مبكراً. مثلاً، أسفل هذه البناية هناك محل تحف، فلم لم تفكر في قضاء تلك الساعة لرؤية التحف، أو حتى سرقتها، بدلاً من التحديق في الحائط؟! ???بعد مغادرة المريض بالتبكير، وصل المريض بالتأخير، فطلبت من مساعدي أن يخبره بأنني مشغول، واتفقت معه على أنني سأخرج من الباب الخلفي وسأدخل من الباب الرئيسي باعتباري مريضاً. وفعلاً، دخلت العيادة وألقيت التحية على المريض وجلست إلى جانبه. وبعد قليل نظرت إلى ساعتي وقلت: - سأدخل بعد ربع ساعة، بحسب الموعد المحدد لي، فلم أتيت باكراً قبل موعدك؟! - ههه لم يسبق أن وصلت باكراً إلى أي مكان. والحقيقة أن موعدي قبل موعدك، لكن يبدو أن الطبيب مشغول. - تقصد حمار لا يبالي بأوقات الآخرين؟! لا أدري كيف يعالج الناس وهو مريض أصلاً. - مريض؟! - ألم تسمع بمرض الوصول متأخراً؟! طبيعي أنك لم تسمع به، لأنك أصلاً وصلت في الوقت المحدد بالضبط. - في الحقيقة. . - تعرف؟! كنت مصاباً بهذا المرض قبل سنوات طويلة، وكنت أعتقد أن تأخري في الحضور سيضعني في موقع قوة، وأنني أتحكم في المواعيد، وأن الوصول في الوقت المحدد، سيحط من شأني، لو حصل أن تأخر أحدهم ووصل بعدي. . ههه كنت أسير مجموعة أفكار غبية. - لكن الطبيب لن يذهب إلى أي مكان ليتأخر أو لا يتأخر في الوصول! - قد يكون فيروس مرض هذا الطبيب مختلفاً. فهناك أربعة فيروسات تتسبب في هذا المرض، أولها فيروس الأهمية الذي يعطي حامله شعوراً بأنه أكثر أهمية من غيره، ووقته أثمن من وقته. ولأن المريض أصلاً حمار، فإنه يحاول إخفاء أذنيه الكبيرتين بالظهور أمام الناس بمظهر الشخص المهم، وأنه تأخر عليهم لانشغاله في رتق ثقب الأوزون. وربما صاحبنا الطبيب يجلس الآن في غرفته بلا عمل، ليثبت لنا أنه مشغول في وضع نظرية تنسف نظريات سيغموند فرويد. - فريد؟! - سيغموند فريد شوقي، ألم تسمع بها؟! فنانة معروفة. - كلا. - المهم، وهناك فيروس الاحترام، ويشعر حامله بأن رأي الآخرين فيه ليس مهماً، فهو يتأخر عليهم ويعرف أنهم سيعتقدون أنه لا يحترم نفسه، لكنه لا يبالي، لأنه أصلاً لا يحترم نفسه. - يعني من جماعة «ما عليّ من كلام الناس»؟! - بالضبط. . وهناك فيروس الإثارة، ويشعر حامله بأن الحياة فيلم أكشن، ويبحث عن هذه الإثارة في كل شيء، فحين يكون على موعد، فإنه ينتظر في البيت حتى آخر لحظة، ثم فجأة يرتدي ثيابه، ويقود سيارته بسرعة كأنه في مغامرة، وفي أحيان كثيرة يصل متأخراً، ومع هذا، يشعر بالسعادة والفخر حين يجد نفسه حياً يرزق، لأنه وصل إلى الحفل أو اللقاء، وليس إلى ثلاجة الموتى. - في الحقيقة. . واقترب مني المريض أكثر وأضاف بألم: أنا مريض بالتأخير. - كيف وصلت في الموعد المحدد إذن؟! - بالمصادفة. - لا تحزن! علاجك سهل، فأولاً عليك أن تعرف أن التأخير بسبب الرغبة في التحكّم ناجم عن شعور بالفشل، وهذا الشعور يجعلك تقلل من قيمة نفسك، وتحاول الابتعاد عن تولي المسؤوليات، لكنك مع هذا تحاول أن تثبت لنفسك أنك لا تزال مسيطراً على الوضع، من خلال التحكّم في بعض الأشياء التافهة، كبدء اللقاء. والعلاج يكون من خلال تولي مسؤولية إنجاز بعض الأشياء الصغيرة، كتشذيب أشجار الحديقة، ثم التدرج في تحمل المسؤوليات. أي اجعل التحكم في شيء تنجزه وليس التحكم في الأشخاص الذين ينتظرون وصول «حضرتك». وإذا كنت تتعمد التأخر على بعض الأشخاص انتقاماً منهم، لأنهم تسببوا في إثارة غضبك مثلاً، فالحل يكون في التنفيس عن الغضب في أشياء أخرى، كممارسة الجري مثلاً. وأخيراً عليك أن تعرف أنك مهم بالنسبة لمن ينتظرونك، وأن تأخرك عليهم يتسبب في خسارتهم بطريقة أو بأخرى، ويفضّل أن تسألهم عن الآثار الناجمة عن تأخيرك، وحبذا لو اتفقت معهم على تحمّل بعض العقوبات عن كل عشر دقائق تأخير، كأن تدفع الحساب في المقهى. أخذ المريض نفساً عميقاً وبدى عليه الارتياح، ثم قال: - سأذهب الآن. لا أحتاج إلى رؤية هذا الطبيب المريض. . شكراً لك. - في الخدمة 24 ساعة. - سؤال أخير. - تفضّل! - ممّ تعاني؟ - أنا؟! لا شيء، جئت لأحصل على ورقة تحويل إلى مستشفى المجانين. ?ملاحظة: الجانب العلمي من هذا المقال مأخوذ من كتاب «التحليل النفسي الفوري» للدكتور ديفيد ليبرمان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©