الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التميز في الإسلام مطلب شرعي وضرورة يقتضيها تقدم الأمة

27 أغسطس 2011 23:26
أبوظبي (الاتحاد) - التميز كلمة جميلة، يسعى إليها كل إنسان سوي في الدنيا، وقد يصل الحال بالإنسان إلى أن يدفع أموالاً، ويبذل أوقاتاً، من أجل الوصول إلى التميز الذي ينشده، فما هو التميز المطلوب؟ وبماذا نتميز؟ التميز هو أداء العمل المألوف بطريقة عالية الأداء، حتى يبدو فضله على مثله، وهذا يتطلب من المرء أن يعرف جميع تفاصيل المهارة التي يقوم بها، وأن يكون إبداعه في مجال لم يبدع فيه الكثير من الناس، فلا يكون عمله مكرراً فيملّه الناس ولا يهتمون له. والتميز طبيعة فطرية، قائمة على حكمة إلهية، فقد ميّز الله الإنسان عن باقي المخلوقات بالعقل، من أجل أن يقوم بدوره في عمارة الأرض وإصلاحها، بل إنَّ التميز أصل في الخلقة البشرية نفسها، فالتفاوت واضح بين الناس في القدرات، ولا يوجد شخص لديه جميع المواهب أو المهارات، وقد راعى النبي هذا الأصل البشري، فكان يوظف أصحابه في ما يتميزون به من عمل، فاستعمل خالداً في قيادة الجيش لما تميّز به من خبرة قتالية وشدة في العيش، فكان النصر حليفه في كل معركة، وادَّخر أبا هريرة إلى جواره، لما رأى فيه من التميز في الحفظ والذاكرة، فروى لنا أكثر من أربعة آلاف حديث، واختار زيد بن ثابت لتعلم اللغات، ليتسنى له ترجمة الكتب التي تأتيه، فأتقن السريانية في خمسة عشر يوماً.. وكان النبي يوزع شهادات تميّز على أصحابه بين الفينة والأخرى تقديراً لجهودهم في المجالات التي برعوا فيها، فقد روى أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ”، ومن قبلهم تميَّز رسول الله عن كل قومه، فكان يُلقّب بـ (الصادق الأمين)، وميّزه الله عن سائر الأنبياء بجملة من الخصال، فكان يقول: “أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي، فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً”. مطلب شرعي والتميز مطلب شرعي، وحاجة ضرورية، لأنه وسيلة للنجاح في الدنيا، قال الله تعالى:(ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً)، وقال رسول الله: “من عمل منكم عملاً فليتقنه”، فإحسان العمل وإتقانه من التميز، والتميز سبيل التقدم والحضارة والازدهار، وهو سبب رئيس في ظهور الاكتشافات العلمية، التي أفادت الأمم البشرية، وتاريخنا الإسلامي يشهد للمتميزين من هذه الأمة، الذين أثروا الفكر الإنساني بمؤلفاتهم وإنجازاتهم العلمية، في الطب والرياضيات، والفيزياء والكيمياء، والجبر والهندسة، وعلم الفلك والبصريات... حتى كانت كتبهم تدرس في جامعات أوروبا. ولهذا التميز طرق وأسباب، منها: علوّ الهمة والصبر والإصرار، ففي سبيل التميز من العقبات ما قد يفتر عنده طالب التميز، ولذا كان لابد من علو الهمة، للوصول إلى رقي الفرد والمجتمع، ومن أسباب التميز أيضاً: احترام المرء لمواهبه واستغلاله لإمكاناته وما يتقنه من اختصاص، واحترامه كذلك للوقت، فالإنسان الصالح الراقي هو من يحترم وقته ولا يضيعه، بل يستثمره في أعمال البر والخير، وفي الوصول إلى الإبداع والابتكار. تميز المسلم التميز المطلوب لا يكون بالمباهج الدنيوية، ولا بالعلوم التي لا تنفع، بل يكون بالحق الذي يبعث المرء على الفضيلة، كأن يتميز المسلم بتمسكه بدينه وشريعته، فلا يضيّع فرضاً، ولا يفوّت واجباً، ولا يرتكب منهياً عنه، ويكون التميز أيضاً بالأخلاق الفاضلة، فهي أساس التعامل مع الخلق، قال رسول الله: “إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا”، ومن أبرز ما يتميز به المسلم أيضاً النظافة والمظهر الحسن؛ لأنَّ ديننا دين النظافة والجمال، قال رسول الله: “أَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ”، ويكون التميز كذلك في الفكر والعلم والتعليم، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، ويكون في التعامل مع الآخرين، وذلك باحتواء الناس ومحبتهم، ومصاحبتهم ومنفعتهم، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). والتميز مطلوب من الموظف في عمله، بأدائه للواجبات بكفاءة وإبداع، وسرعة وإتقان، ومطلوب من الأبوين في البيت، بكسب قلوب أبنائهما، وإظهار المحبة لهم، والاهتمام بأحوالهم ودراستهم، ومطلوب من الزوجين، ببذل المودة والإكرام، والرحمة والاحترام، ومطلوب من كل فرد في المجتمع، كالتاجر في متجره، والصانع في صنعته، والمعلم مع طلابه.. وبقدر ما يتميز المسلم بواحدة من هذه المجالات، يرتفع في التميز والتفوق درجات. مخاطر لكن التميز محفوف ببعض المخاطر التي قد يسقط فيها المتميز، كالوقوع في الغرور والعجب وحبّ الأنا والذكر، لأنَّ النجاح يُلبس صاحبه أحد ثوبين: إما ثوب الصدق والوقار، فيغدو بين الناس محبوباً، أو ثوب التعالي والغرور، فيغدو عند الناس ممقوتاً، كما يُخشى على المتميز أيضاً من الشعور باليأس والملل، والركون إلى الاسترخاء والفتور، فيترك ما أعدّه من جهد وبناء. إنَّ التميز سهل ويسير، لكنَّه لا يأتي في يوم وليلة، بل يجب أن تعمل لبلوغه ليل نهار، وأن تتدرب تدرباً جيداً في مجالك كي تعرف كلّ تفاصيل عملك، وأن تحدّد هدفك الذي تسعى إليه، وأن تكون لديك رؤية واضحة لما تريد أن تفعله، على أن تكون هذه الرؤية مرتبطة بالله، مع التعرف والاطلاع على تجارب السابقين للاستفادة منها، وملازمة التدرج في طريق التميز، فلا ينتقل إلى مرحلة حتى يكمل التي قبلها، ثم لا بد من استشعار المسؤولية، عن طرق ملازمة التقوى لله تعالى، فقد قال سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). الفشل ليس نهاية الطريق قد يكون دون التميز عقبات، إلا أنَّ الفشل ليس نهاية الطريق، بل هو حادث عارض، لا بدَّ أن يعقبه النجاح والتوفيق، كدأب الأنبياء مع أقوامهم، فقد كانوا يكررون المحاولة تلو الأخرى في سبيل هداية الناس ودعوتهم، فالتميز رحلة لا ينتهي دربها، وليس لها حدود أو حواجز تقف عندها، فلا تكاد تصل إلى مرحلة إلا وتسمع من الأخرى نداء، وهكذا ما للترقي من انتهاء. د. أنس محمد قصار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©