الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكيماوي السوري: عقبات أمام المفتشين

الكيماوي السوري: عقبات أمام المفتشين
24 أغسطس 2013 22:15
مع توالي التقارير القادمة من سوريا، والتي تتحدث عن سقوط مئات المدنيين بسبب استخدام مواد كيماوية في الصراع الدائر هناك بين النظام والمعارضة إثر قصف تعرضت له مناطق خاضعة لسيطرة الثوار، وهو الهجوم الأشرس من نوعه حتى الآن، يواجه فريق مفتشي الأمم المتحدة الذي وصل إلى سوريا مؤخراً تعقيدات جديدة تضاف إلى ما ينتظره من صعوبات في إطار أول مهمة تشرف عليها الأمم المتحدة للتحقيق في احتمال استخدام السلاح الكيماوي. والحقيقة أن المفتشين حتى قبل الهجوم الأخير على المناطق القريبة من العاصمة دمشق كانوا يواجهون تحديات جسيمة لاستكمال مهمتهم وإنجاح ما انتدبوا لأجله. فبعد شهور من المفاوضات العسيرة مع دمشق لم يُسمح للمفتشين سوى بالتحقيق في ثلاثة مواقع من أصل 13 آخر يقال إنها تعرضت لحالات استخدام السلاح الكيماوي في سوريا. كما وُجهت إليهم تعليمات واضحة في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الحكومة السورية بعدم الإشارة إلى الفاعل في حال أثبتت التحريات وقوع هجوم كيماوي على المواقع. ومع أن الهدف العام من إجراء التحقيق حول استخدام تلك الأسلحة هو بعث رسالة واضحة من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة بأنه لا يمكن التسامح، أو التهاون مع مسألة استخدام السلاح الكيماوي، بعدما تراجعت إدارة أوباما عن خطوطها الحمراء، إلا أن القيود المفروضة على فريق المفتشين ومحدودية قدرته على إحداث اختراق فعلي يكشف حقيقة استخدام السلاح الكيماوي، بل وحدوث هجمات جديدة في الوقت الذي كان فيه الفريق متواجداً بدمشق، واحتمال عدم السماح لهم بالتحقيق في المواقع الجديدة والبقاء معزولين في غرف الفندق، كل ذلك يضرب الرسالة ويهز مصداقية الأمم المتحدة التي سينكشف في النهاية عجزها. ومن المهم أولاً فهم ما يمكن للفريق الأممي إثباته وما لا يستطيع في ظل محدودية التفويض الموكل إليه من جهة، وفي ظل الألغام السياسية التي قد تجعل من حكومة الأسد المستفيد الأكبر من تحقيق الفريق من جهة أخرى، مع ما قد يؤدي إليه ذلك، في حال خرج النظام منتصراً من التحقيق، من تطرف متزايد للمعارضة ولجوئها إلى أساليب يائسة علها تنتصر على النظام. وفيما سارعت فرنسا وإسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة إلى استنتاج أن الأسد استخدم بالفعل السلاح الكيماوي، ولاسيما غاز «السارين» القاتل، إلا أن المجتمع الدولي واجه هذه المزاعم بالمزيد من التشكيك. فقد كانت تلك الدول نفسها هي من قدم دلائل ملفقة عن امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل قبيل غزو العراق في 2003 ليتبين لاحقاً عدم وجودها، وليشكل ذلك فشلاً استخبارياً ذريعاً صب في مصلحة دعاة الحرب. ولذا وعلى رغم القرائن التي تشير إلى استخدام النظام لعناصر كيماوية في بعض المواقع السورية في أبريل الماضي، تبقى احتمالات العبث بالأدلة، أو تلفيقها، أيضاً واردة. ولكن حتى في ظل الصعوبات والمحاذير فقد توجه فريق التفتيش الأممي إلى سوريا برئاسة الخبير السويدي في الأسلحة الكيماوية، إيك سيلستورم، ومعه خبراء من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومنظمة الصحة العالمية. وتفادياً للحساسيات السياسية حرصت الأمم المتحدة على أن يكون أعضاء الفريق من دول أوروبا الشمالية وأميركا اللاتينية وآسيا، والابتعاد عن ممثلين للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، أو حتى الدول العربية وتركيا. وهكذا سينحصر عمل الفريق على زيارة ثلاثة مواقع يُشتبه في أنها تعرضت لهجوم كيماوي يقع أحدها بالقرب من مدينة حلب بقرية «خان العسل» الذي تعرض لهجوم في مارس 2013، حيث كانت الحكومة السورية هي من وجهت الدعوة للفريق بزيارة البلدة والتحقيق في مزاعمها باستخدام الثوار لغاز السارين الذي قتل 26 شخصاً في الوقت الذي يتهم فيه الثوار الحكومة بضربهم بالكيماوي. وتندرج زيارات التحقيق الجارية حالياً في إطار الآلية التي أنشأتها الأمم المتحدة خلال ثمانينيات القرن الماضي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حيث استحدثت الأمانة العامة للأمم المتحدة آلية تابعة لها تقوم بالتحقيق في مزاعم استخدام السلاح الكيماوي. وبموجب الآلية يحق للأمين العام فتح تحقيق بناء على طلب دولة عضو في الأمم المتحدة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى هذه الآلية للتحقيق داخل سوريا. واللافت أن الحكومة السورية هي من بادر بالمطالبة هذه المرة بفتح التحقيق، ولكن فريق التفتيش الأممي سيواجه تحديات جسيمة بالنظر إلى العدد المحدود للمواقع المسموح له بزيارتها، والكمية الضعيفة التي يحتمل أن تكون قد استخدمت لتعقد من مهمته في إثبات حقائق واضحة. هذا بالإضافة إلى المدة الزمنية التي تفصل التحقيق عن وقت حدوث الهجوم. ثم التفويض المحدود الذي حصل عليه الفريق من الحكومة السورية. ولا ننسى أن التحقيق سيسعى فقط إلى تحديد ما إذا كان السلاح الكيماوي قد استخدم دون الإشارة إلى الفاعل. وأول تلك التحديات ما يتعلق بالوصول إلى المواقع نفسها، فقد طالبت قوات المعارضة الفريق بزيارة مواقع إضافية تقول إنها تعرضت لهجوم بالأسلحة الكيماوية، ولاسيما في قرية «عدرا» التي يسيطر عليها الثوار، ولكن بالنظر إلى الاتفاق الموقع مع الحكومة السورية فإنه من غير الوارد زيارة الفريق لمواقع عدا تلك الثلاثة المتفق عليها، هذا ناهيك عن كون عدد من المواقع المهمة يوجد في أماكن المعارك، ما يثير أسئلة حول تأمين مهمة الفريق. ومع أن المفتشين سيعتمدون على القوات النظامية لحمايتهم، ولكن في مواقع أخرى مثل «خان العسل» يسيطر عليها الثوار يظل سؤال التأمين والحماية قائماً. أما التحديات الأخرى المرتبطة بعمل المفتشين فتتعلق بحرية الفريق في اتخاذ ما يراه مفيداً لعمل التحقيق، ولاسيما إجراء مقابلات مع السكان المحليين ومع الضحايا، بحيث يظل النظام متحكماً في شهادة الناس ويمكنه منع الوصول إليهم. وحتى في الحالات التي يثبت فيها المفتشون استخدام السلاح الكيماوي في بعض الأماكن من خلال تحليل عينات من دماء وبول الضحايا، بالإضافة إلى عينات أخرى من التربة، ستصعب إقامة الصلة بين استخدام السلاح ونظام الأسد نفسه، ذلك أنه من الصعب الاعتقاد بأن النظام كان سيوافق على إجراء التحقيق في ظل احتمال العثور على أدلة تدينه. ومن الضروري حتى لا يتخذ التحقيق مساراً يخدم النظام بعدما حُصر عمل الفريق في ثلاثة مواقع من ضمن 13 موقعاً ووضعت قيود على عمل التحقيق أن يسارع الفريق الأممي إلى إيجاد وسائل الضغط على النظام لإبداء قدر أكبر من التعاون، مثل التلويح بعدم نشر نتائج التحقيق، التي ربما يعول عليها النظام لتبرئته، حتى يُفتح المجال أمام المفتشين لزيارة كافة المواقع. ولعل التحدي الأكبر الذي سيواجه فريق المفتشين سيأتي بعد الانتهاء من التحقيق، بحيث سيكون على الفريق منع توظيف النتائج سياسياً سواء من قبل النظام، أو من الأطراف المطالبة بالتدخل الأجنبي، أو حتى من الفاعلين الدوليين الذين يسعون إلى تبرير عدم التحرك للتخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية التي تشهدها سوريا. ‎تشين كاين وإيجل موروسكيت باحثان في مركز «جيمس مارتن» متخصصان في حظر الانتشار النووي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©