27 أغسطس 2011 23:03
جيرت فان لانجندوك
طرابلس
حول باب العزيزية، المقر المترامي الأطراف الذي اتخذه معمر القذافي مسكنه الحصين، اقتصرت أعمال النهب على بعض مقتنيات القذافي الخاصة التي كشفت أموراً عن حياته في المقر، ولكن على بعد أميال قليلة من باب العزيزية كان حي "أبو سليم" يشهد موجة أوسع من النهب، فقد احتشدت السيارات أمام مدخل أحد المستودعات التي كانت مملوءة عن آخرها بأجهزة الكمبيوتر والطابعات وأجهزة التكييف والثلاجات وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، ولم يمنع استمرار الخطر الذي يمثله قناصة النظام الليبي المنهار الذين ما زالوا يعتلون أسطح بعض البنايات من تكدس الناس على مدخل المستودع وهم يحملون على ظهورهم كل ما استطاعوا وضع أيديهم عليه.
وفي تعليقه على ما يجري قال أحد الرجال ملوحاً ببندقية آلية "هذا المخزن كان ملكاً للقذافي واليوم أصبح ملكاً للشعب". واستمرت موجة النهب على حالها حتى تدخل مسلحون تابعون للثوار جاءوا على متن سيارة دفع رباعي وبدؤوا يطلقون بعض الأعيرة النارية في الهواء، مطالبين الناس بإرجاع المقتنيات إلى مكانها. وصرخ أحدهم في وجه الأهالي الذين قدموا للنهب "ما تقومون به حرام". وفي محاولة على ما يبدو لإبعاد الصحافة عن المكان حتى لا تنقل مشهد النهب قال أحد المواطنين الذي كان حاضراً في المكان "نحن لسنا مثل القذافي، نحن لسنا لصوصاً"؛ هذا المشهد في حي "أبو سليم" يوضح بجلاء حالة الغموض والارتباك التي سادت طرابلس خلال الأسبوع الجاري بعدما دخلها جيش الثوار من الجبل الغربي وسحق كتائب القذافي في هجوم خاطف وسريع.
ومع أنه لا يمكن وصف ما يجري بالفوضى العارمة، كما أن أعمال النهب ليست أيضاً منتشرة على نطاق واسع، إلا أن ذلك لا يحجب شعوراً بالارتباك العام لا يخفي مقاتلو الثوار استياءهم منه، وإن كانت ضغوط اللحظة تثقل مهماتهم حيث تعرضوا على مدى شهور لضغوط القتال، وما زال بعضهم يضع ضمادات، فيما يحاولون فرض النظام قبل انتقال المجلس الوطني الانتقالي نهائيّاً إلى طرابلس. وقد أعلن المجلس قبل يومين في طرابلس عن نيته نقل مقره رسميّاً من بنغازي إلى العاصمة طرابلس لمباشرة أعماله.
وكان المجلس الذي حظي باعتراف الحكومات الغربية باعتباره الممثل الشرعي للشعب الليبي قد وضع تصوراً للمرحلة الانتقالية يتضمن خريطة طريق من الخطوات والنقاط من بينها تأمين العاصمة وإقامة حكومة مستقرة في طرابلس والانتقال إلى وضع دائم بعد انتخاب حكومة من الشعب في غضون ثمانية أشهر.
كما كشف المجلس الانتقالي عن برنامج للمصالحة الوطنية لإدماج مؤيدي القذافي في المجتمع، فضلاً عن تقديم عناصر النظام المنهار ممن تورطوا في جرائم إلى محاكمة عادلة. وعن هذه الخطة قال "مصطفى المانع"، أحد عناصر المجلس الوطني الانتقالي "لو طُبق البرنامج كما هو مأمول فإننا سنضمن لليبيين مستقبلاً مشرقاً". وتضمنت خطط المجلس أيضاً إدماج المقاتلين الذين هزموا كتائب القذافي في صفوف الجيش، أو ضمان عودتهم إلى الحياة المدنية في محاولة لنزع السلاح من أيدي الليبيين العاديين، ويوضح "المانع" هذا الأمر قائلاً: "ستكون المهمة في المرحلة المقبلة الانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة، وسيتطلب ذلك جهداً كبيراً، ولكنه غير مستحيل".
وفي فندق "الودان" قرب الشاطئ الساحلي في طرابلس تجمع الثوار القادمون من مصراتة حول مسبح الفندق الذي يبدو أن مياهه بلونها الأخضر لم تستبدل منذ مدة طويلة، وعندما حاول أحد الثوار الذين دخلوا المدينة عبر البحر التعبير عن فرحته الغامرة بعد كسر الحصار على مدينتهم ودخول طرابلس غالبته الدموع قائلًا "لقد فقدنا العديد من الأصدقاء، أكثر من أن نذكرهم بالأسماء".
ولكن ثوار مصراتة الذين أطبقوا على طرابلس من جهة الشرق لم يهنأوا بعد بالنصر، إذ ما زالوا يتلقون اتصالات من القيادة بالتوجه إلى أماكن تواجد جيوب المقاومة التابعة للعقيد القذافي، وفي الدوار القريب من مجمع باب العزيزية يظهر مشهد مروع بأحد المستشفيات الميدانية التي أقامتها قوات القذافي وهي تدافع عن المقر قبل أن ينهار، حيث تنتشر جثث الجرحى الذين يبدو أنهم أعدموا عن قرب، ويؤكد الثوار أن من قتلهم هم الكتائب، كما أن منظمة "العفو الدولية" كانت في تقرير منفصل قد أشارت إلى تورط قوات القذافي في قتل العديد من المحتجزين يومي 23 و24 أغسطس الجاري.
وفيما تبدو العلاقة بين الثوار الذين دخلوا طرابلس مستقرة في الوقت الحالي ولا أثر لمشاحنات بينهم بعد قضائهم على عدوهم المشترك، إلا أن التوتر يبقى مع ذلك واضحاً في تباهي كل فصيل بدوره في إسقاط طرابلس ودحر كتائب القذافي، ويظهر ذلك جليّاً في نقاط التفتيش التي يُكتب بالقرب منها المدن التي ينحدر منها الثوار سواء "جادو" أو الزنتان، أو نالوت، أو مصراتة، أو زليطن، وإلى حد الآن يسيطر الثوار من خارج طرابلس على الساحات الرئيسة والمواقع الحساسة في حين يتولى سكان طرابلس أنفسهم ممن ناصروا الثوار وابتهجوا بقدومهم حماية الأحياء السكنية في إطار لجان شعبية مسلحة.
ومن بين الأهالي الذين شاركوا في تأمين المدينة "عماد شعبان" الذي أوضح تعاون السكان لملاحقة عناصر من كتيبة "الصقر" التي شكلها القذافي للدفاع عن طرابلس قائلاً: "لقد تمكنا من اعتقال خمسة عناصر، جزائريين وثلاثة من الطوارق، وسلمناهم إلى الثوار"، وكانت كتيبة "الصقر" من التشكيلات التي أنشأها القذافي على عجل لصد الثوار، "ففي الأسابيع الأخيرة قبل سقوط طرابلس" يقول "محمد البوعيشي" أحد سكان طرابلس الذين انضموا إلى الثوار: "كان التلفزيون الرسمي يعلن رواتب مجزية تصل إلى خمسة آلاف دينار، أي ما يفوق بقليل أربعة آلاف دولار، لكل من ينضم إلى الكتائب"، لكن ذلك على ما يبدو لم يحل من دون سقوط طرابلس واندحار قوات القذافي واختفائه هو عن الأنظار إلى غير رجعة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»