الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تسجيلات نادرة مع شيخين شابين

تسجيلات نادرة مع شيخين شابين
10 فبراير 2010 19:18
الفرصة التي أتيحت لي منذ وصولي إلى أبوظبي في الأول من يناير 1971 تميزت بأمرين اثنين: الأول: مواكبة المسيرة البترولية من بدايتها، حيث وضعني العمل الإعلامي في الإذاعة والتلفزيون في مجلس القيادة، لأسجل وأتابع وأواكب خطة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قائد المسيرة وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والمسؤول عن جهاز البترول معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة رئيس الدائرة، وزير البترول. الثاني: مواكبة مسيرة الاتحاد، حيث لمست منذ اليوم الأول لوصولي إلى أبوظبي أن هناك سبع إمارات منفصلة بعضها عن بعض غير مستقلة عن الاستعمار البريطاني بعد، بل إن سفارات بريطانيا في جميع أنحاء العالم هي التي تقوم بإصدار تأشيرات الدخول لمن يريد السفر إلى أي إمارة من تلك الإمارات السبع. شخصيا عندما أرسل لي الأخ مفيد مرعي تأشيرة الدخول في ديسمبر 1970 قمت بطبعها في السفارة البريطانية في بيروت ومن بيروت وعلى متن طيران الشرق الأوسط وصلت إلى أبوظبي في الأول من يناير 1971. وخلال شهر يناير تمكنت من زيارة الإمارات الأخرى حيث قمت بزيارة الأخ توفيق أبوخاطر والذي كان يعمل مستشارا اقتصاديا لصاحب السمو الشيخ صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة. جمعني بتوفيق أبوخاطر روابط عائلية قديمة، فهو ابن رجل بار من فلسطين هو إلياس الذياب، مازلت أذكر رغم سن الطفولة المبكر أنه كان يملك ما يشبه الفندق في مدينة طبريا. جمعتنا نكبة 1948 بعد خروجنا من طبريا في قرية سياحية شهيرة اسمها الحمة. وفي تلك القرية الصغيرة عشنا السنوات الأولى للنزوح وقامت بيننا ارتباطات عائلية جعلتنا كأسرة واحدة. اتجه توفيق فيما بعد مع عائلته إلى سوريا ثم إلى لبنان حيث تمكنوا من الحصول على الجنسية اللبنانية، وتمكن من التحصيل العلمي والدراسة المتقدمة والعمل مع شركات البترول وخاصة (شل) ثم استقر أخيرا في رأس الخيمة. لا أدري لماذا حرصت على زيارته، ألأطلب مساعدته، أم لألبي نداء الذكرى ودعوة الحنين إلى الأيام الأولى. استقبلني توفيق أبوخاطر في بيته، وسألني عن أفراد الأسرة واحدا واحدا، ووعد بالاتصال بسعادة راشد عبد الله النعيمي الذي انتقل من دائرة البترول إلى دائرة الإعلام بدرجة وكيل دائرة رغم أنني لم أطلب منه ذلك، ولكن ذلك اللقاء ظل محفورا في ذاكرتي حيث تحدثنا طويلا عن الإمارات وعن المستقبل الذي ينتظرنا. أدركت وأنا أنتقل من أبوظبي إلى دبي ومنها إلى الشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة، أنه لا توجد حدود حقيقية أو رسمية بين هذه الإمارات ولولا ذلك المركز الحدودي البسيط المقام على سيح شعيب بين أبوظبي ودبي لما كان هناك أي حاجز يمنع دخول المواطنين والمقيمين إلى أي إمارة. وحتى ذلك المركز الحدودي كان يمكن ألا تصل إليه بسبب تعدد الطرق والمسالك الصحراوية بين الإمارتين، إنه مجرد نقطة في مكان متسع تستطيع ببساطة وبسيارات الدفع الرباعي أن تتجاهله وتصل إلى أي مكان دون أن تمر به. وفي ذلك الزمن، لم تكن تستطيع الانتقال من أبوظبي إلى دبي إلا بسيارات الدفع الرباعي لعدم وجود الطريق المرصوفة. اليوم عندما أنتقل من أبوظبي إلى دبي بسيارتي الصالون العادية وأمر بذلك المركز الحدودي الذي لم يعد فيه إلا شرطة المرور الاتحادية أتذكر تلك الرحلة الأولى، ولا أملك إلا إلقاء التحية والابتسام لذلك الشرطي الذي قام بختم جواز سفري ذات يوم من شهر يناير 1971 متسائلا: أين أراضيه، وهل مازال حيا يرزق حتى اليوم؟ التشكيلة الحكومية تعددت سفراتنا فيما بعد، بين أبوظبي والإمارات وخاصة بعد توالي الخطوات الاتحادية وبالتحديد بعد الثامن عشر من يوليو 1971 حيث اجتمع حكام الإمارات السبع وقرروا إقامة دولة الاتحاد، باستثناء رأس الخيمة التي انضمت إليه في العاشر من فبراير 1972. وكانت إمارة أبوظبي سباقة في إعلان أول وزارة للإمارة في الأول من يوليو 1971، حيث صدر المرسوم رقم 8 لسنة 1971، وللتسجيل التاريخي فلقد كانت أول وزارة لإمارة أبوظبي تتشكل من: صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع والمالية. سمو الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للأشغال، سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزيرا للداخلية، سمو الشيخ محمد بن خالد آل نهيان وزيرا للمواصلات، سمو الشيخ سيف بن محمد آل نهيان وزيرا للصحة، سمو الشيخ خليفة بن محمد آل نهيان وزيرا للماء والكهرباء، سمو الشيخ سرور بن محمد آل نهيان وزيرا للعدل، الشيخ أحمد بن حامد وزيرا للإعلام والسياحة، الأستاذ أحمد خليفة السويدي وزيرا لشؤون الرئاسة، الأستاذ مانع سعيد العتيبة وزيرا للبترول والصناعة، السيد خلف بن أحمد العتيبة وزيرا للاقتصاد والتجارة، السيد محمد بن خليفة الكندي وزيرا للتربية، الأستاذ محمد حبروش وزيرا للدولة، الأستاذ عدنان الباجهجي وزيرا للدولة، كان واضحا من خلال ما يتم على أرض الواقع من خطوات أن هناك مخاضا لدولة قوية قادمة، دولة تتحد فيها الإمارات السبع على الأقل، حيث إن الطموح بضم قطر والبحرين إلى تلك الدولة لم يعد واقعيا بعد أن أعلنت البحرين وقطر رغبتهما بالاستقلال وإنشاء دولتين مستقلتين ترتبطان مع دول الخليج الأخرى بعهود ومواثيق واتفاقيات تعاون. وكنا نحن في الإذاعة والتلفزيون بمثابة الأداة التنفيذية لهذا الاتجاه الذي قاده صاحب السمو المغفور له الشيخ زايد رحمه الله. وقد جمعتني بالمغفور له عدة لقاءات، أدركت بعدها أنه الوحيد الذي يمكن أن يتفق عليه الجميع بلا استثناء، سواء على مستوى الشعب أو مستوى الحكام. رحلات داخل الإمارات وحتى نمهد الطريق، وننقل الصورة، ونبث الفكرة وندعو لتحقيق الدولة الحلم، بدأت رحلاتنا إلى مختلف أنحاء الإمارات. قمت بتسجيل لقاءات مع مواطنين عاديين، ومع مسؤولين في مختلف أجهزة الدولة. ومن أهم اللقاءات التي قمت بها لقائي مع صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، وكان في ذلك الوقت مديرا لديوان شقيقه صاحب السمو المغفور له الشيخ خالد رحمه الله. كان سموه في ذلك الزمن شابا حديث التخرج من جامعة القاهرة وأدركت وأنا أدير اللقاء وأسأله أنني أحاور مثقفا يعرف جيدا قيمة الاتحاد ويتحمل مسؤولية الدعوة له والعمل على تحقيقه. لم أزل محتفظا بهذا التسجيل النادر حتى الآن، وحينما أستمع إليه لا أخفي إعجابي بذلك التوافق الذي كان قائما بين القاعدة والشعب. كذلك سجلت لقاء لصاحب السمو الشيخ حمد الشرقي في مكتبه في دبي، وكان سموه في ذلك الزمن وليا للعهد ويرأس مكتب التطوير الاقتصادي للإمارات. لا أعتقد أن عمر سموهما في ذلك الزمن كان يتعدى الرابعة والعشرين، ولكن النضج الذي وجدته فيهما والاتجاه الوحدوي الذي كان يؤمنان به يعتبر من العلامات الواضحة التي تؤكد وجود الرغبة الحقيقية لدى الجميع في تحقيق دولة الإمارات العربية المتحدة، وبصراحة كان الجميع متفقا على أن القائد الاتحادي للجميع، شعبا وحكاما هو المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه. ما أعتز به أنه رغم مضي السنوات، وتغير الأحوال فما زلت في ذاكرة سموهما حتى الآن، وفي كل مرة ألتقي بهما أجدهما يذكران اسمي وكأننا التقينا أمس لا قبل حوالي أربعين عاما، ولا أعتقد أن هناك وفاءً أجمل وأعظم من هذا الوفاء. زيارات الميكروفون كانت زيارات الميكروفون التي قمت بها في ذلك الزمن تشمل النوادي، والمؤسسات الاجتماعية، التقينا بمواطنين من دبي، من رأس الخيمة من عجمان من أم القيوين من الفجيرة من الشارقة، وأجمع الذين التقينا بهم على ضرورة الاتحاد وأنه لا يمكن لأي إمارة أن تنشئ دولة مستقلة منفردة، واتفق الجميع على أن زايد هو القائد الذي لا بديل له، والذي يشعر الجميع أنه يمثلهم وأنه قائدهم الذي يحبونه ولا يرضون له بديلا. كانت تلك اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية التي قمنا بها في الإمارات بمثابة استفتاء شعبي على الاتحاد وعلى قيام دولة الإمارات برئاسة الشيخ زايد ونائبه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمهما الله. أرجع أحيانا إلى تلك التسجيلات ولا أنكر أنني فقدت الكثير منها وكل ما أرجوه وأتمناه ألا تكون مكتبة الإذاعة قد تخلصت من أشرطة تلك التسجيلات خاصة بعد النقلة النوعية التي عرفها العمل الإذاعي واستبدال الأشرطة الكهرومغناطيسية باسطوانات (CD)، وبدلا من آلاف الأشرطة التي تأخذ حيزا كبيرا في المكتبة تستبدل بتلك الأسطوانات الصغيرة التي يسهل حفظها وتخزينها. في الثاني من ديسمبر 1971، كنت مع معالي الأخ سعيد الغيث في دبي كمذيعين للإذاعة والتلفزيون ونقلت من هناك لحظات إعلان الدولة. فاجأني تلفزيون الإمارات في عام 2008 باستضافتي كأول مذيع نقل نبأ دولة الاتحاد، وأصغيت مع المشاهدين إلى الكلمات التي أطلقتها في تلك اللحظات التاريخية ولم أستطع منع دمعة الفرح والاعتزاز من تسجيل موقف المحبة التي جمعتني بهذا البلد وشعبه وقادته
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©