الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نشيد طويل في الحنين

نشيد طويل في الحنين
10 فبراير 2010 19:20
قل إنها رواية في هجاء الحاضر وحنين عظيم إلى أزمنة كانت، يوماً ما، واعدة. إنها أيضاً، هي، بالمقابل، بحث عن هوية ما بل وبحث في الهوية في حد ذاتها؛ في جوهرها الأصيل. بالتالي فهي مرافعة دفاع عن فكرة ما. هكذا باختصار هي رواية “يوم غائم في البر الغربي” لمحمد المنسي قنديل التي قد تكون صاحبة أكثر الحظوظ في الفوز بجائز (البوكر العربية) في دورتها الثالثة والتي من المقرر الإعلان عن الفائز بها صبيحة الثاني من الشهر المقبل. لكن ما جاء في تقرير لجنة تحكيم جائزة (البوكر العربية) عند اختيار الرواية للقائمة القصيرة للجائزة، وهذا هو: “يحيي الروائي المصري محمد المنسي قنديل فترة الاكتشافات الأثرية والنضال الوطني في مصر، ويضمنها ملحمة فتاة تهرب بها والدتها من زوجها المغتصب، وتودعها ديراً في أسيوط بعد أن تغير اسمها وتدق على ذراعها الصغيرة صليباً. ثم يتداخل مصير الفتاة وقد أضحت مترجمة، مع مسيرة شخصيات تاريخية مثل هوارد كارتر واللورد كرومر وعبد الرحمن الرفاعي. ويتداخل القص الشائق مع التوثيق الدقيق في وصف الأمكنة والأزمنة”، قد لا يكون كافياً تماماً ربما لأن المخيلة “التاريخية”، إذا جاز التوصيف، هي التي قامت بالدور الأساسي لخروج هذه الرواية على ما هي عليه مما تحمله من أبعاد تاريخية وأخرى غير تاريخية تبلغ حدود الأيديولوجيا، من دون مبالغة في التوصيف. في هذا السياق ليس مهما التزام الروائي محمد المنسي قنديل بالتاريخ بوصفه حدثاً كرنولوجياً بل هو كأنما يوظف التاريخ ليمنح روايته أبعادها الإيديولوجية ويجعلها مشروعة أمام حاضر أقل ما يمكن وصفه به بأنه تاريخ متهالك سوف يُحسب سلباً على مصر عظيمة أو كانت يوماً ما عظيمة بحسب الرواية لجهة دلالتها الواسعة والكبرى بالمعنى التاريخي أيضاً. ولعل الانعطافة السردية الأساسية في الرواية هي “تنصير” عائشة الفتاة البسيطة كي تنجو بها أمها من مصير بائس إلى ماري، أو مريم العذراء، بوصف ذلك حدثاً طبيعياً من الممكن أن يحدث في بلاد شاسعة مثل مصر أوائل القرن الماضي التي تتعدد فيها الأديان فيما يلتئم الناس جميعاً حول أشواق عليا خاصة بالتحرر الوطني ومقدرة على التضحية قادمة من “مصرية” الشخص تحديداً وليس من دينه أو انتمائه الطائفي. هذه هي مصر التي ينشدها الروائي محمد المنسي قنديل لقولها في قالب فني أو في نشيد طويل يستغرق أكثر من خمسمائة صفحة. وتبدو عائشة أو ماري، وهما اسمان شعبيان في الإسلام والمسيحية العربية، هي مصر في جوهرها الأكثر نقاء، أي في مطلع تعرفها إلى ذاتها وتحسسها جسدها المتنوع والمتعدد وتلمسها هويتها الراهنة وتاريخها الطويل الذي لا يزال الكثير منه تحت الرمال بوصفه حفائر يقرأها الآن أجانب ليسوا بمعزل عن الارتباط بمشروع آخر يخص استعمار مصر وليس نهضتها، تلك التي بدأت تشعر بالمؤامرة عليها بإحباط مشروع محمد علي باشا في المنطقة. إنما باسترجاع لتاريخ مصر منذ الفراعنة وإعادة تحويره حتى بدا أنه تاريخ قد حدث فعلاً خارج الرواية. “يوم غائم في البر الغربي” ليس يوم اغتصاب “عائشة أو ماري” من زوج الأم، الذي هو العم أيضاً، بل هي لحظة إعادة اكتشاف مصر لمصريتها عندما تقود الفتاة ذاتها الأركيولوجي الأميركي الشاب، ولماذا أميركي وليس مصرياً، لتطلعه على مقبرة توت عنخ آمون بتداخل كبير بين الرواية والأسطورة والتاريخ فتقيم الشخصيات في نوع من الالتباس الإيجابي، إن بشكل أو بآخر. لكنها ليست شخصيات حائرة أو ضائعة أو مضيعة بل تبحث عن هويتها عبر هذا التراكم الهائل من التاريخ ثقيل الوطأة على المستوى الشخصي وكذلك على مستوى المكان. وربما يحسب للروائي مقدرة الكاتب على جعل الشخصيات ذات حيوية خاصة، فيربط “عائشة أو ماري” بمصير لا يخصها وحدها كشخصية نافرة، ولها تاريخها الخاص، بل إنه يجعلها كذلك بربطها بشخصيات تاريخية وذات دلالة في التاريخ المصري الحديث بل أصلاً في الوعي المصري الحديث إلى حد أن هذه الأسماء باتت رموزاً للتحرر الوطني المصري: مصطفى كامل، السياسي، وعبد الرحمن الرافعي، الكاتب الصحفي، ومحمود مختار، النحات، وإخناتون وتوت عنخ آمون وحور محب، القادمة من أساطير الفراعنة، في مقابل حضور شخصية أخرى من طراز اللورد كرومر، الشخصية الاستعمارية الشهيرة في المشرق العربي. يصنع منها الروائي جميعاً رؤيته الخاصة لما هو إدانة لحاضر لا يرقى إلى ماضٍ ما، كانت فيه “مصر” محمد المنسي قنديل تتوق إلى ذاتها وإلى التي تخصه هو ويتمنى حضورها وثقلها الفاعل في المنطقة ومشروعها فيها، ومن جانب آخر، فكرتها عن ذاتها التي قد نسيتها الآن. هذه الرواية: “يوم غائم في البر الغربي” إنما أراد صاحبها لها أن تذكر بما كان ماضياً وجرى تغييبه إلى حد نسيانه المطلق الآن. وكما لو أن محمد المنسي قنديل رغب أن يضع كل ما لديه في عمل واحد كامل ومتكامل، وكما لو أنه يريد قول كل شيء في هذا العمل الواحد، إلا أن قارئه يشعر بالاستغراق في الكثير من التفاصيل التي تخص بعض الشخصيات التي أراد لها صاحبها أن تكون على هامش “عائشة أو ماري” مثل الآثاري الأميركي الذي يعود المؤلف إلى نشأته وأسباب تعلقه بالمصريات أو حتى الاستغراق في سعيه إلى تحويل الأسطورة الفرعونية إلى تاريخ مؤثر بعمق في ما هو راهن، على ما يريد له الكاتب أن يكون مؤثراً، في حين ثمة ما ينقض ذلك تماماً على مستوى المعيش واليومي والراهن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©