الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هدم الجدار الرابع

10 فبراير 2010 19:21
ما الذي يطلبه الطفل من المسرح الموجه إليه؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الفرجة المسرحية والإبهار البصري من جهة، وبين تبدلات الوعي المعرفي والثقافي لدى الطفل من جهة أخرى، وهل يمكن للمسرح بكل عتاده وإمكانياته الفنية والأدائية أن يضيف جديداً على تقنيات التواصل العصرية التي باتت متاحة ومتداولة عند هذا الطفل. هذه الأسئلة وغيرها تظل حاضرة ومتجددة في الأعمال المسرحية التي تخاطب عين وبصيرة ومخيلة الطفل في المنطقة، وهي أسئلة رغم أنها مقلقة بعض الشيء لأهل المسرح، إلا أنها تتوفر أيضا على هاجس التحدي وتقديم أقصى ما يمكن من طاقات إبداعية كي يظل المسرح حيا على الدوام، ومنافسا للبدائل البصرية الأخرى مثل السينما والتلفزيون والوسائط الإلكترونية وألعاب الفيديو وفضاءات الإنترنت اللامحدودة. الرهان على الجمهور وفي الدورة الخامسة لمهرجان الإمارات لمسرح الطفل الذي أقيم مؤخرا بقصر الثقافة بالشارقة، كان رهان اللجنة المنظمة للمهرجان على النجاح والتواصل والاستمرارية هو الرهان الموصول بالثقة في مسرح الطفل نفسه والتي يلبي حاجات نفسية واجتماعية لا يمكن إشباعها من خلال الوسائط الفنية والتقنية الأخرى، فالقائمون على المهرجان راهنوا وبقوة على توقيت المهرجان الذي يصادف إجازة منتصف السنة الدراسية، كما راهنوا أيضا على الحضور العائلي والحميمي للجمهور، وبالمقارنة مع ما تحقق على أرض الواقع وبمعاينة شخصية لأجواء المهرجان، فإن الحضور الجماهيري كان أكبر من المتوقع وبكثير، كما أن تفاعل هذا الجمهور مع الأعمال المعروضة أشار وبقوة إلى أن للمسرح سحره الخاص، ولغته المتفردة التي لا يمكن أن تتلعثم أو تختفي وسط الأدغال البصرية والترفيهية المحيطة بطفل اليوم. نجح المهرجان في استقطاب جمهوره المعني، ونجح في هدم الجدار الرابع والمتوهم بين الطفل وبين الخشبة، واستطاع أيضا أن يكسب ثقة الجهات الرسمية والأهلية الراعية له، ولكن الإشكالية المتعلقة بالسوية الفنية للأعمال المعروضة في المهرجان تظل ماثلة ومتجسدة في كل دورة جديدة لهذا الحدث الفني والثقافي المهم، فسؤال الإبداع هو أصل الأسئلة ومنبعها إذا أردنا الرهان على النجاح الفني للمهرجان، بعيدا عن حجم الإقبال الجماهيري، وعن الوهج الإعلامي المرافق له. وكانت إجابة لجنة التحكيم في اليوم الختامي للمهرجان على هذا السؤال بالذات فيها الكثير من الشفافية والانتباه النقدي حيث أشارت اللجنة في توصياتها إلى وجود تفاوت كبير بين عروض المهرجان من حيث الجودة والتميز والتواصل مع جمهور القاعة، ومرد هذا التفاوت الكبير ـ كما ورد في التوصيات ـ هو ضعف مستوى بعض النصوص، وعدم قدرة بعض الفرق على اختيار النص الأنسب، وأكدت اللجنة على ضرورة العودة إلى مصادر التراث العربي والأدب العالمي لما يملكانه من ثراء فكري وبُعد معرفي وإبداعي، يمكن تطويعهما وتحويلهما إلى أعمال مسرحية مؤثرة وقوية، وأوصت اللجنة كحل آخر لهذا الضعف في النصوص بضرورة الاستعانة بمؤلفين مرموقين ومتمرسين في مجال الكتابة لمسرح الطفل. إن انتباه اللجنة للجانب المتعلق بضعف النصوص المسرحية يكشف مرة أخرى عن أزمة متأصلة ومتواصلة في المسرح المحلي وعن معاناته المتجددة من هذا العائق الإبداعي الذي يؤثر على تطوير المفردات الأخرى في المسرح المحلي، وهي أزمة شائعة ومستمرة أيضا في مسرح الكبار وفي أيام الشارقة المسرحية بالتحديد، وربما يتمثل الحل الأجدى هنا في تكوين لجنة خاصة لقراءة النصوص قبل تنفيذها على الخشبة وقبل تكبد الفرق مشاق الإنتاج واستقطاب الكادر الفني لأعمال مكتوب عليها سلفاً الفشل والخفوت الإبداعي والجمالي. حقل تجارب وفي سياق مواز أشارت اللجنة أيضاً إلى أن ضعف بعض الأعمال يعود إلى التفسير المغلوط لدى فئة من المسرحيين، والتي تنظر لمهرجان مسرح الطفل كحقل تجارب وكساحة تدريبية للمخرجين الجدد الذي يفتقرون للوعي والثقافة المسرحية، خصوصا أن مسرح الطفل موجه لفئة عمرية حرجة وتحتاج للكثير من الخبرة والدربة للتواصل مع عالمها الداخلي وحساسيتها المفرطة تجاه ما يقدم لها من معارف وفنون تتجاوز الوعظ والتلقين المباشرين، فالطفل المعاصر لم يعد أسيرا للأنماط التقليدية في أنساق الروي والحكاية، وباتت ثنائية الخير والشر وقصص الحيوان والسندريلا وعروس البحر والمارد وغيرها من القصص المكررة والمملة بعيدة عن المخيلة الديناميكية لهذا الطفل ولتفاعلاته النفسية والعقلية مع المحيط الخارجي والتي لم تعد بعيدة عن تفاعلات وتفسيرات الكبار لهذا المحيط. والحديث عن الإشكاليات الفنية والتعبيرية في عروض المهرجان هو حديث طويل ومتشعب ويحتاج لوقفة أخرى، ولعل في استعراضنا التالي لتفاصيل المهرجان وللأعمال المميزة التي أفرزها ما يمكن أن يلامس بعض المناطق الإيجابية والمبشرة في علاقة الطفل بمسرحه المحلي: انطلقت الدورة الخامسة لمهرجان الإمارات لمسرح الطفل في الثامن والعشرين من شهر يناير الماضي واختتمت فعالياتها في الخامس من شهر فبراير الجاري، ويقام المهرجان سنويا بتنظيم وإشراف جمعية المسرحيين بالدولة وبالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ودائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ومؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي بالإضافة إلى الدائرة الثقافية بعجمان وعدد من المؤسسات والهيئات الرسمية والمحلية. احتوى المهرجان على ثمانية عروض تنافست على جوائزه المختلفة، بالإضافة إلى ندوتين حول التجربة المسرحية للفنانة الكويتية هدى حسين مع مسرح الطفل، وندوة أخرى حول المسرح المدرسي في الرؤية الحديثة للتربية والتعليم شارك بها الباحث محمد سيد مصطفى. والعروض الثمانية المشاركة هي “قطرة مطر” لفرقة مراكز أطفال الشارقة، و”المهرج والدمى” لفرقة مسرح زايد للطفولة، و”جنون الأشباح” لفرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، و”نمول الشجاع” لمسرح الشارقة الوطني، و”شكرا بابا” لفرقة المسرح الحديث بالشارقة، و”أنا وسندريلا” لمسرح دبي الأهلي، و”مملكة النحل” لفرقة مسرح بني ياس، و”سعدون وأبطال الكرتون” لفرقة مسرح عجمان الوطني. وقام المهرجان بتكريم الشخصية المسرحية العربية والتي ذهبت جائزتها هذا العام للفنانة الكويتية هدى حسين صاحبة التجربة الطويلة والثرية مع مسرح الطفل في الكويت وفي منطقة الخليج بشكل عام، بينما ذهبت جائزة الشخصية المسرحية المحلية للمؤلف المسرحي الإماراتي الراحل سالم الحتاوي الذي ساهم من خلال كتاباته للطفل في رفد المسرح المحلي بالكثير من الأعمال المميزة التي اتكأت على التراث الشعبي والمرويات الشفهية كي تصوغ عوالمها في قالب مسرحي ممتع ومحبب وقريب من عالم وخيالات الطفل الإماراتي. أطروحات مغايرة ومن العروض المميزة التي حصدت معظم جوائز المهرجان يأتي عرض “شكرا بابا” لفرقة المسرح الحديث في المقدمة لأنه استطاع الخروج من القالب التقليدي والتلقيني الذي طالما التصق بمسرح الطفل في الإمارات، ولأنه استطاع اللعب وبنجاح على الخيوط النفسية والتربوية للطفل من خلال الإشارة والتلميح وتكثيف الدلالات الاجتماعية والأسرية دون التورط في خطابات مباشرة ووعظية تقلل من القيمة الفنية والإبداعية للعمل. وفي تصريح لـ “الاتحاد الثقافي” أشار الفنان مرعي الحليان مخرج مؤلف العمل إلى أن مسرحية “شكرا بابا” كانت محاولة جريئة لكسر الرتابة والتكرار في الأنماط المسرحية المحلية الموجهة للطفل والتي ذهبت في اتجاهين متطرفين، حيث يميل الاتجاه الأول وبقوة لمواضيع تقليدية ومطروقة عن الكائنات الخرافية وعالم الحيوان في سينوغرافيا مضخمة تجسد الغابة أو الحديقة، بينما يغلب على الاتجاه الثاني أفكار مستقبلية حول الغزاة القادمين من كواكب أخرى ومجهولة وبالتوازي أيضا مع ديكورات ضخمة وتقنيات تتصنع الإبهار والضجيج لا أكثر. وقال الحليان: “حاولت في هذا العمل أن أقترب من التفاصيل الحميمة والمحيطة بالطفل في مملكته الصغيرة والمتمثلة في المنزل، وكذلك بمكانة وقيمة الأب في هذا المنزل، وفي ذات الوقت أردت الاقتراب من الأب نفسه الذي يرافق الطفل أثناء حضوره العرض من أجل التواصل معه هو الآخر خصوصا من خلال ثيمتى العقاب والثواب وهما ثيمتان أسيء فهمها كثيرا، وبالتالي اتخذت من مصطلح (القسوة الناعمة) منطلقا مناسبا لتعريف الطفل بأهمية الحفاظ على البيئة وعلى الدورة الطبيعية للحياة دون تهويل أو صراخ أو سينوغرافيا مباشرة وأزياء ومؤثرات صوتية وموسيقية مفتعلة ومقحمة على جو وفكرة النص”. ومن العروض الأخرى التي لاقت استحسان الجمهور ولجنة التحكيم مسرحية “مملكة النحل” لفرقة مسرح بني ياس وهي من تأليف وإخراج الفنان الإماراتي فيصل الدرمكي، وتحكي المسرحية في إطار سلس ومشوق حكاية الدبور الذي يريد الاستيلاء على مملكة النحل وامتصاص خيراتها ومواردها من خلال الحيلة والدهاء وإضعاف سكانها من النحل وترويعهم ولكن حيلة الدبور تنكشف في النهاية ويتم القضاء على مخططاته وألاعيبه قبل تنفيذها، ويكتشف الجمهور من الأطفال وفي سياق المشاهد المرتبة التي يختزنها العمل أهمية التكاتف والصداقة وضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم التجاوب مع الأنماط الشريرة والجشعة في المجتمع. ونجح مخرج العمل في المزج بين وسائط فنية وتعبيرية مختلفة من أجل ترجمة مضامين ونوايا الفكرة العامة للعرض، ولجأ لتقنية الرسوم المتحركة “الأنيميشن” كي يضفي جوا ديناميكيا وبصريا مختلفا ومتواصلا في ذات الوقت مع فضاءات ومتطلبات العرض المسرحي، وهذا التجديد والتجريب في الأدوات المسرحية يمكن له أن يكسر رتابة وتقليدية النمط الكلاسيكي في الخطاب الفني الموجه للطفل، واستطاعت مسرحية “مملكة النحل” أيضا تلبي حاجة الطفل للإبهار والتنويع ولكن بأقل الخسائر الممكنة على مستوى الطرح وترجمة غايات ومرامي النص المكتوب على الورق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©