الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشعر والعربية وثورة الإتصال

25 أغسطس 2013 20:39
تحولت عادات الشعر، وستبقى تتحول مع الزمن حتى ولو لم يفقد يوماً مكانته، ولا بد أنه لو كانت ملكة الشعر أو فنونه سهلة التعلم ومتاحة لعادت لغة الشعر تسود من دون منازع في العصر الراهن وثورة الاتصال لما لها من قوة تأثير وإثارة في عالم أشد ما يتميز به هو الحاجة القصوى لفنون وتقنيات الاتصال. وحكم عصر السرعة- والاختصار- والوسائل الأكثر سهولة وجهوزية، على الإنسان بحياة يومية يضطر فيها إلى محاكاة العولمة ومسايرة طفرة الاستهلاك والمعلومات الحديثة واعتماد سبل تعبير مشابهة، لكن لا يختلف اثنان على استحالة تحديد أنظمة و«شيفرات» لغة وبلاغة الاتصال الأكثر تأثيراً والتي يفيض بها سحر الشعر. وعلى الرغم من سطوة لغة النثر بكل أشكالها ومستوياتها واجتماع كل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية على تشجيعها، بما في ذلك تسخير التكنولوجيا الجديدة وثورة الإعلام، فإن ذلك لن ولم يؤد يوما إلى إنتاج «نصوص نثرية» خالدة كخلود الأشعار. وفرضت العولمة في القرن العشرين وقبله تحديات صعبة على اللغة والشعر في العالم قاطبة، فحين اضطر الناس إلى عملية التواصل والتفاعل بين لغات مختلفة لم يكن الشعر هو الخيار الأنسب للتواصل (بين المستعمِر والمستعمَر)، حتى النثر البليغ لم يكن سهلا، وهذا أسهم في جزء منه ليس في تراجع اللغة الأصيلة والشعر بل أيضا في بروز اللغة (بل اللغات) الهجينة والمختلطة والركيكة والعامية في العالم عامة، وتراجع في المقابل الالتزام بقواعد الصرف والنحو، ولاسيما في وسائل الإعلام التي تحولت إلى أكبر قناة للتأثير في اللغة وانتشارها ومستواها. وفي العصر الحديث أيضاً واجهت مئات اللغات ولا تزال تواجه خطر الزوال- وفق ما تؤكده منظمة «اليونسكو»- لعجزها عن توفير حد أدنى من الاستخدام المطابق لاستخدامات التكنولوجيا الحديثة وعن مقاومة سطوة وإغراءات اللغات المهيمنة. لقد بلغت ظاهرة اللغة الأسهل، التي تستعير مفردات اللغات الأخرى من دون ترجمة أصيلة وتتحرر تدريجيا من النحو، بلغت ذروتها مع عصر الإعلام الجديد وانتشار التعلم «المُجتزأ والسريع» للغات الأجنبية. وتكثفت في السنوات الأخيرة الدعوات الأممية للحفاظ على الهويات الثقافية وإحياء تراث المجموعات البشرية كافة، وتم بالفعل التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص. لكن كل ذلك أثر في تحصين اللغات أو تطويرها لمواكبة العصر واستمر ضئيلا وهزيلا في مواجهة عوامل السرعة ومستلزمات ثورة المعلومات والاتصال والإعلام، بما في ذلك اللغات العريقة التي تتمتع بنوع من «القدسية» الدينية ومنها اللغة العربية. للتأكد من ذلك ليس عليك مثلا سوى مراجعة المصطلحات والمفردات «العربية» الجديدة المنتشرة في مواقع الإعلام الجديد كترجمة للمفردات التي استجدت في ثورة الإعلام الجديد، وكذلك مراجعة أنواع ونسب الشعر العربي من مجموع المحتوى العربي على الشبكة. وسيكون من المؤسف هذا الانكشاف في تراجع العربية لغة وشعراً ونصاً ومواكبةّ للعصر، وسيكون مخجلا هذا العجز المبيّن المشترك بين اللغويين والتكنولوجيين والإعلاميين والشعراء والأدباء. وسيكون مستحيلا أن نصدق أن كل ذلك يحصل فقط بسبب مؤامرات. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©