الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيطاليا برلسكوني «أرض قفراء»

إيطاليا برلسكوني «أرض قفراء»
24 نوفمبر 2010 19:44
يؤكد ساندرو فيرونزي Sandro Veronesi مؤلف رواية “أرض قفراء” Terrain Vague أنه بفضل الروايات يمكن اكتشاف حقيقة بلد. والكاتب الإيطالي لا يخف غضبه من شخصية رئيس حكومة بلاده الحالي سيلفيو برلسكوني، وهو في روايته الجديدة التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية يصف حياة الإيطاليين الفقراء المهمّشين خلال السبعينيات من القرن الماضي، وهو يُفسّر اختياره لهذه الفترة بأنّها تُمثل منعرجا في تاريخ إيطاليا الحديث، فبعد الحرب العالمية الثانية كانت إيطاليا بلدًا فقيرا مهمّشا، ثمّ فجأة في بداية الستينات تحوّلت إلى بلد صناعي غنيّ. ويجزم المؤلف أنّ إيطاليا اليوم هي أسوأ بكثير من حال المناخ الاجتماعي والسياسي الذي صوره في روايته، فالعنف والعنصرية هما سمات المجتمع الإيطالي حاليا ـ حسب وصفه ـ وأنّ الهجرة كما يريد البعض تصوير ذلك، ليست هي سبب الداء، وأنّه خلافا لألمانيا أو فرنسا فإنّ عدد المهاجرين في إيطاليا لا يتجاوز مليون ونصف مليون مهاجر. ويرى ساندرو فيرونزي أن فوز إيطاليا بكأس العالم لكرة القدم عام 1982 منح الإيطاليين دفعا معنويا كبيرا، فبعد فترة عمّ فيها العنف السياسي وعدم الاستقرار، عرفت إيطاليا فترة ازدهار ونموّ، ولكن إيطاليا اليوم ـ وفق تحليل الكاتب ـ منقسمة إلى نصفين وتمرّ بفترة أزمة حادة في “هويتها الوطنية” حسب تعبير المؤلف نفسه، فلم يعد هناك سلطة مضادة للحدّ مما أسماه “هيمنة برلسكوني” على البلاد، فأنصار رئيس الحكومة الايطالية، على حد تعبير ساندرو فيرونزي “لا يتصرفون كمواطنين بل كأنصار لكرة القدم، وإنّ الصراع على المصالح، أفسد الوضع السياسي ككل”. ويحلل الكاتب خلفيات روايته قائلا إن إيطاليا التي كانت خلال القرن الماضي حديقة جميلة للشعر والأدب والموسيقى أصبحت اليوم بلدا مهترئا، حتى إن شريحة كبيرة من الإيطاليين لم يعد يطالعون الصحف. ويضيف الروائي قائلا: “نعم إني أعلم أن العالم يضحك من برلسكوني، ولكن أنا لا أضحك أبدا، فهذا الرجل خطير وهو بصدد هدم إيطاليا، وهو يريد البقاء في الحكم متمتعا بالحصانة حتى لا يمثُل أمام القضاء. إنّه يريد ربح الوقت لعشر سنوات أخرى إن أمكن له ذلك”. وعن الطقوس والظروف التي أحاطت بتأليفه لهذه الرواية يقول: “بدأت في كتابة هذه الرواية منذ أكثر من عشرين عاما، ومن حسن حظّي أنه عند تحريري لمسودة هذه الرواية، كنت أقطن في شقة تملكها ابنة عمّ المخرج السنيمائي الشهير “بازوليني” Pasolini والتّي ورثت مكتبته وأرشيفه. كنت أكتب وأنا أتخيل أمامي المخرج السينمائي الكبير بازوليني، وكان بإمكاني لحسن الحظ تصفح كلّ كتبه ومخطوطاته، بل كنت أطبع نصّي على الآلة الكاتبة من نوع “أوليفتي” التّي كانت ملك بازوليني نفسه، والتي لا تطبع جيّدا حرف A. ان رواية “أرض قفراء” هي قصة طفل من أطفال الشوارع يفر من الملجأ ليجد نفسه فريسة لعصابات لا ترحم، وفي قلب هذا الوسط القاسي يلتقي برجل ضرير يعطف عليه ويحميه، ويقول النقاد إن جو هذه الرواية يذكرنا برواية “البؤساء” للروائي الفرنسي فيكتور هيجو، والكاتب نفسه يعترف بذلك، فقد أعد دراسة عن الروائي الفرنسي وتأثر به أثناء تأليفه لرواية “ارض قفراء”.. إنها رواية واقعية اعتمد فيها المؤلف أسلوب السخرية السوداء، وصور فيها التناقض بين المدينة والريف، ففي المدينة رفاهية وازهار وحياة عصرية لبورجوازية غنية، وفي الريف خصاصة وجريمة. إنه مكان كما يصفه الروائي خارج الحضارة، والكاتب يرى إن المكان له أهمية في سعادة الإنسان أو شقائه، وقد جسّم هذا المفهوم في أحداث روايته، ويتخلل كل ذلك نقد لاذع ووصف دقيق وتحليل عميق للأشخاص، ومنهم سرّاق وعاهرات ومهاجرون ورجال كنيسة. يتجلى في صفحات الرواية أن المؤلف هو رجل غاضب، وهو يجد مدخلا من خلال أحداث وأشخاص “أرض قفراء” لنقد برلسكوني الذي لا يتردد في وصفه بـ”عبقري الشر”. ان الكاتب يخشى عودة الفاشية إلى ايطاليا وهو يجزم بأن الكتّاب والشعراء والمفكرين والفنانين اليوم في إيطاليا لا تأثير ولا وزن لهم حتى إن أحدهم قال: “بإمكاني أن أكتب أي شيء، وأن أقول أي شيء لأنه لا أحد يسمعني”. نعم ايطاليا تمنح جوائز الى كتابها ولكن لا تسمع الى نقدهم ولا تعطي وزنا لآرائهم، وهذا ما يحزن الروائي ساندرو فيرونزي الذي لا يخفي تشاؤمه وألمه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©