الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتفاق النووي.. ومستقبل العراق

24 أغسطس 2015 22:39
في الوقت الراهن، يتخذ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خطوات حاسمة، للتخلص من تركة سلفه في الحكم، المثير للمشاكل، نوري المالكي. والخطوة الأخيرة التي اتخذها العبادي في هذا الشأن، وقد أتت في أعقاب تعديل وزاري، تمثلت في إصدار تقرير برلماني يلقي باللائمة على المالكي، والعديد من قادته السياسيين والعسكريين، باعتبارهم مسؤولين عن سقوط مدينة الموصل في أيدي تنظيم «داعش» الصيف الماضي. ومن المقرر إحالة التقرير المذكور إلى مدعٍ عام، وهو ما يعني أن العبادي يخطط لإدانة المالكي جنائياً، ومن ثم التخلص منه نهائياً، لتعزيز سلطته. والسؤال: ما الذي يدفع باقي العالم للاهتمام بخطوة العبادي، وإزاحة المالكي؟ الإجابة هي أن ما يدفع العالم لذلك يكمن في تأثيرات الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران. فخطوة العبادي ضد المالكي تعكس عملية إعادة اصطفاف السياسات الإقليمية، على ضوء ذلك الاتفاق. ففي حين كان ينظر للمالكي على أنه موالٍ لإيران من قبل السنة العراقيين والولايات المتحدة على حد سواء، يتبع العبادي اليوم مقاربة جديدة يراهن فيها على أن المصالح الأميركية والإيرانية، سترتبط ببعضها بعضاً ارتباطاً وثيقاً بعد الاتفاق، وأن الحفاظ على عراق متعدد الطوائف وموحد لم يعد هدفاً مقدساً كما كان. وعلى ما يبدو أن الإيرانيين الذين تركوا المالكي كي يواجه مصيره، باتوا يتبنون هذه الرؤية أيضاً. ولمعرفة ما يحدث، علينا النظر إلى التحدي الذي واجهه المالكي عند محاولته التعامل مع «داعش»، وهو ما فشل فيه فشلاً ذريعاً بعد السقوط الكارثي للجيش العراقي المكون من خليط من الشيعة والسنة في الموصل أمام التنظيم. وفي حقيقة الأمر أن ذلك السقوط لم يكن يرجع لأسباب تقنية فقط: فالجنود الشيعة في هذا الجيش كانوا موالين للمالكي حقاً، ولكنهم لم يستسيغوا فكرة الموت من أجل الدفاع عن مدينة ذات أغلبية سُنية.. أما الجنود السنة المحبطون فكان يسيطر عليهم الانطباع بأن المالكي يدير العراق بالنيابة عن إيران، وبالتالي لم يكن لديهم الاستعداد للتصدي لمهاجمي «داعش». ويعني هذا أن سقوط الموصل كان سقوطاً لأسلوب قيادة المالكي القائم على فكرة المحافظة على العراق موحداً تحت سيطرة شيعية. على رغم أن أداء العبادي حتى الآن ليس أفضل من أداء المالكي، حيث سقطت مدينة الرمادي بنفس السهولة والطريقة المهينة، التي سقطت بها الموصل، إلا أنه يتبع استراتيجية مختلفة في التعامل مع المسألة، وهي مبنية على شقين، يعتمدان سوياً على فرضية تزايد التعاون بين الولايات المتحدة وإيران. الشق الأول: تبنى أسلوب نشر الميليشيات المدربة في إيران والتي يقودها الشيعة، وتتمتع بإسناد جوي أميركي ضد تنظيم «داعش». ويعتمد العبادي على فكرة أن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة يجعل التعاون بينهما في هذا الأمر أكثر احتمالاً. والشق الثاني: يتمثل في أن لدى العبادي شيء آخر لم يكن متوافراً لدى المالكي وهو «استراتيجية للتراجع»، يحدد بموجبها ما يتعين فعله إذا ما تبين أن تنظيم «داعش» قد وُجد ليبقى في العراق في المدى المتوسط. وفي هذا الإطار يرسل العبادي إشارات متوالية للشيعة العراقيين، وكل من إيران والولايات المتحدة، مفادها أنه قادر على حكم ما تبقى من العراق الأصلي، بعد استبعاد فعلي للمناطق السنية التي يسيطر عليها «الجهاديون»، والاعتراف بالحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع لإقليم كردستان العراق. وجهود العبادي الإصلاحية التي اتخذها خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفقد فيها ساسة سنة كبار مناصبهم، كانت تصب في ذلك الاتجاه. والرسالة التي يريد العبادي توصيلها من خلال تلك الجهود هو أنه قد سئم من استراتيجة المالكي التي اضطر لتبنيها تحت ضغط شديد من الولايات المتحدة، وكانت تقوم على إدماج قادة من السنة في الحكومة العراقية المركزية. وهذا التغيير قد يغضب الولايات المتحدة، التي ترى أنه لم يكن أمامها سوى هذه الوسيلة لاسترضاء السنة، وجعلهم ملتزمين بالعمل على إبقاء العراق موحداً. ولكن ما يزمع العبادي القيام به قد يكون له معنى منطقي إذا ما تم الاعتراف بالعراق كدولة مقسمة بالفعل، بسبب وجود تنظيم «داعش» في المناطق ذات الأغلبية السنية من البلاد. ولاشك أن الولايات المتحدة تريد هزيمة «داعش»، وأن إيران تريد ذلك أيضاً، بيد أن التحدي الكبير هنا هو أن واشنطن ربما لم تعد ملتزمة بالحفاظ على العراق الموحد، متعدد الطوائف، كمنطقة عازلة ضد إيران، وهو ما يعد نتيجة مباشرة للتغير الإقليمي المترتب على الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران. نوح فيلدمان* *أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©