الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب على «داعش».. استراتيجية التدخل الممكنة!

الحرب على «داعش».. استراتيجية التدخل الممكنة!
14 سبتمبر 2014 01:27
ريتشارد باركر كاتب أميركي حيّر ظهور تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط، بطبيعة الحال، كثيراً من المدارك الغربية، ويبدو من الصادم بشكل كبير أنه سيقتضي ردوداً سريعة ومدهشة بصورة مماثلة. وفي واشنطن، يبدو أن الكونجرس قد دعا إلى ذلك، ووعد به الرئيس أوباما أيضاً. وفي ظاهره، يتضمن الرد السياسي والعسكري الأميركي على الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيم «داعش» ضربات جوية، وعلى الأرجح مشاركة وحدات العمليات الخاصة، ومحاولة تدمير التنظيم الإرهابي من الأساس. ولكن ذلك على أرض الواقع لن يكون من السهولة بمكان؛ فلم تكن أبداً أية مهمة ذات طبيعة عسكرية سهلة على الإطلاق، ولاسيما في الشرق الأوسط حينما تتحول الوعود من أشهر إلى سنوات وعقود. ويقترب تنظيم «داعش» من أن يصبح بدرجة من الخطورة غير مسبوقة! وعليه، لا يمكن أن تغير القوة الجوية وحدها الوقائع السياسية على الأرض. ومن جانبه، يراوغ أوباما بشكل تجافيه المسؤولية أحياناً بالمصطلحات العسكرية التي تحمل معاني محددة مثل استخدامه مصطلح «أن ندمر» قدرات العدو، دون الحديث صراحة عن «هزيمته». وقد يتحسّر الشعب الأميركي ويعترض على التزام عسكري آخر طويل الأمد في إحدى دول الشرق الأوسط.. غير أن الحقيقة هي أننا لم نترك المنطقة أبداً؛ فلم نفعل ذلك منذ حرب الخليج الأولى منذ ما يربو على خمسة وعشرين عاماً مضت، إذ يتناوب الطيارون الأميركيون في المنطقة. وغزو العراق في عام 2003 يتحدث عن نفسه، والآن، لا يقتصر التواجد على حاملات طائرات الجيش الأميركي فقط، ولكن أيضاً قاذفات القنابل من طراز «بي -1 بي» التي تنطلق من بعض القواعد العسكرية الموجودة في المنطقة. ويكاد يرقى مفهوم كون الولايات المتحدة تركت المنطقة مع نهاية حرب العراق إلى درجة الوهم المحض، الذي روجه أوباما ونائبه «جو بايدن»، باعتبار أن العمليات القتالية الكبرى هناك قد انتهت وأنهت معها إعلان الحرب الذي أطلقه بوش. ولطالما أثارت فضولي معرفة السبب في عدم تنظيم استعراضات عسكرية كبيرة للقوات الأميركية العائدة إلى أرض الوطن، بعد خوض القتال في العراق أو أفغانستان. وربما يرجع ذلك إلى أنه لم يتحقق في أي من الحربين نصر قاطع. أو ربما لأننا في الحقيقة لا نزال ماكثين هناك! وحتى الآن، لا تزال استراتيجية الإدارة الأميركية تجاه تنظيم «داعش» مشابهة لذلك أيضاً إلى حد كبير. وبنظرة خاطفة على خريطة المنطقة في الوقت الراهن يتضح أن التنظيم يهيمن بصورة أساسية على منطقة واسعة في قلب خريطة حدود «سايكس- بيكو» القديمة، إذ يحتل نحو 40 في المئة من الأراضي السورية، متجاهلاً الحدود القديمة تماماً، ومساحة مماثلة من الأراضي العراقية. وفي الواقع قام مقاتلو تنظيم «داعش» مؤخراً باستعراض رمزي عندما أزالوا حاجزاً رملياً عند هذه الحدود، وسرعان ما تلاشت حدود «سايكس- بيكو» بينما أخفقت بعض الحكومات الوطنية في احتواء شعوبها، وعاود العالم العربي الاعتماد على هياكله القديمة. وتظهر دراسة قوية أجرتها ضابطة الاستخبارات العسكرية السابقة «جيسيكا لويس» لدى مركز «دراسات الحرب» أن تنظيم «داعش» ليس مجرد شبكة إرهابية كبيرة فقط، وإنما هو أقرب في إمكانياته إلى «دولة» ناشئة تحاول ترسيخ ذلك الواقع، من خلال أيديولوجية وهيكل بيروقراطي وإيرادات ضريبية وقدرات ومتطلبات عسكرية محددة. ويمتلك التنظيم سيطرة على مساحات شاسعة تمتد على طول الحدود العراقية السورية، بينما يهيمن على مدينة كبرى في كلتا الدولتين، وخطوط اتصال ومناطق عملياتية على الحدود يهدد من خلالها بالتوسع وضم مدن أخرى، مثل محافظة الأنبار المتاخمة للعاصمة العراقية بغداد. وبالطبع، يمكن شنّ هجمات جوية قوية ومؤثرة ضد تنظيم «داعش» ومقاتليه. وكذلك يمكن تعطيل تحركاته وتقليص قدراته العسكرية من خلال عمليات القتل المستهدفة والحيلولة دون وصوله إلى الموارد -البشرية والمالية. ولا توجد مشكلة في تدمير قدراته العسكرية كالمعدات القتالية التي استحوذ عليها من أرض المعركة مع الجيش العراقي، طالما أن الضربات الجوية تستهدفه في سوريا أيضاً وليس العراق فقط. بيد أن هزيمة «دولة داعش»، واستبدالها بنظام سياسي آخر أمر له مصاعبه هو أيضاً، ولنا فيما يحدث في ليبيا عبرة. فهزيمة هذا التنظيم الإرهابي، وبنيته القائمة على الأرض، واستبدال هذا الواقع بنظام سياسي آخر أمر مختلف برمته، ويستلزم وفق أي سيناريو وجود قوات برية. وإن لم تكن قوات أميركية، فمن أين تأتي إذن؟ الجيش السوري؟ كلا. المعتدلون السوريون الذين وصفهم أوباما الصيف الجاري بأنهم «وهْم»؟ كلا. أم أنه الجيش العراقي؟! الحقيقة أن الجيش العراقي يعاني من انقسامات سياسية وعشائرية وطائفية، هذا إضافة إلى نفس الغياب المعرفي والتدريبي الذي ابتليت به بعض الجيوش العربية على مدار عقود طويلة. كما يفتقر هذا الجيش أيضاً إلى الخبرة الكبيرة والدراية بالأسلحة المعقدة، والقتال بالمدفعية والغطاء الجوي. ولم يشارك الجيش العراقي، الذي تم تشكيله من الصفر بتكلفة بلغت 26 مليار دولار، سوى في مهام عسكرية سطحية عديمة الجدوى ولم يخض حرباً حقيقية. وعلى نقيض ذلك، ربما يكون العلاج هو دخول القوات البرية الأميركية، على الأقل، كطليعة لتحالف قوات عربية -إن وجد- ولكن المفارقة هي أن ذلك هو ما قد يأمل تنظيم «داعش» ويرغب في حدوثه تماماً. وعلى رغم انشقاق تنظيم «داعش» عن «القاعدة»، إلا أنه يعتنق الأيديولوجية نفسها، التي ترتكز في الأساس على المعركة الوجودية المزعومة مع الغرب، ولكن في هذه المرة على الأرض في سوريا. ولعل ذلك هو ما حققه تنظيم «القاعدة» على مدار عقد كامل من الغزو الأميركي للعراق. وفي الوقت الراهن، يبدو من المستحيل أن نقترف الخطأ ذاته مرة أخرى، ولكن ماذا لو احتاجت القوات العراقية أو قوات دول عربية أخرى مساعدة الجيش الأميركي؟ فهل سنتركهم وشأنهم يواجهون الهزيمة وتبعاتها؟ تصوري أن هذا هو ما يتلاعب به أوباما ومؤيدوه في الكونجرس بصورة غير مسؤولة وغير ملائمة. فالجيوش العربية لا يمكنها إنجاز المهمة وحدها، فلو أمكنها ذلك ما احتاجت أصلاً إلى مساعدة أميركية من الأساس. ومع استبعاد وهْم كون القوات العربية يمكنها القيام بمهمة القوات الأميركية، فلن تكون هناك هزيمة وشيكة لقوات تنظيم «داعش» وسيستمر ذلك لفترة طويلة جداً.. لمدة لا تقاس بالأشهر وربما لا يمكن تقديرها بسنوات قليلة أيضاً. وعلى رغم أن احتواء التنظيم عن طريق الضربات الجوية أمر ممكن، إلا أن هذه العملية قد تستغرق سنوات مديدة على أقل تقدير. وبالنظر إلى تجربة احتواء القوات الجوية الأميركية للجيش العراقي عقب حرب الخليج الأولى، فقد استغرق ذلك 12 عاماً على الأقل حتى حدث الغزو البري للعراق في عام 2003. ومرة أخرى، في واقع الأمر، سيظل انخراط الجيش الأميركي في الشرق الأوسط يقدر حقيقة بعشرات السنين وسيستمر حتى ذلك اليوم الذين تنفد فيه آخر قطرة نفط. وإذا وعد الرئيس الأميركي والكونجرس بخلاف ذلك فهو على أفضل تقدير يعد بأوهام، أو أنه في أسوأ الحالات يكذب على الأميركيين وغيرهم! ولا زلنا هناك ندافع عن مصالحنا وشركائنا، على رغم كثرة التحديات من حولنا! يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©