الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النظام الدفاعي الأوروبي.. ضرورة ملحة

14 سبتمبر 2014 01:27
بروس أكيرمان أستاذ محاضر في القانون والعلوم السياسية بجامعة «ييل»- أميركا في مواجهة التهديدات الروسية المتصاعدة، كرر القادة الغربيون الذين شاركوا في قمة «الناتو» يومي 4 و5 سبتمبر في «ويلز»، التأكيد على حماية أعضاء الحلف في البلطيق وأوروبا الشرقية من أخطار الغزو. ويكتسي هذا التأكيد أهمية كبرى على المدى القصير، لكنه يتطلب مراجعة الكثير من الأمور لو أردنا له أن يكون صالحاً للتطبيق خلال العقد المقبل. وفيما يتعلق بتطبيقه على المدى البعيد، بات على الأوروبيين أن يؤمّنوا لأنفسهم القوة الدفاعية الكافية لضمان أمن واستقرار جبهتهم الشرقية من دون الاعتماد على المظلّة الدفاعية الأميركية، والتخلي عن الشعور المتواصل بالحاجة للمساعدة العسكرية من جانب واشنطن. ونحن نرى الآن كيف أن الولايات المتحدة غارقة في مواجهة المشاكل والأزمات المتشابكة والمتصاعدة في الشرق الأوسط وأفغانستان. وفي الوقت ذاته، تلتزم بدور «القوة المحورية للدفاع عن آسيا»، وهو التزام محفوف بالصعاب، ويتطلب تحويلا هائلا للقدرات العسكرية نحو المحيط الهادئ. وفيما تبدو الاستعدادات حتى الآن غير كافية لمواجهة التحدي الصيني المتفاقم، فإنها تمثل استراتيجية مهمة يمكنها أن تخلق حيّزاً واسعاً للديمقراطيات الناشئة في دول آسيا الهادئ وأوروبا الشرقية حتى تنعم بالحرية والديمقراطية. وتحت هذا المفهوم العام العالمي، تبرز حاجة أوروبا الملحة للتكفّل بمسؤولياتها للدفاع عن كيانها. وعندما تم تأسيس حلف «الناتو» عام 1949، كان بعيداً عن أن يضمن لأوروبا المحطمة التي خرجت لتوّها ظافرة منتصرة في الحرب العالمية الثانية، القدرة الكافية للدفاع عن نفسها ضد تهديدات الاتحاد السوفييتي. لكن التطور المهم بعد ذلك يكمن في أن القارة الأوروبية استطاعت قطع شوط كبير في إصلاح أمورها وتحسين أوضاعها. والآن، باتت فكرة إقامة نظام ردع أوروبي يمكن الاعتماد عليه، خياراً واقعياً وضرورياً لا يمكن تجاهله، خاصة بعد أن أصبحت القدرات العسكرية الروسية محدودة بسبب التراجع الديموغرافي وفشل روسيا في تأسيس نموذج ديناميكي فعّال لاقتصاد السوق. ورغم ذلك، بدا وكأن الاتحاد الأوروبي لا يشعر بالسعادة في تحمّل هذا العبء طالما أن طبيعة الترتيبات السياسية القائمة فيه حتى الآن تسمح له بالاعتماد على الإنفاق العسكري الأميركي وضمان أمنه الذاتي على حساب الغير. وتساهم الولايات المتحدة حالياً بنحو خمس الميزانية السنوية لحلف «الناتو». وقد لا تبدو هذه النسبة ضخمة، لكنها تسقط من الحساب تكاليف ورواتب نشر الجنود والموظفين الأميركيين في المواقع التي يتولى فيها الحلف تنفيذ عملياته. وبهذا، يرتفع الإنفاق الدفاعي العام للولايات المتحدة إلى نحو 73 بالمئة من مجمل الإنفاق العسكري لدول «الناتو». ونتيجة لذلك، اكتفى القادة الأوروبيون بالاقتناع بعدم وجود حوافز لإجراء تغييرات جذرية على الوضع القائم. وأصبح واضحاً الآن أن المصلحة العليا للأوروبيين، تكمن في إجراء هذه التغييرات الجوهرية في استراتيجياتهم الدفاعية. ودليل ذلك أن أعداداً متزايدة من الأوروبيين العاديين باتوا ينظرون للاتحاد الأوروبي وكأنه آلة ضخمة معطلة تثير الشفقة، ولا تهدف إلا إلى استعراض الألمان لتفوقهم على بقية دول القارة. وبدأ الدعم الشعبي للاتحاد بالتراجع السريع. وحتى الدول الأوروبية الرائدة، مثل فرنسا، أظهرت امتعاضاً ونفوراً من الواقع الذي آل إليه الاتحاد، بل بدأ الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الفرنسي بقيادة فرانسوا أولاند، بإثارة مشكلة حكومية عندما دعا إلى الاحتجاج على الأنظمة والمقاييس المعتمدة في صلب النظام الأوروبي الاتحادي. وفي هذا الوقت بالذات، أصبحت «مارين لوبين»، زعيمة اليمين المتطرف، المرشحة الأقوى لانتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2017. لكن إعادة التفكير في الحال الذي أصبح عليه حلف «الناتو» قد تساعد في إجراء تغيير في السياسات التي يعتمدها الأوروبيون. وألمانيا التي تبدي اهتماماً كبيراً بالإبقاء على حدودها الشرقية أبعد ما تكون نحو الشرق، أصبحت مجبرة على تقديم تنازلات والاتجاه نحو مشاركة الآخرين بهامش أكبر من قوتها الذاتية. ولأسباب تاريخية واضحة، لا يمكن للجنرالات العسكريين الألمان لعب دور مهم في قيادة الجيش الأوروبي الذي ينتظر تشكيله مستقبلا. وربما تأتي غالبية القيادات العسكرية من فرنسا وبريطانيا. لكن دولا مثل إيطاليا وبولندا وإسبانيا ستضطلع بدور قيادي مهم في الجيش الأوروبي الموعود. ولعل الأهم من هذا وذاك هو أن يلعب النظام الدفاعي الأوروبي الجديد دوراً محفزاً للسياسيين وعامة الأوروبيين للتمسك بالقيم الديمقراطية التي تحقق الربط بين الإستونيين في أقصى شرق أوروبا والبرتغاليين في أقصى غربها، وبين البلغاريين والنرويجيين، وبحيث يشعر الجميع أنهم متساوون وآمنون تحت مظلة الاتحاد الأوروبي الذي يجمعهم. وإذا ما اجتمعت آراء الأوروبيين على تقديم التضحيات اللازمة لتشكل نظامهم الدفاعي الذاتي بدلا من النظام الدفاعي الأميركي للتصدي لأي غزو روسي محتمل، فإنهم بذلك سيزيلون الشعور السائد بأن أوروبا لا زالت تشكل مجتمعاً سياسياً يعتمد القيم الديمقراطية لكنه يفتقر للاستقلالية. ويضاف إلى ذلك أن الالتزامات الدفاعية سوف تدفع الاتحاد الأوروبي نحو تحقيق اختراقات ديمقراطية أكثر عمقاً وتنوعاً. وبما أن ذلك سوف يعني بأن الاتحاد الأوروبي قبل بتحمل مسؤولياته الذاتية فيما يتعلق بالحرب والسلام، فسيعني أيضاً بأنه لن يذهب إلى الحرب من دون موافقة الشعب ديمقراطياً. ومن شأن ذلك أن يخلق لدى المواطن الأوروبي شعوراً أقوى بالمشاركة في صنع القرار السياسي والعسكري. وتبرز أهمية هذه الطروحات من خلال الحقيقة التي تفيد بأن مصداقية حلف «الناتو» سوف تصبح مجالاً للشكك أكثر وأكثر بمرور الأيام. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©