الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لطيفة سالم: أربعة منتصرين ومهزومان في العدوان الثلاثي على مصر

10 نوفمبر 2006 01:30
عرض - حلمي النمنم: يوم 29 أكتوبر الماضي مرت الذكرى الخمسون للعدوان الثلاثي على مصر، عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر عام 1956 و تمكنت اسرائيل من احتلال سيناء وأرادت بريطانيا وفرنسا السيطرة التامة على قناة السويس والمناطق المحيطة بها، وانتهت الأزمة بأن خرجت بريطانيا وفرنسا بالهزيمة التامة، وكانت الولايات المتحدة قد قررت منذ سنوات أن انجلترا تنتمي الى الاستعمار القديم، وسعت إلى طردها من المنطقة لتحل واشنطن محلها حتى تكون قريبة من منابع البترول، وكانت أميركا قد شعرت بعد شن العدوان بأن حليفتيها تآمرتا وشنتا الحرب من وراء ظهرها، وبدا ان الاتحاد السوفيتي لديه فرصة كبيرة لدخول المنطقة ومساندة عبدالناصر، لذا سارعت أميركا الى الوقوف ضد العدوان والمعتدين· أستاذة التاريخ المعاصر د· لطيفة سالم، أعدت كتاب ''أزمة السويس'' عن هذه المرحلة التاريخية وصدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب· الأزمة بدأت عام ،1954 حين وقع عبدالناصر اتفاقية الجلاء في 19 اكتوبر وقبلت مصر بعض التنازلات في هذه الاتفاقية مثل ان يكون لبريطانيا حق استغلال قاعدة القناة في الأعمال العسكرية إذا تعرضت أي دولة من الدول الموقعة على اتفاقية الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو تركيا للهجوم، وأن تدور مصر في فلك الغرب، ولم يكن محمد نجيب رئيس الجمهورية راضيا عن المعاهدة وكانت له تحفظات عليها، ولكن لم يكن القانون ينص على أن يوقع رئيس الجمهورية المعاهدة لتكون صالحة، ولذا ذهبت الى مجلس الوزراء الذي كان يترأسه عبدالناصر فوافق الوزراء عليها بالاجماع· كما كانت هناك معارضة للاتفاقية قادها الإخوان ورموز حزب ''الوفد'' وعبر رئيس الوزراء الأسبق مصطفى النحاس عن عدم ترحيبه بالاتفاقية، لكن بريطانيا ساندت عبدالناصر وألقت بثقلها خلفه، خاصة بعد ان حاول الإخوان اغتياله في ميدان المنشية بالاسكندرية بعد توقيع الاتفاقية مباشرة، وتم عزل نجيب وجرى التحفظ عليه في قصر زينب الوكيل بالمرج، واعتبرت الحكومة البريطانية ذلك نزاعا داخليا يخص الحكومة المصرية، ولم تكن بريطانيا متحمسة لنجيب، وحذر عبدالناصر السفير البريطاني آنذاك من ان البلد على وشك ''ثورة حمراء'' وكان هذا الاحتمال يقلق انجلترا وأميركا ايضا· أسلحة لمصر وبعد ازاحة نجيب لم يُعين عبدالناصر رئيسا رسميا لمصر، لكنه ظل يشغل موقع الرجل الأول وصاحب الكلمة العليا، وركز همه بعد الاتفاقية في شراء الأسلحة من بريطانيا لاعادة تسليح الجيش المصري، ورفعت بريطانيا فور توقيع المعاهدة الحظر على توريد السلاح الى مصر والذي كانت قد فرضته في عام 51 إبان اتساع المقاومة الوطنية ضدها، وسلم عبدالناصر انتوني ناتنج بعد التوقيع مباشرة قائمة بالاحتياجات من الأسلحة والعتاد، ورحبت الحكومة البريطانية بهذه المطالب، وحين عُرض الأمر على مجلس العموم البريطاني وقف حزب العمال ''المعارض'' ضد تزويد مصر بالسلاح ما لم يكن هناك ضمان من الحكومة المصرية بأنه لن يستخدم ضد اسرائيل، وهاجم حزب العمال اتفاقية الجلاء لأنها لم تنص على إلزام مصر بإقامة سلام مع إسرائيل وعدم الاعتداء عليها والسماح لسفنها بالمرور في قناة السويس، واعترف رئيس الوزراء البريطاني انتوني ايدن بأنه كان يجب النص في المعاهدة على ذلك، لكنه تعلل بأنه لم يكن ممكنا بحث هذه الأمور مع المصريين وقت التفاوض، ودافع بأن سفن اسرائيل تمر -فعليا- في القناة ولكن بأعلام وأسماء أخرى· أما عن استخدام مصر للأسلحة فإن بريطانيا متأكدة من أن السلاح لدى مصر لن يستخدم إلاّ في الدفاع المشروع عن النفس، وأنّها ستمكّن دول الشرق الأوسط جميعا من الدّفاع عن نفسها، وعلى هذا تمت الموافقة على الاتفاقية، وكان ايدن يراهن على أن عبدالناصر سوف ينضم إلى الغرب وسوف يقيم سلاما مع اسرائيل، خاصة أن عبدالناصر وقتها أبدى مرونة مع وسطاء السلام· واهتم عبدالناصر مع البريطانيين بمسألة التنمية والتعاون الاقتصادي، ووافقت بريطانيا في أغسطس عام 1955 على أن تفرج سنويا عن 20 مليون جنيه استرليني من الأرصدة المصرية المجمدة، ونشطت الغرفة التجارية المصرية - البريطانية، وازدادت واردات انجلترا من القطن المصري وبدأت البيوت المالية البريطانية تسعى للمساهمة في المشروعات الانتاجية بمصر، والتقى وزير الدولة البريطاني المسؤول عن شؤون التجارة والاقتصاد مع عبداللطيف البغدادي رئيس المجلس القومي المصري للانتاج ووزير الشؤون البلدية آنذاك، وكان الواضح أن العلاقة بين البلدين تسير نحو التحسن وكان عبدالناصر سعيدا بذلك وأيضا ايدن، ولكن بدا الأمر وكأنه شهر عسل قصير جدا، فقد سعت بريطانيا الى استقطاب مصر إلى سياسة الأحلاف، وبدأت بحلف بغداد· كانت بريطانيا تؤمن بأن هذا الحلف يعوضها عن قاعدة قناة السويس التي فقدتها بتوقيع اتفاقية الجلاء، وقبل أن ينضم العراق إلى الحلف أرسل عبدالناصر صلاح سالم وزير الارشاد القومي الى بغداد والتقى نوري السعيد محاولا إثناءه عن الدخول في الحلف، ثم التقاه عبدالناصر، لكن نوري السعيد كان مُصِرّاً وتمّت الدعوة لاجتماع وزراء الخارجية العرب، وجاء وزير خارجية العراق ليقنع الدول العربية بإيجابيات التعاون مع الغرب، وكان نوري السعيد مؤمنا بأن الأفضل للعرب الارتباط بالغرب، فأصدر وزراء الخارجية قرارا بأن الأحلاف العسكرية التي يعقدها أعضاء الجامعة العربية خارجة عنها منافية لميثاقها· وبدأ عبدالناصر يشن حربا اعلامية وسياسية ضارية ضد الحلف وأعضائه، وانضمت تركيا وايران وباكستان الى الحلف، وبدأ الضغط على الأردن للانضمام وكاد الملك حسين يوقع، لكن كانت القاهرة بالمرصاد·· وفي تلك الفترة قام تحالف مصري سعودي سوري ضد حلف بغداد، وتعهدت السعودية بأن تقوم بتعويض الأردن عن المساعدات البريطانية السنوية، وتم طرد جلوب باشا قائد الجيش الاردني وهو بريطاني من عمان، وذهب وزير الخارجية البريطاني الى البحرين فاستقبل بمظاهرات غاضبة تندد بسياسة بلاده في المنطقة وحمل ايدن عبدالناصر المسؤولية عن ذلك الاستقبال وهدد باغتيال عبدالناصر، وبدأت الخطط لذلك، لكن دالاس وزير خارجية أميركا رفض فكرة الاغتيال بشدة، وكان رأيه أنه ما زال ممكنا احتواء عبدالناصر وتقديم الاغراءات له· دور أميركا وكانت أميركا سعيدة بما يجري لبريطانيا فقد كانت تخطط لازاحة لندن نهائيا من مستعمراتها في المنطقة لتحل محلها·· وعاد أيدن ليفكر في تدبير انقلاب على عبدالناصر من الداخل على طريقة الانقلاب الذي وقع ضد مصدق في إيران، وجرى التفكير في عدد من الشخصيات البديلة مثل محمد نجيب ومصطفى النحاس وعلي ماهر، لكن اميركا اعترضت بشدة، فالظروف في مصر تختلف عنها في إيران، حيث تجمع بعض المعارضين حول الشاه ضد مصدق وهذا ليس متاحا في مصر· وكانت أميركا لا تزال تلح على امكانية احتواء عبدالناصر ومن هنا فكرت في مشروع السد العالي· وبدأ التفاوض حوله، ولكن نظرا لغضب إيدن قررت بريطانيا وقف امداد مصر بالأسلحة التي طلبتها وسبق ان وافقت عليها بريطانيا وازداد الحاح مصر عليها بعد أن شنّت اسرائيل غارتها على القوات المصرية في غزة وقتلت 31 وأصابت ،38 وتابع عبدالناصر بنفسه عمليّات الفدائيين داخل إسرائيل، فتكرّرت الغارة الإسرائيلية على غزة، ثم فاجأ عبدالناصر العالم بإعلان صفقة الاسلحة التشيكية وهي بالفعل كانت صفقة سوفيتية، لكن السوفيت أتموها عبر تشيكوسلوفاكيا، وكانت الصفقة تعني دخول الاتحاد السوفيتي المنطقة، وهو ما أقامت بريطانيا حلفَ بغداد لمنع حدوثه· وعاودت لندن الضغط مع أميركا للاطاحة بعبد الناصر ورغم غضب الأميركيين فقد كان لديهم أمل في امكان احتواء عبدالناصر وضمه إلى معسكرهم، ودخلت بريطانيا بمشروع يقضي بأن تقيم مصر سلاما مع إسرائيل، وأن تقود العالم العربي إلى السلام مع اسرائيل، بعدها تبدأ عملية التنمية وبناء السد العالي، وحاولت بريطانيا ان تسوق المشروع أو الخطة بأنها ضرورية للتفرغ للعدو المشترك وهو الاتحاد السوفيتي والشيوعية، لكن سقطت الخطة ولم يرفضها عبدالناصر بشكل مباشر ولكن أصر على أمرين: الأول: حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم طبقا للقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة· والثاني: أن تتخلى إسرائيل عن جنوب صحراء النقب، حتى لا يكون هناك عازل بين مصر والأردن، ورفضت اسرائيل الطلبين، فقد رأت أن عودة اللاجئين تخل بالتوازن السكاني لديها وسوف يصبح اليهود أقلية داخل فلسطين، وفيما يخص النقب فقد اعتبرت ذلك مخلا بقرار التقسيم، وهنا أخذت الولايات المتحدة تتلكأ في تمويل السد العالي وتُصرُّ على السلام مع إسرائيل، ثم رفضت تمويل مشروع السد عن تصور: أن ذلك سوف يحرج عبدالناصر ويضعفه أمام الرأي العام العربي، فرد عليهم بقرار تأميم قناة السويس في 26 يوليو عام ·1956 وثيقة ''سيفر'' واعتبر إيدن قرار التأميم إهانة شخصية له من عبدالناصر، وقرر الثأر لكن الولايات المتحدة قررت عدم الضغط على عبدالناصر حتى لا يندفع الى ما هو أسوأ من وجهة نظرهم، وبدأ التفكير في تدويل قناة السويس، بمعنى أنه إذا كانت مصر تريد طرد الشركة والتخلص من السطوة الاستعمارية لفرنسا وانجلترا فهذا حقها، وإذا كانت بريطانيا لا تريد ان تتركها لمصر وللمصريين فهذا أيضا مقبول، بدعوى أن مصر لن تكون قادرة على إدارة القناة، فضلا عن أنها في حالة عداء مع اسرائيل وتمنع سفنها من المرور في القناة، فرفضت مصر الفكرة· وبدأ إيدن مع جي موليه رئيس وزراء فرنسا وبن جوريون رئيس وزراء اسرائيل التخطيط لغزو مصر، كان ايدن يريد الاطاحة بعبدالناصر وكانت فرنسا تريد استعادة القناة فضلا عن تدمير عبدالناصر الذي أخذ يساند الثوار في الجزائر، وإسرائيل تريد تدمير الجيش المصري والتوسع في المنطقة فضلا عن حق المرور في القناة ووقع المتآمرون الثلاثة وثيقة ''سيفر'' للبدء بالعدوان· وبدأ الاتحاد السوفيتي تحريك أسطولة وإجراء المناورات العسكرية وتبين أنه في طريقه لدخول المنطقة، فصار على الولايات المتحدة ان تعمل بجدية على قطع الطريق عليه وأمرت بريطانيا وفرنسا بوقف القتال والتراجع·· وهكذا في وقت متقارب جداً تدخل ايزنهاور ضد حلفائه مطالبا إياهم بوقف العدوان فورا وأصدر بولجانين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي تهديده الشهير للدول المعتديه، فتوقفت الحرب وهُزم الحلفاء· وماطلت اسرائيل في الانسحاب من سيناء، لكنها انسحبت في النهاية، وخرجت بريطانيا وفرنسا نهائيا من منطقة القناة يوم 23 ديسمبر 1956 واعتبر يوم النصر في مصر، وإن كان هذا اليوم كاد يُنسَى الان، وقد حاولت بريطانيا ان تثير ازمة دولية حول ادارة القناة بعد الجلاء لكن الولايات المتحدة تصدت لها واعلنت أن المصريين أداروا القناة بكفاءة بعد التأميم· وكسبت اسرائيل، فقد صار من حقها ان تمر سفنها عبر قناة السويس وخليج العقبة وان توجد قوات طوارىء دولية لتضمن هذا الحق وإن لم يعلن ذلك للرأي العام في مصر أو العالم العربي، على أن المكسب الأكبر لإسرائيل هو أنّ جيشها احتل سيناء بسرعة فصار أكثر ثقة بقدراته· والكاسب الثالث هو الولايات المتحدة التي ورثت موقع بريطانيا في المنطقة وصار لها نفوذ أكبر، والكاسب الرابع هو الاتحاد السوفيتي فقد نال اعترافا بدور له في المنطقة وصار له وجود فعلي مؤثر، وظل كذلك حتى انهار نهائيا في ·1991
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©