الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بيار كالام : ضرورة بناء الجماعة البشرية وفق أسس إصلاحية مغايرة

10 نوفمبر 2006 01:30
\عرض ـ رسول محمد رسول : يعيش عالمنا المعاصر اليوم إقبالاً منقطع النظير على الديمقراطية، خصوصاً وأن الأنموذج المطروح أمام العالم هو أنموذج الديمقراطية الأميركي الذي بدا شاغل الناس وهمّ أهله ودعاته، وبالطبع هناك من لا تروق له ديمقراطية الغرب الأميركي ولذلك ينظر إليها بعين النقد من خلال إعادة النظر في مفهوم الدولة وفي مفهوم الحكم وبالتالي في مفهوم الحاكمية كما يفضل هذه التسمية بيار كالام، الكاتب الفرنسي في الشؤون السياسية، استخدامه في كتابه (تفتت الديمقراطية) الذي تُرجم مؤخراً عن الفرنسية إلى العربية·ينطلق المؤلف من فكرة بسيطة مفادها الدعوة إلى إحداث ثورة حقيقية لمفهوم الحكم والقيادة أو لمفهوم الحاكمية من خلال تمكين المجتمعات البشرية على تجهيز نفسها بنظم تمثيل ومؤسسات وعمليات وقواعد وطقوس وقيم مشتركة وممارسات لتسيّر ذاتها بحركة طوعية لكي تبني أشكالاً جديدة لمساهمة تسمح للمواطن أن يؤثر على السياسات التي تعنيه· وفي ضوء ذلك ينطلق المؤلف في تقديم هذه الرؤية والدعوة إلى تبيئتها من خلال جملة من الفصول التي ضمها هذا الكتاب، ومن ذلك أنه تناول غربة أنظمة الحكم الراهنة أو الحاكمية الراهنة عن الواقع الذي تعيش فيه، وتطرَّق إلى المقدمات المنطقية للثورة التي أقبلت عليها الحاكمية الحديثة· المعروف أن لمصطلح الحاكميَّة تداولاً مخصوصاً في الأدبيات السياسية الغربية المعاصرة، وهو تداول خالٍ من أي معطيات دينية أو ثيوقراطية؛ فقد كان المصطلح قد ظهر في اللغة الفرنسية القديمة خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وأستخدمه شارل دورليان في وصف إدارة وفن الحكم· لكنه يُستخدم اليوم، بعد أن صارت كلمة الحاكمية متداولة في الأدبيات السياسية الأميركية، في مجال جملة أساليب تنظيم المنشآت وإدارتها، ومن ثمَّ انتقال هذا المصطلح إلى ما يُعرف بإدارة الشؤون العامة في المجتمعات، ومن ثمَّ مجمل تقنيات تنظيم المنشآت وإدارتها· غربة الحاكميّة يعتقد المؤلف أن تحليل غربة الحاكمية الراهنة عن الواقع ينتظم في محاور عدة منها، أولاً: إن الثورات العلمية والتقنية جعلتنا ندخل في عصر جديد من خلال حجم المشكلات أو من خلال طبيعة الديمقراطية أو الطرق الممكنة لممارستها· ثانياً: الديمقراطية في أزمة، ففي الوقت الذي تبدو فيه ظاهرياً أنها تنتصر في كل مكان يلاحظ أنها تفرغ من جوهرها لعدم ممارستها على المستويات الملائمة وعدم اهتمامها بالمشكلات الأساسية، وعدم القيام بإصلاح حالها· ثالثاً: إن آفاق الإصلاح قليلة الفعالية وقد أفضى فشلها إلى وهم مفاده أن العمل العام غير قابل للإصلاح· وإزاء ذلك أن نجاح مهمة إصلاح الحاكمية تتطلب إجراء إصلاحات مؤسسية بل يجب، والقول للمؤلف: تغيير النظارات، والتساؤل عن أسس الحاكمية الراهنة حتى وإن كانت هذه الأسس تكرَّست نتيجة عادة قديمة، كذلك ينبغي ألا نبتكر على نحو مصطنع نسقاً جديداً إنما علينا أن ننطلق مما يتحرَّك أصلاً· إن هذه الرؤية النقدية لأنظمة الحكم المعاصرة أو لأنماط الحاكمية الراهنة يتبعها المؤلف بيار كالام بتقديم رؤية أخرى جديدة تأخذ بعين الاعتبار مجمل المتغيرات التي جرت براهنية العالم المعاصر، ولذلك خصّصّ المؤلف صفحات من كتابه في النظر بضرورة بناء الجماعة البشرية من جديد ووفق أسس إصلاحية مغايرة عما كانت في الماضي من خلال الدعوة إلى مجتمعات قائمة على أُسس العقد المشترك والمبادئ المشتركة وعلى أساس العيش معاً، فلكي تكون هناك جماعة ينبغي أيضا أن يكون هناك عقد مجتمعي حقيقي بين الفاعلين وأن يقر كل من هؤلاء تجاه الجماعة بكاملها بالمسؤوليات التي تناسب حقوقه· وهنا يعتقد كالام أن وظيفة الحاكمية الأولى هي بناء تماسك الجماعة، ولهذا لا يكفي الحاكمية أن تكون قانونية بل ينبغي أيضا أن تكون شرعية· التعاون بين المستويات وفي سياق تقديم رؤيته فصَّل المؤلف القول في مسألة العلاقات بين مستويات الحاكمية، فالمؤلف يعتقد أنه ليس هناك مشكلة جدية يمكن معالجتها على مستوىً واحد، فكل شيء هو محلي وإجمالي أو عالمي، وهذه الملاحظة البسيطة تقضي على الافتراضات والبديهيات الأكثر رسوخا كالقول مثلا: لا وجود لديمقراطية ممكنة من دون تخصيص واضح لكل مستوى من مستويات الحاكمية وصلاحيات حصرية يتحمل مسؤوليتها بالكامل· كما أن المؤلف يدعو إلى الاعتقاد بضرورة القول إن مفتاح حاكمية الغد لم يعد مبدأ تقسيم الصلاحيات بين المستويات إنما على العكس مبدأ التعاون بين المستويات، ومبدأ التعاون هذا يستند إلى التجربة· إلى جانب ذلك يتناول المؤلف العلاقات بين العمل العام والسوق، وفيه حاول تخليص النقاش من الشوائب الأيديولوجية التي غالباً ما غلفته نتيجة الخلط بين مجالات في غاية الاختلاف تتعلق بطبيعة ومآل وتوزيع الخيرات والخدمات· وقد لمس المؤلف أن هذا الخلط يقف اليوم حاجزا أمام رؤية ما هو أساسي، أي الموقع المهم الذي يحتله اقتصاد المعرفة، وندرة الموارد الطبيعية مقارنة بشهيتنا على الاستهلاك· وهاتان المسألتان من منظور المؤلف، تفضيان إلى الاعتراف بأن الخيرات الأكثر قيمة بالنسبة إلى المستقبل هي التي تتكاثر جراء تقاسمها· ومن هنا استنتج المؤلف أن التفكير في العلاقات بين العمل العام والسوق يرتبط، فيما يخص كل خيار سياسي مصدره جهة عليا، بطبيعة الخيرات والخدمات الناجمة قبل كل شيء عن الصناعة الإنسانية لكنها خيرات وخدمات تنقسم وهي تتقاسم، وأخيرا الخيرات التي تتكاثر وهي تتقاسم· إن فاعلية السوق وشرعيته، كما يقول كالام: قلّما يتم الاعتراض عليها من قبل الصنف الثالث، أما الأصناف الثلاثة الأخرى فتنتمي إلى منطق آخر· ولكي يكون هناك شراكة ينبغي أن يكون هناك شركاء واعون لمسؤولياتهم الأمر الذي يؤدي إلى ضرورة المساعدة على ولادتهم· كما أن نظام الحاكمية الذي يدعو له المؤلف لا بد أن يقوم على احترام المناطق، ذلك أن نظم الإنتاج كما الخدمات العامة المنظمة، هي فروع عمودية ينبغي أن تتوازن من خلال توطيد العلاقات الأفقية التي هي أيضاً شرط من شروط التنمية المستدامة، وشرط، كذلك، من شروط التماسك المجتمعي، ولهذا يعتقد المؤلف جازماً أن المناطق هي حجر الأساس لحاكمية القرن الحادي والعشرين· أخيرا يرى المؤلف أن المنطق المؤسساتي، وطرق العمل، والثقافات، وأنماط التقرير، وإدارة الوقت، هي التي تبني الحاكمية بصورة أكثر فعالية واستدامة من الخطابات السياسية مهما كانت نواياها حسنة· إن فن الحاكمية هو قبل كل شيء فن تصوُّر نظم تبعا للوجهة التي تحقق الأهداف المتوخاة· وختم المؤلف كتابه بالقول: إن فن الإبحار في عمق البحر، أي إدارة الوقت، وإدارة التردُّد، وإدارة الموارد والتعاون، هو الفن الذي تقوم عليه الحاكمية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©